الفشل الكلوي.. مرض صامت أبـــرز أسبابه السكّري

 

الفشل الكلوي مرض صامت، أعراضه طفيفة في مراحله الأولى، حتى يكاد لا يشعر بها، وغالباً ما يتم اكتشافه بعد أن تفقد الكلية 80% - 90% من وظائفها، والتي يعجز عن القيام بها أي عضو آخر، وما ان يتقدم المرض، تبدأ أعراضه بالظهور جلياً، تاركةً للمريض خيارين لا ثالث لهما إما الغسيل الكلوي أو زراعة الكلى، وقد ارتبطت زيادة معدلات المرض في الآونة الأخيرة، بارتفاع معدلات الإصابة بداء السكري، الذي يعد أبرز أسبابه. وحسب اختصاصي الباطنية وأمراض وزراعة الكلى الدكتور نعيم السبعاوي، فإن «معدل حالات الإصابة بداء السكري في الإمارات أحد أعلى معدلات الإصابة في المنطقة والعالم، ويعد من أكثر الأمراض المزمنة انتشاراً في الدولة ، الأمر الذي شكل ارتفاعاً ملحوظاً في نسبة تفشّي مرض الفشل الكلوي بين سكانها».

فيما ذكرت، استشارية أمراض الكلى، ورئيسة قسم الكلى والباطنية في مستشفى دبي البروفيسورة منى الرخيمي، استناداً لإحصائية اتحاد المنظمات العالمية للسكر، ان نسبة مرض السكري «بلغت نحو 20.1% من سكان الإمارات في عام 2003، ومن المتوقع أن تصل إلى 24.5% في عام 2025، كما يبلغ عدد المصابين بمرض الفشل الكلوي نتيجة السكري في المستشفى 40%»، مؤكدة ان «السكري يتصدر قائمة أسباب الفشل الكلوي المتعددة، في جميع دول العالم المتقدمة منها والنامية إلى جانب ضغط الدم الشرياني».

ومن جهته ذكر، اختصاصي أمراض الكلى والمسالك البولية د.عيسى السالمي، أن تأثير مرض السكري في الكلى «يبدأ عندما تبدأ الكلى بفقد البروتينات والتخلص منها عن طريق البول، وكلما ارتفعت نسبة البروتينات في البول زادت فرصة الإصابة بالفشل الكلوي، كما أن مرض السكري يؤدي إلى تهيئة مناخ جيد لنمو البكتيريا، والإصابة بالالتهابات المتكررة في المسالك البولية، ويؤدي إلى ارتفاع نسبة الدهون (الكولسترول) في الدم، وهذا يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم، الذي يؤدي إلى الفشل الكلوي كذلك»، ومن هنا ارتأت الرخيمي أن تقترح في يوم الكلى العالمي في 2007، الذي شهده وزير الصحة حميد القطامي، «أن تتضمن الفحوصات الطبية للموظفين، تحليلاً سهلاً وبسيطاً يتطلب عينة من الدم وأخرى من البول لقياس مستوى (الكرياتين)، و(اليوريا) في الدم، وكمية الزلال (البروتين) في البول، لاكتشاف المرض مبكراً ومنع تدهور الكلى»، ويأتي هذا الاقتراح الذي لم يطبّق بعد، وتأمل الرخيمي في أن يأخذ به أصحاب القرار والمسؤولين، في ظل «صمت أعراض الفشل الكلوي، حيث يتم اكتشافه بعد أن يفقد المريض 80% - 90% من وظائف الكلى، فعلاماته في المراحل الأولى طفيفة، ولا تكاد تؤثر في المصاب»، وما ان يتقدم مرض الفشل الكلوي لدى المريض حتى تظهر أعراض يعددها السبعاوي  «فقدان الشهية، والإرهاق الشديد، وعدم القدرة على بذل مجهود، واضطرابات في مواعيد النوم، وصداع وزغللة في النظر، وفقدان الوزن، والقيء والغثيان، حكة بالجلد وتغير لونه، وظهور تشنجات، والفواق والإغماء، وتورّم بالقدمين، وضيق بالتنفس، ولهفة شديدة على الهواء، وشحوب في لون البشرة مع ميل للصفرة، وآلام بالعظام، ونقص في كمية البول وتغير لونه، وهبوط الرغبة الجنسية، اضطرابات في العادة الشهرية عند النساء، وضعف الانتصاب والقذف السريع لدى الرجل».

طرق العلاج
ويقول السبعاوي عن غسيل الكلى إنه «عملية تنقية الجسم من المواد الإخراجية (السموم)، التي تتراكم فيه نتيجة عدم قدرة الكلى على إخراج هذه السموم، بسبب فشلها في تأدية وظيفتها الإخراجية فقط، ولا يؤدي باقي وظائف الكلى الأخرى»، مضيفا ان غسيل الكلى يتم بطريقتين إما عن طريق الدم، أو عن طريق البطن، وفي هذا تؤكد الرخيمي ان الكلية «تعمل على تنقية 200 لتر من الدم يومياً، في حين لا يستطيع غسيل الكلى القيام بهذا، فهو يقوم بعمل 10% فقط من الكلية». 

أما زراعة الكلى حسب الرخيمي فتعد «من أنجح طرق علاج الفشل الكلوي، حيث تدل الإحصائيات على أن هناك مرضى يتمتعون بالكلية الجديدة لفترات تراوح من 15 - 20 سنة»، وتذكر الرخيمي أن نسبة نجاح زراعة الكلى «وصلت إلى 90%»، وتقوم الكلية المزروعة بوظائف الكلية، «لذا تعتبر الطريقة المثلى للعلاج من مرض الفشل الكلوي».

وتعد زراعة الكلى، حسب الاطباء، اكثر عملية من فكرة الغسيل، لأنها تحسن من مستوى حياة المريض مقارنةً بعملية الغسيل الكلوي الذي يجب أن يرتبط فيها المريض بجهاز الغسيل ثلاث مرات أسبوعياً، بالتالي يستطيع المريض السفر بحرية أكبر، وتزيد قدرته على العمل والإنتاج، ويستعيد قدرته الجسدية والجنسية، وتتحسن حالته النفسية، كما أن تكلفتها أقل من الكلفة النهائية لعملية الغسيل الكلوي، إلا أن الرخيمي تؤكد ضرورة المتابعة المستمرة للطبيب للإشراف على حالته الصحية.

حالات مرضية
ومن خلال زيارة خاصة لقسم الكلى في مستشفى دبي، برفقة الاختصاصية خديجة الفيلي، تعرفنا إلى بعض الحالات المرضية بالفشل الكلوي، التي أكد أصحابها «لؤم أعراضه المرضية» التي لم يشعروا بها إلا في مراحل المرض الأخيرة التي استدعت الغسيل الكلوي على الفور.

ويقول محمد أحمد الشربيني، 38 سنة، موظف، «كنت أتمتع بصحة جيدة، ولم أشعر البتة بأي أعراض تدل على إصابتي بمرض الفشل الكلوي، وبدأت رحلة معاناتي في عام 2005، حين شعرت فجأة بضيق نفس ذهبت على إثره إلى المستشفى لإجراء التحاليل اللازمة، إلا أن الطبيب أرجع السبب إلى ارتفاع الضغط، فبدأت المحافظة على ضغطي وتناول الأدوية التي وصفها لي الطبيب، وبعد مرور سنة شعرت بضيق نفس شديد، وصل إلى حد شعوري بالاختناق الذي منعني من النوم، فذهبت على الفور إلى الطبيب الذي سألني عن تاريخي المرضي في محاولة للوصول إلى سبب ضيق النفس، وطلب مني إجراء بعض التحاليل، ومازلت أذكر تاريخ ذلك اليوم جيداً (5-1-2006)، فهو اليوم الذي شهد نقلة مؤثرة في حياتي»، ويكمل «بعد عودتي إلى المنزل جاءني الاتصال الصاعقة الذي أخبرني فيه الطبيب أنني أعاني من مرض الفشل الكلوي، حيث إن نسبة (الكرياتين) في الدم تبلغ 14.3%، ويتوجب علي الذهاب إلى المستشفى لإجراء الأشعة اللازمة للتأكد، فاتجهت إليه على الفور، ورسمت ملامح الذهول على وجه الطبيب الذي قام بإجراء الأشعة، قائلاً «ألم تقم بإجراء أي أشعة سابقاً، فالكليتان في حالة ضمور شديد، تستوجب زراعة كلى جديدة»، ويتابع «وتم منعي من السفر لإجراء الزراعة، فقد أصاب بحالة إغماء، نظراً لسوء حالتي الصحية التي تستوجب الغسيل الكلوي، وما أن ذهبت إلى مستشفى دبي حتى تم حجزي في غرفة (921) التي لا تكاد تغيب عن ذاكرتي لمدة 14 يوماً، وبدأت بإجراء غسيل الكلى عن طريق الدم».

ويعلق الشربيني «حرمني الفشل الكلوي من أداء فريضة الحج، حتى العمرة لم أستطع أداءها، حيث إنني أقوم بغسيل الكلى ثلاث مرات أسبوعياً لمدة أربع ساعات، فضلاً عن أنه في حال قيامي بالسفر، يقوم الأطباء بتغيير طريقة الغسيل عن طريق الدم إلى البطن، لدواعي صحية، وأنا لا أحبذها، وأنا في انتظار متبرع للقيام بعملية زراعة الكلى في مصر»، وعلى الرغم من توافق الأنسجة بينه وبين زوجته، إلا أنه يرفض وبشدة إلحاحها المستمر بالتبرع له.

الذئبة الحمراء
قالت إحدى المريضات العربيات التي رفضت ذكر اسمها «أصبت بمرض (الذئبة الحمراء) منذ 11 سنة، (وهو مرض روماتيزمي مزمن يصيب جزءاً أو أجزاءً من الجسم، وتشمل الأجهزة التي قد تصاب بالمرض الجلد، المفاصل، الكلى ، الجهاز العصبي ، الرئتين ، القلب و كريات الدم والصفائح)، ما أدى إلى إصابتي بالفشل الكلوي الذي أعاني منه منذ خمس سنوات، وعرفت بإصابتي بالمرض في مراحل متأخرة، بعد أن ظهرت علي أعراض الانتفاخ في جسمي، ووجود الزلال (البروتين) في البول، الأمر الذي أدى إلى بقائي على جهاز الغسيل الكلوي ثلاث مرات أسبوعياً لمدة أربع ساعات متواصلة، ولا أملك القدرة على الاكل والنوم إذا لم أقم بإجراء الغسيل الكلوي في وقته». وتقول بمرارة «تضخم شريان قلبي، حال دون إجرائي لعملية زراعة الكلى، وأحتاج لإجراء عملية لقلبي لأتمكن من الزراعة، إلا أن ضيق اليد يقف حاجزاً دون ذلك».

مصادفة
أما العجوز حسن الذي تبدو ملامح الشيخوخة بارزةً على جسده النحيل، فقد كان منهكاً من عملية الغسيل التي انتهى منها للتو، وطلب مني البقاء حتى تقوم الممرضة بنزع الأنابيب من يده، وما أن انتهت حتى وجه نظره لي، وقال بصوت منخفض وباختصار شديد «لم أكن أعاني من أية عوارض تدل على إصابتي بمرض الفشل الكلوي، حتى أنني لم أكن أعاني من مرض الضغط والسكري، وتم اكتشافه مصادفةً منذ أربع سنوات، فكان العلاج هو الغسيل عن طريق الدم ثلاث مرات في الأسبوع لمدة ثلاث ساعات».

السكّري
يقول محمد الخكاك، الذي يتمتع بروح معنوية عالية وإيمان كبير بقضاء الله وقدره «منذ أربع سنوات أصبت بمرض الفشل الكلوي الذي أصابني نتيجة لمرض السكري الذي أعاني منه، على الرغم من مواظبتي على العلاج، ومراجعتي المستمرة للأطباء، وكنت أتمتع بحالة صحية ممتازة»، ويكمل «تمثلت أعراض الفشل لدي في الدوخة وانتفاخ الرجل، وما أن تم تشخيص حالتي حتى بدأت في إجراء عملية غسيل الكلى عن طريق الدم ثلاث مرات أسبوعياً لمدة أربع ساعات متواصلة». ويضيف الخكاك مبتسماً «كلما نويت القيام بإجراء عملية لزراعة الكلى، تواجهني عقبة تحول دون إجرائها، وأسعى لتجاوزها، الأولى تمثلت في قوة المناعة، ويتطلب تهبيطها للزراعة، فقمت بأخذ إبر تقوم بهذا الغرض، والثانية في نقص الدم الذي وصل إلى ثمانية وتفاديته، والثالثة في منع دولة الفلبين التي عرفت بزراعة الكلى من استقبال حالات الفشل من الخارج، وإن شاء الله سأسافر بعد أسبوعين إلى مصر بعد أن توفر متبرع، وآمل ألا تواجهني أي عقبة جديدة».  
 
تويتر