وزراء ضد النقد

سلمان الدوسري


وزير سابق كثيراً ما نظَّر في المجالس عن حرية الصحافة، وقاتل في أحايين مختلفة من أجل إثبات مساندته للسلطة الرابعة، حتى اقترب كثيراً من تحقيق مراده، إلا أن الطبخة لم تكتمل، فما أن تعرضت وزارته - لاحظوا أننا لم نقل الوزير نفسه - لهجوم حاد من قبل إحدى الصحف اليومية، التي كثيراً ما تغّى بجرأتها وما تملكه من تأثير إيجابي في متخذي القرار بما تكتبه، حتى نسي كل ذلك التنظير والدفاع عن حرية الصحافة، وتذكر أنه كان بعيداً عن النقد، أما وقد اقترب النقد منه، فقد أصبحت الصحافة تناصبه العداء، وتحول نقدها «غير موضوعي» و«شخصياً» و«غير بنّـاء».

العبارة الأخيرة (الانتقاد غير البناء) تثير الحنق؛ لأنها أصبحت شماعة يُعرف بها من لا يعرف ألف باء الصحافة، فكل نقد لا يوافق هوى ذلك المسؤول، يتحولبقدرة قادر إلى نقد غير بناء، بالرغم من أن هذا النقد إذا وجّه لغيره من المسؤولين عدّه نقداً موضوعياً.

موقف صاحبنا الوزير، والحمد لله أنه وزير سابق، لا يختلف عن البعض من الوزراء والمسؤولين، فهم وللأمانة يرون في الصحافة وحريتها تطوراً طبيعياً للمجتمعات المحلية، إلا أن هذه القناعات تتغير بمجرد ظهورهم في الصورة، وتوجيه النقد لعملهم، وهنا تظهر تلك الأسطوانة المشروخة، والتي لا يعلمون أصلاً متى يستخدمونها، وهي أن هناك فرقاً بين النقد الموضوعي والنقد الشخصي، ولو حق لي أن أناوشهم قليلاً لقلت (لا يا شيخ!!)، من سمح لك بأن تكون أنت من يحدد ذلك التعريف؟ ولكني أقول إنك ربما لم تعرف، حتى الآن، ما يعنيه النقد الشخصي (على أصوله)، فعندما تنشر الصحافة عن ممتلكات عائلتك المنقولة وغير المنقولة قبل وبعد توليك الوزارة، عندها فلتأتي وتصرخ بأعلى صوتك بأنه انتقاد شخصي، وإذا ما كشفت الصحافة عورات التمويلات الهائلة التي تمنحها لك البنوك بصفتك الوظيفية، لا بصفتك الشخصية، ربما فهمنا ما تعنيه من انتقاد شخصي.

كثير من المعارك الصحافية التي مرَّت علينا، كنا لا نسمع إلا تعريضاً بالصحافة والصحافيين، باعتبارهم تجاوزوا الحدود. والحدود الصحافية الكل يعّفها على مزاجه وهواه، لكننا نحتكم إلا أمر واحد وهو، لو كنت في منزلك أيها المسؤول لما عرفتك الصحافة أصلاً. ألم تقاتل لتنشر صورتك في الصحيفة، وابتسمت كثيراً حتى تطلع الصورة حلوة؟

ومرة ثالثة نعيد الكرة ونذكر بصاحبنا الوزير، الذي اختفى تماماً من الصورة، بمعناها العام وليس بمعناها الذي يسعى إليه هو عندما يبتسم، فأين هي الصحافة التي انتقدته بعد أن ترك وزارته؟ وكأني به الآن يتحسر على أيام أزبد وأرعد ضد الصحافة، وكم تمنى أن يعود من جديد لمقعده الوزاري ولتفعل به الصحافة ما تشاء. «وربّ يوم بكيت منه فلما صرت فيغيره بكيت عليه».


ssalmand@gmail.com
تويتر