الراشد يرسل حنينه إلى البيت من الهملايا

 
«ثمة أماكن أخرى للروح
فوق قمم عالية
يتساقط فوقها الثلج
تكسوها الحياة بالحنان
ذلك الذي مر على حياتي
من الالف الى الياء».

سعيدا يجول الشاعر خالد الراشد العالم بعد 14 عاما قضاها في العمل مدير تحرير للاخبار بتلفزيون ابوظبي، ثم انتقل الى صحيفة الاتحاد «القسم الثقافي» حتى تقاعد، فانطلق يعيش فوق القمم وحيدا على جبال الهملايا.

«كله ازرق» صدر أخيرا للشاعر الراشد بعد ان ضم قصائد كتبت خلال 25 عاما، بقطع متوسط وبدعم من وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع واتحاد كتاب وادباء الامارات، فيما ستصدر له قريبا مجموعة شعرية بعنوان «منمنم» واخرى بعدها «راما روز»، وضمت مجموعته 50 قصيدة مثلت تجارب ومستويات شعرية وحسية مختلفة.

ويعتبرالشاعر والمثقف خالد الراشد من الاصوات المسموعة شعريا في الامارات، امتزجت تجربته في الكتابة الصحافية واهتمامه بالفن التشكيلي متذوقا محترفا للفن التشكيلي والبصري، حيث تتضح انعكسات هذا الاهتمام في الكثير من قصائده، فمعظم القصائد المنضوية في «كله ازرق» نشرت في الصحف على مراحل، فالحنين في غالبية القصائد يمتزج بالفلسفة الروحانية التي خلصت الشاعر الراشد للوصول الى اعلى قمم العالم والمبيت هناك قرب الغيوم وتجلي المرتفعات بعيدا عن الحياة الاعتيادية، فقد ضم الكتاب الاول للشاعر الراشد قصائد تنوعت في موضوعها التي حملت عناوين مختصرة ومعبرة عن التجارب التي مثلتها حساسية اللغة التي كتبت فيها قصائد الديوان الاول للشاعر:
«في المرة القادمة لن امرّ عليك
ستبقى تعزف الموسيقا
يا حبيبي
الى ان تفقدني
وأنت تعزف 
كل ما تريد».
 

 

فالحنين يتجلى في كل العناوين التي كتب تحتها الشاعر الراشد الاهداء الذي دمغه في اول ديوانه، حين قال: 
«وهل .. بعد الشمس امرأة» ليكون مدخله الى اشيائه ومفرداته وقلقه من قصيدة «الهواء، البيت» الى قصيدة «اوراق الوردة».

 

الشاعر الراشد سكن في لغته الخاصة وخاطب الكثير من افكاره في قصائده فقال في مقطع «الهواء، البيت»: 
«سأكتب عن حالتي في الحانة
مرة بعد مرة
بعد مرة حتى ينفتح الباب على حياتي
التي تستمر مثل غيب».
 

 

كما ان مقطعا آخر من القصيدة نفسها «الهواء، البيت»:
«لم أعد أحتملها 
حياتي 
ولا أحتمل الضوضاء
في المكان الذي يعج  بقدر كبير من
اللاإنسانية»
  

 
قد يكون حمل الشاعر الى عزلته في الهملايا هناك حيث ينغمس على مدار التنفس بالتأمل وباستعادة شيء او من اجل لحظة يضيء فيها زاوية انهكتها العتمة، فهو هارب من البيت الى البيت في كثير من قصائده.
«في طريقه الى البيت 
رجل وحيد مثلي 
لا ينام ولا يستيقظ».


فالبيت مثل للراشد موضوعا مهما ناجاه واهمله وعاد اليه وتركه ثم نام في مسماه 
«في طريقي الى البيت
الحب الذي لا ينتهي
شاعر يسير في طريقه الى البيت 
يسير ويسير 
في حاله
رجل يذهب وحيدا الى البيت
في طريقه ..
ينام على الطرقات ينام
تحت شجرة..
وشجرة توصله الى البيت».

 

ديوان الراشد جاء محملا بالتجارب اليومية والذهنية والروحانية التي يسكن تمارينها الآن في عزلته الاختيارية بعيدا ووحيدا كما يصف نفسه في مفرداته ومقاطع قصائده الطويلة والقصيرة منها، غص ديوانه المشبع والمقنع في صوت يبشر بالسكينة والهدوء وبالضجيج في اماكنه بعيدا عن تعبه وارهاقه.
فيقول في «الوقت»:
«اذبل في المزهرية على الطاولة
لم يعتنِ بي أحد
صورتي محدها على الجدار
هي الاخرى
بالبيض والاسود مثل دخان طازج
يملأ الفراغ على الطاولة 
في مكان كل ما فيه  يرقص
وينقصه التأمل».
  

 

وهذا ما فعله الشاعر الراشد، ذهب حيث التأمل ليدرب روحه على تمارين جديدة في مكان يسمح لها ان تحلق وان تلملم جراحه النازفة في القصيدة، الحياة وفي الحياة- القصيدة ليبدأ مسعاه نحو لغة تعيد له بريقه بين السطور، وتنفث عن الرماد والعزلة هيبة جديدة كانت مخبأة في قارورة الــروح المخثرة، فالشاعر الراشد ارتبط كثيرا بالطبيعــة ومكوناتها وكان محبا ومتواضعا امام عناصرها حين قال «أمينة»:
«فلتعذرني الشمس 
لو انحنيت
قامتي طويلة 
وأصابعي أطول».
 


كل قصائده حملت اسماءها، وديوانه الاول حمل كل الاسماء وجاء مع الجميع بخطوة واحدة ومختلفة «كله ازرق» مثل تجربة طويلة تأخرت بعض الشيء لكن قطافها كان مثل المشمش ناضجا ينتظر الجاذبية، او مثل تفاح على جبل بارد على خد غيمة تلامسه تنديه وتذهب وتتركه خلفها لمعة في العين على خد تفاحة في الهملايا يراه خالد الراشد كل يوم وتوقظ في قلبه المفردات والمعاني والبيت والطريق والعناوين.

 

تويتر