«البيبي دول».. وصفات جاهزة مزيّنة بالنجوم

ليلى علوي وجميل راتب ونور الشريف وسلاف فواخرجي في أحد الاحتفالات الترويجية للفيلم.«رويترز»

لابد أن الحالة الطبيعية التي يعيشها المشاهد هذه الأيام، هي ترقب عرض فيلم «ليلة البيبي دول» الذي لم يعرض بعد في دور العرض المحلية، وبالتالي فإن الحملة الإعلامية التي تسبقه بإمكانها وباقتدار أن تتيح مساحة ترقب كبيرة، فهو تارة الفيلم ذو الميزانية الأكبر في تاريخ السينما المصرية، وتارة أخرى الأكثر إبداعاً، كما يكفي إيراد أسماء النجوم المشاركين فيه ليقع المرء في هول ما ينتظره: فقد شارك فيه ـ عدوا على أصابعكم إن كانت تكفي ـ محمود عبدالعزيز، ونور الشريف، وجميل راتب، وليلى علوي، ومحمود حميدة، ومحمود الجندي، ومن سورية جمال سليمان وسلاف فواخرجي، من دون أن يخفى أن أسماء أخرى أستعيدها الآن من بين زحمة النجوم، مثل غادة عبدالرازق وعزت أبوعوف ونيكول سابا وروبي وآخرين.

كل ما تقدم يسبق عرض الفيلم، لكن عندما عرض في «سوق كان» بدا الأمر مغايراً تماماً، ووقع المفاجأة قريب جداً من الصدمة، من دون أن يفوتني أنه في «كان» سبق أيضا بحملة إعلانية لا مثيل لها، فقد تصدر إعلانه أغلفة مجلات مثل «فاريتي»، و«سكرين»، و«الفيلم الفرنسي»، ووجدت إعلاناته أيضا في شوارع مدينة «كان» بقوة، وبالتالي بتكلفة عالية جداً، ويمكن الإضافة إلى ذلك أنه لدى عرضه حضر جميع نجوم «ليلة البيبي دول»، مضافاً إليهم، عمر الشريف الذي لم يشارك في الفيلم، إلا أنه حضر الافتتاح، وصعد إلى خشبة المسرح.

 

وقال «لم أشارك في الفيلم، لكنني أتساءل مادام كل هؤلاء النجوم شاركوا فيه فلمَ لم تدعوني» موجهاً كلامه للمخرج عادل أديب ومدير الشركة المنتجة «غود نيوز» عمادالدين أديب، ولئلا يفوتني فإن الفيلم أيضا مهدى إلى روح عبدالحي أديب كاتب سيناريو الفيلم، ووالد المخرج والمنتج.

ماذا يحكي الفيلم؟ وكيف قدم لنا المخرج عادل أديب فيلمه وعالج السيناريو الذي كتبه والده؟ وهل كان حقاً بحجم ما روج له؟ الإجابات تأتي تباعاً وأنا أحاول قراءة الفيلم الذي إن كان لي أن أجد توصيفاً مكثفاً له، فإنه كان على قدر كبير من الببغائية، وأوضح أنه فيلم من بطولة «الفلاش باك» بلا منازع أولاً، حيث إننا كنا نشاهد طيلة الفيلم استعادة حرفية لأحداث تاريخية لا جديد فيها إلا أنها لا تستعين بالمادة الأرشيفية، فأحداث 11 من سبتمبر تستعاد مشهدياً وبتقنية عالية ولكن حسام (محمود عبد العزيز) من نراه يركض في مانهاتن، وفي اثره رماد وغبار ودمار برجي التجارة العالميين، طبعاً هذا يأتي من الذاكرة بعد أن يشتري فستان «البيبي دول» الذي يكون هديته إلى زوجته «سلاف فواخرجي» في القاهرة، والتي لم يرها منذ ما يقرب السنة، وعليه فإن ليلة من المتعة يستعاد فيها 60 سنة من القتل والحروب، على اعتبار ذلك الجملة الناظمة للفيلم، ويمضي الفيلم ونحن نلاحق تعثر ليلة البيبي دول عبر التهريج المعاد عشرات المرات والمتبادل بين عبدالعزيز وفواخرجي، بينما تدور حولهما قصص وحكايات مستعادة إلى ما لانهاية، فيكفي أن ترمش عين حتى يعود بنا الفيلم إلى التاريخ، وكل ما يفعله هو حشر شخصيات الفيلم في الأحداث، واستعادته بحرفية بصرية شاهدناها مئات المرات في نشرات الأخبار.

 

لكثرة الأحداث المستعادة فإنه لا مجال لأن تستعاد كاملة، حتى إنه ضمن الاستعادة استعادة أخرى فرعية، وغير ذلك، وتحديداً حين يتعلق الأمر بعوضين (نور الشريف)، الذي يقدم شخصية الإرهابي في الوقت الحالي، والبطل الوطني السابق الذي لم يترك حرباً تعتب عليه إلا شارك بها، فهو موجود في كل تاريخ الوطن العربي، هو المقاتل الأشوس في أكتوبر، والمعتقل السياسي، ومن ثم المعتقل في «أبو غريب»، طبعاً كل ذلك نعود إليه، كما لو أن رهان الفيلم أن يبني أرشيفه الخاص الذي يأتي طبق الأصل عن أرشيف أي محطة إخبارية، فعوضين، وكمثال على ذلك، يعيد تشكيل كل الصور الشهيرة في سجن «أبوغريب»  الصور التي لا تفارق ذاكرتنا، والتي لا حاجة لنا بأحد ليذكرنا بها مادام لا يضيف شيئاً إبداعياً إليها، مادام تقديمها للفيلم لمجرد عرضها والسلام.

ذاكرة الشخصيات هي المبرر لاستعادة كل ما حدث، يكفي أن يلمح عوضين نجمة داود في أحد «الفلاشات باك» في قلادة غادة عبدالرازق حتى نعرف أنها يهودية، لكن على رسلكم، يعود الفيلم بالزمن فإذا بها ضد الاحتلال الاسرائيلي، لا بل إنها راشيل كوري، كما يعود في استعادة أخرى لنرى أن جرافة اسرائيلية قد سحلت جسدها، وكما نعود أيضا لنرى مؤتمراً صحافياً لأهلها في نيويورك بحضور عوضين طبعاً، ومن ثم يستعاد تاريخ أهلها أيضاً، حيث نعود في الفيلم إلى المعتقلات النازية لليهود.

 

ما تقدم غيض من فيض، من حفلة الجلد التاريخية، وعذراً على استعمالي الكثير لكلمة «نعود» لكن لا مناص من ذلك مادام في ذلك آلية الفيلم الرئيسة، وإلى جانبها مواعظ سياسية خشبية، ووصفات جاهزة عن علاقة أميركا بالعالم العربي، والظلم اللاحق بنا، وغير ذلك من حوارات مسبقة الصنع، كأن تجري مقارنة حكم صدام حسين بالاحتلال الأميركي للعراق.

 

وفق عدد الأرواح التي أزهقت في كلتا المرحلتين، وغير ذلك من الكلام المجاني في مقاربات كثيرة، لا تتخذ إلا من الشعارات منطقاً لوجودها، وعين الفيلم على أن يقدم هجائية لأميركا، وإحقاق الحق العربي، كعبارات مجردة وعائمة، ونحن نرى عوضين في طريقه إلى تفجير الفندق الذي يضم نزلاء أميركيين، عوضين البطل الذي أمام كل الظلم المحيط بنا صار إرهابياً لا يعرف الرحمة، البطل الوطني القادر على قتل صديقه (جمال سليمان) دون أن يرف له جفن.

كل شيء مبرر في فيلم «ليلة البيبي دول» وفق ـ أعود وأكرر ـ وصفات جاهزة، وكلها حاضرة وبحاجة لتمحيص وتدقيق، ولعل الأمر الواضح بسطوع في الفيلم هو تكلفته، والتي حقيقة كانت كبيرة للأسف.

تويتر