التلفزيون.. شريك الأهل في تربية الأولاد


يدخل التلفزيون حياة الأطفال كأول مشهد غير عائلي؛  ويدخل الممثلون إلى الوعي الطفولي كأول أبطال من خار ج أفراد البيت، والتلفزيون هو الذي يسهم في الصياغات الأولى للمخيّلة، وبتشكيل الانطباعات السلبية والإيجابية، عن المدينة والناس والحيوانات والأشجار والأخلاق، فيتفاعلون مع الصورة التي يتلقونها، مشغلين بذلك حواس لا تلبث ان تعمل لاحقاً على صقل شخصية تأثرت بما تلقته، وما يلبث ان يكبر الطفل شيئاً فشيئاً حتى يدفعه الفضول الى التعلّق بما يشاهد على التلفزيون؛ فيكتسب الكثير من المعرفة، وينفتح على مجتمعات جديدة، ويكتسب عادات مختلفة عن المحيط الاجتماعي الذي يعيش فيه.

 

ولاشك في ان هناك كثير من الآثار الإيجابية والسلبية للتلفزيون في حياة الطفل، لكن المفارقة الحقيقية تكمن في كيفية الاستفادة من التلفزيون، ونوعية البرامج التي يتابعها الأطفال، وكيف يمكن ان يجعله الأهل وسيلة للتواصل وليس للتلقي فحسب.

 

التنشئة لا تراقب
أم عبد الله طفليها حين يشاهدا التلفزيون، ولا تتحكم في نوعية البرامج التي يتابعاها، اذ تقول «أثق بأنه وفقاً لتربيتي، لن يشاهدا أياً من البرامج التي لا تصلح لعمرهما. ولكن رغم هذا لا أغفل اهمية تحديد اوقات معينة لمشاهدة التلفزيون، كما يجب ان ينجزا واجباتهم المدرسية قبل ان يشاهدا التلفزيون»، وتتابع ام عبد الله «قد اتناقش معهما في كثير من الأحيان في الموضوعات الاجتماعية التي يشاهدانها، واحاول ان اصحح لهما بعض المعلومات التي اجد انه مبالغ فيها، واعمد الى تفسير الصواب، وذلك كون بعض المسلسلات التي نشاهدها معاً تظهر الكثير من المواقف المبالغ  فيها»، وتؤكد ام عبد الله انها «لاحظت تأثر طفليها ببعض البرامج التي يشاهدانها، وان التلفزيون الذي تضعه في غرفة ابنائها لا يدفعها الى مراقبتهما، اذ تؤكد انه بالرغم من ولعهم بالأمور التي تفوق اعمارهم الا انهم لا  يتمتعون بالفضول الذي يدعو الى القلق، فالتنشئة هي اساس ما يفكر فيه الأطفال».

 

الرقابة حصن منيع
بينما تختلف حنان محمد في تربيتها لبناتها الثلاث مع ام عبد الله، اذ تحاسب بناتها كثيراً على الوقت المخصص لهن لمشاهدة التلفزيون، وتقول «الفترة التي تشاهد فيها بناتي التلفزيون تكون برفقتي، وفي الصالة وليس في غرفة خاصة، فإنه من الصعب علي ان اضع لهن تلفزيوناً خاصاً في غرفة نومهن، واغيب عما يشاهدن»، وتتابع «ألاحظ ان بناتي يكرهن الرقابة التي افرضها عليهن، ولكنني أرفض التهاون في موضوع الرقابة التي أعتبرها الحصن الأساسي لهن من الفهم الخاطئ لما يشاهدن، لاسيما اني أرى لديهن ميولأ لمشاهدة البرامج المخصصة لمن هم اكبر سناً».

 

المنع ليس سهلاً 
من جهتها، تعترف فاطمة صالح بأن اولادها يشاهدون البرامج المخصصة للكبار، وتقول «لم يعد سهلاً على الأهل منع الأطفال من مشاهدة ما يعرض على الفضائيات، لأن المنع نتيجته سيئة».

 

وتضيف صالح «لفت نظري مشاهدة اولادي لبرامج تكبرهم سناً، خصوصاً برامج الواقع التي تجذب الأطفال كثيراً كستار اكاديمي، والتي تغرس في عقول الأطفال ما لا يتناسب مع مجتمعاتنا المحافظة، كإقامة الشباب والشابات في منزل واحد»، وتتابع صالح قائلة «أعلّق على جميع التفاصيل الصغيرة التي يشاهدون على التلفزيون لأشرح لهم كيف يمكن ان يكون الصواب والخطأ»، اما لجهة تحديد وقت معين للأطفال لمشاهدة التلفزيون، فتؤكد صالح «ان اولادي يشاهدون التلفزيون في اوقات الفراغ، ولكنهم في كثير من الأحيان يستخدمون وسائل ترفيهية اخرى، لذا لا اقلق عليهم من التأثير السلبي للتلفزيون».

 

خطورة الصورة 
ويحدد استاذ علم الاجتماع في جامعة الشارقة، الدكتور حسين العثمان، دور التلفزيون في حياة الأطفال انطلاقاً  من مفهوم الطفولة، اذ يعرف الطفل على «انه كل من هو دون الـ18، على ان تقسّم هذه المرحلة الكاملة الى خمس مراحل عمرية، بحيث تعتبر المرحلة الأولى هي لمن هم في السنوات الأولى من حياتهم، والمرحلة الثانية هي المرحلة الابتدائية، في حين تعتبر المرحلة الثالثة هي المرحلة الثانوية»، ويشرح العثمان تأثير التلفزيون في الطفل بالقول «يختلف تأثير التلفزيون في الطفل باختلاف المرحلة التي يمر بها، ولكن بلا شك انه يشكل احد المصادر الرئيسة للتنشئة الاجتماعية؛ فقد اصبح للتلفزيون اثراً اساسياً في حياتنا، خصوصا في المنطقة العربية والخليجية، لأنه بات يحتل المرتبة الأولى في العالم العربي بعدما تطورت الصورة الى حد اصبحت تشكل خطراً على المستوى الأسري، بسبب  عدم قدرة المجتمع على التعامل مع الوسائل الجديدة».     

 

ولفت العثمان الى ان «الشعوب العربية هي من اكثر الشعوب مشاهدة للتلفزيون، وان ما يؤكد ذلك هو غياب ملاعب الأطفال عن القرب من منازلهم، رغم اهمية هذه الوسيلة الترفيهية في التربية وتنشئة الطفل». 

 

قيم جديدة
أما في ما يتعلق بنوعية البرامج التي يتجب على الأطفال متابعتها، فقد اكد العثمان «ان الأسرة العربية لا تدرك مضمون ومحتوى ما يعرض على شاشات التلفزيون، بالإضافة الى ان دورهم محدود في اختيار ما يشاهده الأطفال في ظل الفضائيات المفتوحة التي لا يفرض على برامجها أي نوع من انواع الرقابة».     

 

 لذا نوّه العثمان «بأهمية متابعة الأطفال لبعض البرامج التي تشمل الجانب العربي»، لافتاً في الوقت عينه الى «ان الخطورة تكمن في مشاهدة الأطفال لبرامج الكبار، اذ اننا نمر في مرحلة انتقالية ما بين المجتمعات القديمة والحديثة، وارى انه خلال السنوات  العشر المقبلة سيرسم التلفزيون منظومة القيم الاجتماعية، لأن الأسرة تعيش حالة غياب عن الطفل».

 

اختيار البرامج
ويعتبر العثمان «ان تدخل الأهل في اختيار البرامج التي يشاهدها الأبناء امر ضروري،  بل يمكن اعتباره ـ الى حد ما ـ حقاً اساسياً من حقوق الأهل، فالأسرة لا تعرف كيف تتعامل مع الأطفال الذين باتوا اليوم اذكى من الآباء والأمهات في التعامل مع التقنيات الجديدة».

 

ولا يغفل العثمان الحديث عن الآثار الإيجابية للتلفزيون، ويقول «يزيد التلفزيون من خبرة وقدرة الأطفال على اللغة العربية او حتى الإنجليزية، وهناك الكثير من الفضائيات التي تتحدث على مستوى راقٍ، وتزيد من خبرة الأطفال في الحياة عموماً.
هذا بالإضافة الى بعض البرامج التي تعزّز قدرة الأولاد على التواصل وروح المنافسة، ومن شأن هذه البرامج تشجيع الطفل على اكتشاف قدراته العقلية وامكاناته، لذا ان هذه المرحلة الانتقالية تتطلب التواصل مع الأطفال، وليس ان نتركهم يتلقون من التلفزيون فحسب».

 

مكان التلفزيون
أما عن ناحية المكان الذي يجب ان يوضع فيه التلفزيون، فأشار العثمان «الى ضرورة وضعه في الصالة التي تجتمع فيها الأسرة، وليس ان يكون هناك جهاز خاص لكل طفل في غرفته الخاصة، لأن الجهاز الخاص ان وجد يجب ان يوضع في مكان يمكن ان يرى الأهل من خلاله ما يشاهده الأطفال، من دون ان يلاحظوا انهم مراقبون». 

 

ولفت العثمان «الى وجوب التفات الأهل لضرورة عدم متابعة الأطفال لبرامج الترفيه المعدة للكبار، والتي هي مفتوحة في عالمنا العربي، ولا تقدم عبر الاشتراكات التي تتيح للأهل التحكم في ما يشاهد الأطفال، داعياً اياهم الى الانتباه للأطفال، ومناقشتهم في كل ما يشاهدون لأن دورهم في التربية هو الأساس».
 

تعزيز التواصل 
وفقاً لخبراء علم الاجتماع، يجب ألا تزيد مشاهدة الأطفال الذين هم دون الخمس سنوات للتلفزيون عن الساعتين يومياً، على ان تكون المدة متقطعة وغير متواصلة، على الا تتعدى الأربع ساعات في المرحلة الابتدائية. 

 

وهذا ما اكده دكتور العثمان الذي لفت بدوره ايضاً الى اهمية مناقشة الأطفال في ما يشاهدون، كي لا يكون التلفزيون مجرد وسيلة يتلقون عبرها، وتمنعهم من التواصل.
ولفت ايضاً الى اهمية التركيز على البرامج الاجتماعية التي يمكن ان تفتح آفاق الأولاد على الكثير من القيم وتنمي قدراتهم العقلية. ومن جانب آخر، لفت العثمان الى وجوب عدم لجوء الأهل الى منع الأطفال من مشاهدة التلفزيون، لاسيما في مرحلة المراهقة التي يكون فيها المرء اكثر تحدياً لمن حوله». 
تويتر