قبيلة دبي

سلمان الدوسري


مخطئ من يظن أن نجاح دبي محصور في إنشاء مدينة عصرية حالمة على مستوى عالمي.. وأيضاً مخطئ من يصوّر نجاح دبي، فقط، في أبراج شاهقة ومشروعات فريدة، كل هذا من الممكن أن يحدث هنا أو هناك، صحيح أن الصعوبة حاضرة، لكنه ليس مستحيلاً. إنجاز دبي الحقيقي هو قدرتها على تكوين مجتمع متجانس لا يفرق بين مواطنيه، ولا يقدم أيّاً منهم على الآخر، لا بسبب الجنس ولا اللون ولا العرق، ولا حتى القبيلة، وهو ما أسهم بقوة في نجاح الإمارة في تكوين ما يمكن تسميته بقبيلة دبي التي لا يتفوق فيها مواطن على آخر، فهم في النهاية أبناء قبيلة كبيرة وواحدة.

 

لعلّ ما نجحت به دبي وفشل الآخرون -وهم كُثر- هو إذابة كل الفروقات بين أبناء الوطن الواحد، وأسست لقاعدة عملية وطبّقتها، بأن الجزاء من جنس العمل، وما يحسب لفلان أو ضد علان، ليس أصلاً أو مذهباً أو نسباً. ما جمع ناس دبي هو مظلة واحدة لا تفرق بينهم، بل تجمعهم أياً كانوا، ومن أين أتوا، فعملوا من أجل هدف واحد، فكونوا معاً مجتمعاً نموذجياً هم أساسه وهم منتهاه.

 

ما يحدث في مجتمعات خليجية أخرى، للأسف، هو النقيض مما تقوم عليه المجتمعات المدنية الناجحة، فلاتزال القبيلة تهيمن على جزء كبير من تكوين طبقاتها، فاختلف الناس على تعريفهم لما يمكن أن يكون على إثره المجتمع صالحاً، فهذا يبحث عن قريب يغطي به فشله، وذاك يستند إلى بعيد يجمعهما معاً الجد العاشر، وهكذا غابت مقومات المجتمع الحقيقي، وتفرّغ أبناء هذه المجتمعات للبحث عن أسباب غير موضوعية تخولهم الوصول لهدفهم، بالتأكيد بأغراض ووسائل لم تكن المؤهلات على رأسها.

 

وإذا كانت القبيلة، وهي لبّ المشكلة، قد جمعت بين الشعوب عندما كانت شريعة الغاب هي السائدة، فإن شريعة القانون وقانون الدولة، هما ما يجب أن يجمع بين أفراد المجتمع، أياً كانت مشاربهم وطوائفهم، لا يهم إن كان هذا من البادية، أو ذاك من الحاضرة، أو من هو الأسود من الأبيض، ما يهم هو أنهم، بحكم دستور الدولة، وقبلها دستور القرآن، أصبحوا مواطنين يجمعهم الوطن ويفرقهم، ومتى ما تفوقت القبيلة، أو غيرها، فلا خير في وطن يفضل عليه أبناؤه أصلهم وفصلهم.

 

وإذا كانت اللغة الاستعلائية التي يتحدث بها الكثير من أبناء الخليج، بفعل حسبهم ونسبهم -والبعض منهم للغرابة من المتدينين- فإن اللافت في دبي تحديداً، أن أياً منهم لا يتحدث بهذه اللغة، بل إنهم لا يهتمون بها إطلاقاً، وكل منهم هو ابن من أبناء الدولة لا يختلف عنه أياً كان. وهكذا تمكنت دبي من الوصول إلى معادلة النجاح التي ضمنت لها مدينة عالمية عصرية، لم تكن تتحقق أصلاً لو لم تكن دبي، لا غيرها، هي المجمِّع لأبنائها فرداً فرداً. 

 

ssalmand@gmail.com
تويتر