| في زمن لم تتحوّل فيه القراءة عند المواطن العربي الى ضرورة حياتية تتآخى فيه مع باقي مسلكياته اليومية والحياتية، فإن الآفاق التي تتحرك فيها القراءة كمنتج سلعي وحضاري بالنسبة للمؤلف أو لدور النشر، تظل تعاني من عرج مُزمن يأبى أن يُصلح من اعوجاج حركتها، مثلما يأبى أيضاً إدخال الكتابة الفكرية والابداعية عموماً في السياقات التجارية والسلعية التي تجعل من دور النشر العربية تُقبل على القيام بدورها التنويري والربحي لمصلحتها أولاً ولمصلحة الكاتب ثانياً ولمصلحة القارئ ثالثاً. ولأن القارئ أحد أهم أضلاع هذا الثالوث قد غابت زاويته كضلع مؤثر في هذه المعادلة فقد تعرضت الثقافة العربية في مُنجزها الكتابي، منذ قدوم مطبعة نابليون الى القاهرة حتى وقتنا الحالي، الى تشوهات كثيرة أدمت شكل الثقافة العربية عموماً. فدور النشر العربية التي تقوم علاقتها مع الكاتب والقارئ معاً على فكرة الربح والخسارة صارت تاريخياً تتعامل مع المُنجَز الكتابي بنوع من المغامرة التي تقع بين احتمالي الربح أو الخسارة، وخصوصاً في غياب المواظبة القرائية عند المواطن العربي. وهذا بدوره أدى الى العديد من التشوهات.
وإذا كان التواصل الثقافي مع الكتابات العالمية عن طريق الترجمات يمكن اعتباره أولى الجرعات القرائية التي من الممكن أن تمنح العافية القرائية للقارئ والمبدع معاً. فإنه يُمكن الجزم بأن «الترجمة» من اللغات الاخرى الى اللغة العربية يمكن اعتبارها قد عانت من أشد التشوهات التي شهدها الجسم الثقافي العربي. وذاكرة القراءة العربية ما زالت تستطيع استحضار أغلفة العديد من الكتب التي كان يُكتب على أغلفتها عبارة «ترجمة بتصرف»، ولعل قارئ خمسينات وستينات القرن الماضي مازال يذكر الأغلفة التي كانت تظهر عليها صورة الكاتب مصطفى لطفي المنفلوطي بشاربيه المعقوفين الى أعلى، وجلبابه البلدي وهو ينتج رواية مثل «بول وفيرجني» بلغته الإنشائية الرومانسية الخاصة. وذاكرة القراءة العربية في الحقبتين المشار إليهما مازالت تذكر الطبعات العجولة التي كانت تصدرها بعض دور النشر التجارية في بيروت لروايات عالمية ذات أهمية عالية المستوى، وكيف كان بعضها يصدر دون إشارة الى اسم المترجم. وكان يمكن لهذه الترجمات أن تعتبر ترجمات نهائية لمثل تلك الروايات لولا أن بعض هذه الروايات قد قامت بعض دور النشر العربية الجادّة في ترجمتها من جديد، ليكتشف القارئ مدى الغبن القرائي الذي جعله يصدق تلك الطبعات. ويمكن إرجاع الفضل في تصحيح أوضاع ترجمة العديد من الروايات العالمية الى الطبعات التي كانت تصدرها «في ما يخص الأدب الروسي» دار التقدم في موسكو في زمن الاتحاد السوفييتي السابق، أو الى بعض وزارات الثقافة العربية التي كانت تدعم القراءة ونشرها بغض النظر عن فكرة الربح او الخسارة.
إنّ غياب الترجمات المواكبة لإنجازات كتابية إبداعية عالمية قد أدى الى تخلّف الابداع العربي عموماً عن مواكبة الكتابات العالمية على كل الصعد الفكرية والأدبية. ويُمكن الجزم بأن الجوائز العالمية التي تمنح للعديد من الكُتاب العالميين في كل عام، ويباغت العربي بعدم معرفته بأسماء أصحابها سواء كانت جائزة نوبل أو جوائز البوكر البريطانية وغيرها هي الدليل على عَرَج الترجمة العربية وعجزها عن مواكبة البهيّ والمتألق في الإبداع الإنساني عموماً.
khaleilq@yahoo.com
|