مأساة نجود.. وكل نجود
|
|
|
|
الطفلة اليمنية نجود حصلت الثلاثاء الماضي على الطلاق من زواج قسري دام شهرين، وبدت سعيدة في الصورة التي وزعتها وكالات الأنباء وهي تخرج من محكمة في صنعاء برفقة خالها.
نجود في الثامنة من عمرها. ولا غرابة في زواج الأطفال في العالم العربي، فكثيرا ما قرأنا عن طفلة في التاسعة تزوجت طفلاً في العاشرة، وسط فرحة الأهل والقبيلة. وفي بلدان عربية يطلقون النار في الهواء ابتهاجاً بمثل هذا النوع من الزواج الذي هو ليس أكثر من اغتصاب للطفولة، وقتل متعمّد ومباشر لها!
ليس من حق أحد أن يسأل المحاكم التي تبرم عقود الزواج، وليس من حق أحد أن يحاكم القانون الذي يسرق الطفولة، ويمعن في وأدها على هذا النحو المريع، فنحن أمة تتقن الذرائع والتغطية على الجرائم تحت حجج لا تستقيم لأي منطق إنساني أو ديني، بل إن أي مجادلة حول مشروعية زواج الأطفال قد تُحيل صاحبها إلى الاشتباك مع قضايا بالغة التعقيد والتحريم في الذهنية العربية.
قصة نجود مختلفة بعض الشيء عن تفاصيل زواج الأطفال، فقد ارتبطت برجل يكبرها بأكثر من 20 عاماً، دون عقد زواج شرعي، وجرت المسألة في إطار اجتماعي خاص، لكن هناك ألف نجود في الوطن العربي، وغالباً ما تجد مثل قصتها مكاناً بارزاً على أغلفة المجلات النسائية، باعتبارها قصة مثيرة للقراءة وزيادة نسب التوزيع.
عايشتُ في بلد عربي قصة فتى في الثالثة عشرة تزوج فتاة في الحادية عشرة، وعلمت أن المأذون الشرعي قدّر أن «الزوجين» بالغان عاقلان، وذلك من خلال أسئلة طرحها عليهما، والأسوأ أن السلطات المدنية في ذلك البلد صادقت على عقد الزواج، وأضفت عليه الصفة المدنية!
سبب الزواج أن أم الفتى أنجبته بعد خمس بنات، وقطعت على نفسها نذراً بأن تزوجه في الثالثة عشرة، والمضحك المبكي في هذه القصة أن الفتى والفتاة شرعا في البكاء في الليلة الأولى من «الزواج» وقررا أن يعود كل منهما لينام عند أمه، وفي أثناء ذلك تفاصيل يتعذر نشرها، لكنها تكشف عن مدى الانحدار الثقافي والإنساني الذي نعيش فيه، ولا يجد من يتصدى له، بقوة القانون أو نضوج المجتمع! ما عرفته لاحقاً أن ذويهما الفخورين بأن لهم «رجلاً وامرأة» في «سن القران» قدموا مساعدات كثيرة لكي تقوم مؤسسة الزواج، غير أنها لم تدم أكثر من أشهر قليلة وانهارت وتركت وراءها فتى مطلقاً وفتاة مطلقة، ولكم أن تتخيلوا عمق مأساتهما. الآن، ونحن في القرن الحادي والعشرين لايزال سنّ الزواج غير محدد في بعض الدول العربية، وثمة بلدان تحدده بسنّ الخامسة عشرة، لكن الأهم أن هناك تواطؤاً صريحاً من سلطات وقوانين مع قيم وتقاليد بالية تسمح بالزواج، وتقيمه خارج المؤسسات المدنية، ثم تفرضه عليها، على اعتبار أن بإمكان من يعقد الزواج تقدير البلوغ من خلال صوت، أو بنيان جسماني، أو من الإجابة عن سؤال بديهي. وكل ذلك ونحن في عصر التقدم العلمي والطبي، حيث يصبح ثمن كل اجتهاد جاهل حياة إنسان ومستقبل مجتمع. baselraf@gmail.com |