سماحة المفتي

سلمان الدوسري


أعني هنا الفنان محمد عبده، الذي ترك تخصصه الذي برع فيه، وتحول مفتياً يُحلل ويُحرم، ولو أنه بقي في ما برع فيه عقوداً طويلة، لحافظ على إعجاب جمهوره، لكنه أبى إلا أن يتحول إلى نابغة زمانه.

 

 و(المغني) محمد عبده ليس وحده، فكاظم الساهر تحول إلى مُنظِّر سياسي، وحسين فهمي يهاجم الحجاب، ودريد لحام يناقش قضايا الشرق الأوسط، وحتى هيفاء وهبي تنظِّر في الآداب العامة وما يجوز وما لا يجوز، أما عادل إمام فهو المفكر العربي الكبير الذي ينازع ابن خلدون في نظرياته!

 

فنانونا العرب ينسون، أو يتناسون، أنهم مطربون أو ممثلون وليسوا مفكرين، فيتحركون رويداً رويداً في الحديث خارج مجالهم، وأيضاً خارج ثقافتهم، وهذه ما هي إلا بداية فقط، فهم أكثر من تشرع لهم أبواب الإعلام أبوابها، فتجد أحاديثهم لا تتناول فنهم ولا خفايا ما يقدمونه، ويفرحون كثيراً بتحولهم إلى أساتذة في الشأن العام، فتارة يعطون رأياً في الحرب على العراق، وتارة أخرى يقترحون حلاً جذرياً لقضايا الإرهاب، بينما المتلقي المسكين يؤخذ على حين غرة ويصدق أن هؤلاء هم صفوة المجتمع، كما يقدمهم مستضيفهم.

 

ولأن هؤلاء الفنانين لم  يتجرأوا على الفتوى، ولا على التنظير في القضايا السياسية والفكرية، إلا بعد أن أتيحت لهم الفرصة، ُرك لهم الحبل على الغارب، من قبل وسائل الإعلام، فإن هذه الوسائل نفسها تتحمل أيضاً مسؤولية في إعطاء ضيوفهم مكانة أكبر بكثير من إمكاناتهم، فنفهم أن يستضاف المطرب من أجل أن يقدم الجديد لديه، لكننا لا نستوعب أن يلبس ثوباً غير ثوبه، ويُعطى حجماً لا يناسبه، وبالتالي يحرج نفسه ويعطي آراء لا تناسبه، والأدهى والأمرل أنه مع الوقت يُنصّب مفكراً ومثقفاً وشاغل الدنيا.

 

أعلم أن هناك مَن يجادل بأن الفنان هو (رئة المجتمع ) وأنه (لسان المجتمع)، وما إلى ذلك من هذا الكلام، لكننا، وحتى لو اتفقنا معهم، نقول: ما هي مؤهلات هؤلاء الفنانين، في غير مجالهم، التي أعطتهم كل هذه الخبرة والفكر لكي يضعوا حلولاً لمآسي الأمة العربية، ويستغلوا جماهيريتهم العريضة من أجل ترسيخ أفكار ما أنزل الله بها من سلطان؟ لماذا لا يلزم كل منهم تخصصه الذي أبدع به، فيمتعنا بفنه وبأغانيه، ويترك القضايا السياسية والاقتصادية والفتاوى الدينية لأهلها وأصحابها، وإن أرادوا التنظير والأستذة، فلهم مجالسهم الخاصة، فليبدوا آراءهم ولن يرفضها أحد، على الأقل لن يخرجوا بفضائحهم أمام الملأ وعلى الهواء مباشرة.

 

ليت محمد عبده في تلك الليلة الفنية المشؤومة أمتع آذاننا وأطرب فؤادنا بباقة من أغانية التي طالما أبدع بها، ليته بقي على مكانته كفنان أعطى الوطن الكثير، وساهم، عبر أغانيه، في نصرة قضايا بلاده وأمته، ليته استمر في عطائه الفني بلا حدود، أما وقد خرج عن سياقه كفنان، وأراد أن يهرف بما لا يعرف، فقد خسر الكثير من جماهيريته، ومتى؟ وهو في خريف عمره (الفني). 

 

 

ssalmand@gmail.com
تويتر