الأجانب أنقذوا أسواق المال بعد توجه استثمارات محلية للعقارات

    
شهدت أسواق الأسهم المحلية في الأسبوع المنقضي استمرار ظاهرة تهميش أسهم صغيرة منتقاة من قِبل المضاربين للأسهم القيادية، ما يعكس حالة الملل التي أصابت المستثمرين، وأدت إلى عشوائية في التداول. ووفقاً لمحللين؛ فإن بروز ظاهرة الانتقائية في التداول على الأسهم  يعد رد فعل طبيعياً وعفوياً على الأداء الأفقي للأسواق خلال الفترة الماضية، خصوصاً الأسابيع الثلاثة الأخيرة، وأشاروا إلى أنه لولا دخول سيولة أجنبية بعمليات شراء قوية في نهاية الأسبوع لتحقق مزيد من الخسائر في ظل خروج أعداد كبيرة من المستثمرين التقليديين في قطاع الأسهم بشكل منتظم من السوق، وتوجههم نحو الاستثمار العقاري العالي المردود.

 

أسهم منتقاة
وقال المستشار الاقتصادي وخبير الأوراق المالية، الدكتور همّام الشمّاع: «إن الأسبوع المنقضي شهد ظاهرة قيادة أسهم منتقاة للسوق على حساب تهميش الأسهم القيادية، وعندما سحبت الأسهم المنتقاة معها المضاربين وبعض المستثمرين في رحلة صعودها نسي العديد منهم في غمرة نشوة الصعود أنه يتبع هذه المرحلة سيناريو معتاد وهو التسييل لغلق المراكز المكشوفة في وقت مبكر ابتداء من يوم الثلاثاء، كما حدث في الأسبوعين الماضيين».

 

واستطرد:  «عندما بدأ بيع بعض الأسهم التي كانت قد سجلت ارتفاعات كبيرة يتسارع، مثل (أركان)، في نهاية جلسة الثلاثاء لم يتمكن الجميع من البيع، وفضل آخرون الانتظار على أمل البيع في اليوم التالي، خصوصاً أن غالبية المتعاملين اعتقدوا ربما تحت تأثير الأخبار المتناقلة أن هذه الأسهم بمنأى عن الهبوط في الأجل القصير. وما ساعد على شيوع هذا الاعتقاد أن أسهماً منتقاة مثل (أغذية) و(أسماك) و(أسمنت رأس الخيمة) كانت تواصل الارتفاع، بينما سوق أبوظبي كان يسجل تراجعات لأيام عدة متتالية».

 

وأضاف أنه «بعد عمليات جني أرباح متوقعة تمت لهذه الأسهم في نهاية جلسة الثلاثاء وخلال الساعة الأولى من جلسة الأربعاء عاودت هذه الأسهم مسيرة الصعود، لتقلل من خسائر بداية الجلسة بشكل كبير وواضح يدلل على أن صعودها لم يكن لأسباب المضاربة بقدر ما كان متعلقاً بخطط غير مفصح عنها، ويعلمها بعض كبار المستثمرين فيها، تتعلق بطبيعة نشاطها المستقبلي. وفي يوم الأربعاء سحب تراجع الأسهم المنتقاة معظم الأسهم المدرجة بما في ذلك القيادية التي ظلت تتراجع، فيما تمكنت الأسهم المنتقاة تلك من تعويض بعض خسائرها قبل الإغلاق، ليواصل معظمها مسيرة الصعود يوم الخميس». وعزا الشماع بروز طاهرة الانتقائية في التداول على الأسهم إلى أنه «رد فعل طبيعي وعفوي على الأداء الأفقي للأسواق خلال الفترة الماضية، خصوصاً الأسابيع الثلاثة الأخيرة، التي تراجع خلالها المؤشر بنسبة 1.8%».

 

وتابع «بغض النظر عن الأسباب التي تكمن وراء الجمود الذي تعيشه الأسواق رغم الأداء المتميز للشركات المدرجة، فقد اتسمت ردة فعل المستثمرين بالتركيز على أسهم منتقاة، بهدف تحقيق أرباح تتناسب مع الأداء الاقتصادي العالي الربحية في الدولة، فمن غير المعقول أن يكتفي المستثمرون بربحية متواضعة جداً في الوقت الذي يحقق الاستثمار والمضاربة في قطاعات أخرى عوائد عالية، بل خيالية بالقياس إلى ربحية قطاع الأسهم، ما يشير إلى وجود حالة من عدم التناسب القطاعي تقف وراء ظاهرة الانتقائية في التداول على الأسهم».

 

ولفت إلى أنه «في مثل هذه الحال يكون أمام المستثمر والمضارب النشيط والذكي واحد من بديلين، إما أن يخلق في داخل قطاع المال والأسهم فرصاً استثمارية ومضاربية عالية تبرر استمراره في العمل داخل هذا القـطاع، وإما الخروج منه والتوجه نحو القطـاعات العالية المردود، التي يأتي على رأسـها القطاع العـقاري، وهـو ما حدث بالفعل، حيث خرجت أعداد كبيرة من المسـتثمرين التقليـديين في قطاع الأسهم بشكل منتظم من السوق، وتوجهوا نحو الاستثمار العقاري العالي المردود، ولولا دخول سيولة أجنبية بصافي مشتريات بلغ 420 مليون درهم خلال الأسابيع الثلاثة الماضية لتراجع السوقان، بدلاً من الارتفاع المتواضـع الذي لم يتجـاوز 1.8%، وذلك بسبب استمرار تسرّب السيولة من الأسواق المالية إلى أسواق العقار».


وحذّر الشماع من أن «عدم معالجة الأسباب الموضوعية التي أدت إلى تراجع أسواق المال سوف يفاقم من مخاطر حالة عدم التوازن القطاعي، كما سيخلق إضافة لذلك ظواهر غريبة داخل أسواق المال، كظاهرة الانتقائية في التداول على بعض الأسهم، التي تخل ليس فقط بأداء الأسواق وإنما بالمعايير العلمية التي يُجرى بموجبها التداول أيضاً، ما قد يخلق حالة من الفوضى نتيجة التشويش الذي يصيب معايير التحليل الأساسي». واختتم بالقول «إن الأسهم التي تم انتقاؤها وحققت ارتفاعات بالحدود العليا تفتقر إلى المبررات الموضوعية للارتفاع،  سواء من حيث مضاعفها، أو من حيث قابلية تسييلها، هذا في الوقت الذي تم تهميش الأسهم القيادية التي كانت حققت طفرات قياسية في أرباحها، ما جعلها تتداول عند مستويات جذابة ومغرية للدخول، ولكنها مع ذلك ظلت خارج نطاق التداول والاهتمام طوال الأسبوع».

 

الأسبوع الأسوأ
من جانبه، قال مدير قسم الأبحاث والدراسات في شركة «الفجر للأوراق المالية»، الدكتور محمد عفيفي «إن الأسبوع المنقضي كاد يكون أسوأ أسابيع شهر مايو من حيث الأداء والظواهر السلبية التي شهدتها معظم جلسات التداول من الأسبوع، إلا أن أحداث التداول في آخر جلسة حملت معها ظواهر ايجابية قد تظهر آثارها خلال هذا الأسبوع، وربما تمتد حتى بدايات شهر يونيو المقبل، حيث شهدت الجلسات الأربع الأولى من الأسبوع الماضي انخفاضات متتالية في المؤشر العام للسوق وسط تذبذبات يومية واضحة، وفي نطاقات ضيقة في المؤشرات القطاعية، وبدا واضحاً زيادة درجة التشاؤم لدى المتعاملين في السوق كافة».

 

وتابع «وإلى ذلك، فقد سيطرت على غالبية المتعاملين أو المتابعين للسوق حالة من الدهشة، وعدم وجود تفسير لما يحدث، وذلك مع استمرار حالة العشوائية في السوق، والتي بدأت مع نهاية الأسبوع السابق، وبدا السوق وكأنه يشهد انقلاباً من نوع جديد يتمثل في تحوّل المضاربات والسيولة الفعالة من الأسهم القيادية أو التي تحقق معدلات ربحية مرتفعة، أو تلك التي كانت تشهد جولات مضاربة معتادة، إلى أسهم مغمورة يكاد يكون متوسط التداول اليومي عليها معدوماً، ولا يعرف الكثير من المستثمرين شيئاً عنها».

 

وأوضح عفيفي «على الرغم من اختلاف مبررات الإقبال على هذه الأسهم، إلا أن تلك التداولات على هذه الأسهم المغمورة استطاعت أن تجذب شريحة من المغامرين وليس من المضاربين الذين فضلوا المشاركة في ذلك الانقلاب في ضوء استمرار الارتفاعات القوية والقياسية لهذه الأسهم لجلسات عدة، وبعضها لأسابيع عدة، وظهور نجم تداولات جديد من تلك الأسهم المغمورة مع كل جلسة تداول».

 

وأشار إلى أنه «بالفعل تحوّل بعض السيولة النشطة من سوق دبي إلى سوق أبوظبي، حيث استطاع بعض المغامرين تحقيق أرباح من جراء تلك المغامرات، والبعض الآخر كان حجم الخسائر بالنسبة إليه كبيراً، ولكن هذا الوضع غير المعتاد في السوق كان له تأثير سلبي على كثير من المستثمرين، وأدى إلى مضاعفة درجة الإحباط والتشاؤم لديهم في ضوء أن ذلك الانقلاب حدث خلال معاناتهم من الآثار السلبية للنظام الأسبوعي الجديد لتقارير فصل الحسابات، وعدم قدرتهم على التكيّف بعد مع هذا النظام الجديد».  



صيف ساخن 
 

أكد مدير قسم الأبحاث والدراسات في شركة «الفجر للأوراق المالية»، الدكتور محمد عفيفي أنه «في آخر جلسة تداول من الأسبوع الماضي عاد الأمل والبسمة إلى شريحة كبيرة من المستثمرين، إذ بدا وكأن الأسواق تتعافى من تلك الأزمة المركبة التي شهدتها، وأن الأمور بدأت تعود إلى حالة التوازن مرة أخرى مع عودة التداولات القوية على الأسهم المعتادة، وكذلك عودتها إلى الارتفاع مرة أخرى، وأغلق المؤشر العام للسوق للمرة الأولى مرتفعاً، في إشارة إلى تزايد احتمالات استمرار ذلك الارتفاع هذا الأسبوع، خصوصاً مع بداية الانفراجة السياسية في لبنان، وعودة الحوار السوري ـ الإسرائيلي، وكذا إمكانية عودة الحوار مرة أخرى بشأن الملف النووي الإيراني، وتأكيد الإدارة الأميركية عدم عزم الرئيس الأميركي مهاجمة إيران قبل انتهاء فترة رئاسته في نهاية هذا العام».

 

وأشار إلى أن «تلك الانفراجة على المستوى السياسي ربما تكون بداية الانفراجة على مستوى سوق الأسهم، خصوصاً مع صدور نظام التداول بالهامش، والمحاولات الجادة من قِبل جميع الجهات المسؤولة من أجل الإسراع بتطبيق هذا النظام، وكذلك مع تحوّل صافي الاستثمار الأجنبي من السالب في أول ثلاث جلسات تداول من الأسبوع بقيمة 54 مليون درهم إلى الموجب خلال آخر جلستي تداول من الأسبوع بقيمة 200 مليون درهم تركزت غالبيتها في سوق دبي المالي، ومن ثم فإننا قد نرى صيفاً ساخناً في سوق الأسهم هذا العام».
 
تويتر