الوزيرة الحامل

سلمان الدوسري


ليست فقط سيدة بألف رجل، لكنها أيضاً أم بآلاف النساء، فوزيرة الدفاع الأسبانية كارمن تشكون لم يحل حملها وهي في الشهر السابع، من تكبّد عناء السفر وتفقّد جنود بلادها، لم يمنعها تقدم الحمل في شهوره الأخيرة، ولم تبحث عن إجازة مرضية، تسمح بها حالتها، اعتبرت وضعها طبيعياً جداً وواصلت عملها المعتاد. أما نحن فلا نراه طبيعياً ولا معتاداً!!
 
أما لماذا غير طبيعي ولا معتاد، فلأن معشراً من الرجال سيرونها قد (تمادت) في تفضيلها لعملها و(بيتها أبرك لها)، بينما جزء من النساء سيستغربن من ممارستها لعملها وهي حامل، في الوقت الذي سيداتنا الحوامل يتعففن عن العمل بمجرد ظهور بوادر الحمل في شهوره الأولى. «العمل عبادة» شعار جميل ننظر به دائماً، لكن الحقيقة أن المجتمع لا يتعامل بجدية كاملة مع كثير من الحالات المشابهة، فما قامت به الوزيرة الحامل لا يعكس سوى ثقافة العمل لدى المجتمعات الغربية، التي يرى البعض أننا مفتونون بها، والبعض الآخر لا يعدها سوى مجتمعات كافرة لا يجوز الاقتراب منها بتاتاً، فيما بعض ثالث يؤمن بأن أفعل التفضيل خلقت لنا و .. لنا الصدر دون العالمين أو القبر.
 
كم من القيم التي تتراءى لنا صباح مساء، تمر علينا مرور الكرام الأحبة، وكأنها لا تعنينا بشيء. الأكيد أننا مازلنا نخطو خطواتنا الأولى في حب العمل، أما الأكثر تأكيداً فإن بيننا، وهم كثر، يحبون العمل حباً جما، لكن بطريقتهم الخاصة، فمن منا لا يستخدم الإنترنت، مثلاً، على حساب أوقات العمل؟ وكم منا يستغل المال العام، بطريقة أو بأخرى، حتى اختلطت المفاهيم كثيراً، فتحولت الممنوعات والمحرمات إلى حقوق يقوم بها الغالبية من دون أدنى مسؤولية أو حتى وخزة ضمير.
 
في المجتمعات المتقدمة، الاحترام سيد الموقف، فكل فرد في المجتمع يحترم نفسه فيحترمه مجتمعه، والأجمل أن هناك نظاماً دقيقاً يؤطر كل هذه الأعمال، فلم يعد للتصرفات الفردية أي دور، ناهيك عن أن احترام الجميع لقيم العمل انعكس على تعاملهم مع مختلف طبقات المجتمع العاملة، فصباح الخير تقال للمدير العام كما هي لعامل البقالة، والابتسامة ترسم لمدير البنك كما ترسم لعامل النظافة، أما هنا، فقل لي من أنت أقل لك كيف تكون الابتسامة.. هذا إذا رُسمت أصلاً!!
 
بقي أن نشير إلى أن الوزيرة الحامل تفقّدت جنود بلادها في أفغانستان ولبنان، وتستعد لزيارة البلقان للغرض نفسه، وكما أن حملها لم يوقفها عن استكمال مهامها، فإن منتسبي وزارتها من العسكريين تقبلوا زيارة (رئيستهم الحامل) ولم تفرق معهم إن كان الوزير رجلاً أو امرأة، حاملاً أو غيرها، فهل سيكون هذا موقف الجنود الأسبان لو لم يخرج العرب منهم قبل 500 عام؟  
 
 ssalmand@gmail.com
تويتر