نعمة التضخم

سلمان الدوسري

   
جزى الله الطفرة التي تمر بها المنطقة كل خير، ليس لأنها عرفتنا عدونا من صديقنا، بل لأنها نشرت وعياً اقتصادياً كان مغيباً لفترات طويلة عن المجتمعات المحلية في كل دول الخليج، فتحولت مصطلحات مثل «التضخم» و«أسعار الصرف» و«فك الارتباط» و«السياسة النقدية» وغيرها، إلى قضايا رئيسة في المجالس والدواوين الخليجية، وتراجعت أحاديث الأسهم والرياضة إلى المرتبة الثانية، مؤقتاً على الأقل.


بالتأكيد لا يلام أبناء المنطقة وهم يطرحون همومهم الرئيسة التي سببها الأساسي موجة الغلاء التي هبت منذ طفرة أسعار النفط في 2003، غير أن الكثير منهم لا يرون إلا نصف الكأس الفارغ، ويتجاهلون، وربما لا يهتمون، بالنظر إلى النصف الآخر من الكأس.


وبالرغم من علمي بأن الدفاع عن الحكومات من قبل أي كاتب هو عادة غير محببة لدى الشارع بصفة عامة، وربما معهم حق في ذلك، لكن ذلك لايمنع أن السياط دائماً توجه إلى الجهات الرسمية، وكأن لديها عصا سحرية أخفتها عن مواطنيها لتخلصهم من التضخم، ونحن هنا بالطبع لسنا في معرض تبرير هذا الغلاء، لكن هذا التضخم لم يأت من فراغ، فالسيولة العالية والتاريخية التي تنعم-لاحظوا أننا نقول تنعم- بها دول الخليج البترولية انعكست، لمن لا يرى إلا التضخم، على مشروعات بنية تحتية عملاقة، وصناديق سيادية للأجيال القادمة، واستثمارات محلية وخارجية غير مسبوقة، والتي بدورها وفرت المزيد من الوظائف لأبناء الخليج.


من يرى في الطفرة الحالية كابوساً ويخشى استمرارها، نقول له رويداً رويداً وعليك بالخشية مما هو أخطر من التضخم، وهو عدم وجود التضخم! نعم فالطفرة الحالية غير مسبوقة، ولم؟ ومن يدري؟ ربما لن تتكرر على المنطقة، ونقيضها هو الكساد، وحينها لا برميل بترول يفوق المائة دولار وبالتالي لا وظائف ولا مشروعات حكومية ولا  سيولة عالية تنعش الاقتصاد المحلي، ولا حتى سوق أسهم تحلق عاليا. فهل علم أبناء الخليج خطورة ذهاب الطفرة؟


لا مجال للتذكير هنا بأن الحكومات عليها بعض من اللوم في عدم تعاملها مع هذا التضخم غير المسبوق، وأنها تتحمل مسؤولية عدم التدخل مبكرا وترك الحبل على الغارب منذ بدء أسعار النفط بالارتفاع، لكن الحقيقة المرة أيضا تقول إنها  مهما عملت فلن تستطيع تخفيضه بنسب كبيرة، وأقصى ما تستطيعه هو تثبيت التضخم عند مستوياته الحالية.


 ومن يظن أن فك الارتباط بالدولار قراراً، بالرغم من صعوبته في الوقت الحاضر، كافياً لإيقاف التضخم والعودة إلى أيام البحبوحة المعيشية فهو مخطئ، ولنا في دولة الكويت عبرة ومثل، عندما فكت ارتباط دينارها بالورقة الخضراء، لكن قرارها لم يحد من التضخم إلا بنسب ضئيلة. وربما قدر المنطقة بهذه السيولة الهائلة أن تبقى تحت ضغط التضخم حتى تزول مسبباته.. فهل نحن على استعداد فعلي للتخلص من هذه الطفرة؟

 

ssalmand@gmail.com  

تويتر