«المافيـا».. ما عـادت إيطاليــة


ما أن ترد كلمة «مافيا» حتى تتوالى مجموعة من الشخصيات والأمكنة والأشكال والأنماط التي صاغتها السينما الأميركية وكانت دائماً بدمغة إيطالية، وللتحديد صقلية. على اعتبار تعريف هذا المصطلح ونشأته مرتبطة بهذه الجزيرة، فالمافيا تعني العراب مارلون براندو، ومن تبعه كروبرت دي نيرو، وآل باتشينو، وآندي غارسيا وغيرهم من الوجوه التي تمتزج فيها الوسامة برجولة خاصة، وقسوة لا تفارقها نكهة يضفيها الممثل عليها، للمشاهد أن يتعاطف معها وهي غارقة في بحر من الدماء، ولتكون هنا الجريمة منظمة خاضعة لعدد من القوانين والعادات والتقاليد، وعلى شيء من العائلية والقبلية.
 
يمضي بنا ما تقدم ليضعنا أمام ما ظهر من أفلام في السنتين الأخيرتين عن «المافيا»، التي كما ستظهر الأسطر التالية لم تكن إيطالية كما درج المشاهد على متابعته، بل مضت تلك الأفلام نحو مافيات ذات نشأة مختلفة، وبنكهات مغايرة لما قدمنا به. نبدأ من فيلم مارتن سكورسيزي «ذا ديبارتد» ( المرحّل) الذي حصل على أوسكار أفضل فيلم العام الماضي، ولنكون هنا أمام مافيا ايرلندية يتزعمها جاك نيكلسون بكل عنفوانه، والكيفية التي تتمكن الشرطة من زرع أحد عملائها داخل نسيجها والذي يحتوي في الوقت نفسه، ضابط شرطة يكون قد نشأ وترعرع في كنف تلك المافيا، وتحوّل لدى دخوله سلك الشرطة إلى جاسوس لتلك المافيا داخل الشرطة، وعليه كان الفيلم «مافياوياً» بامتياز عبر كل العلاقات التي تحيط بنيكلسون، لكن دون أن نرى تقبيل الأيدي، والشعر المصفف إلى الوراء ودمغات المافيا الإيطالية.
 
يمكننا أيضاً أن نستعيد فيلم مخرج كبير مثل سكورسيزي هو ريدلي سكوت من خلال فيلم «أميركان غانغستر» (رجل عصابة أميركي)، وليكون مع سكوت الأمر مختلفاً، فهنا نتعرف إلى رجل عصابة زنجي، وبكلمات أخرى مافيا سوداء نرى كيف يؤسس لها فرانك (دانزل واشنطن) في أزقة هارلم،  والحيرة التي تعتري رجال الشرطة في تعقّبه، حتى أن ذلك الفيلم المحكم يوحي للمشاهد بأنه في صدد التعرف إلى عراب أسود هذه المرة، في مواجهة ضابط الشرطة ريتشي (راسل كرو).
 
فيلما سكورسيزي وسكوت كانا ضمن أميركا المكان الحيوي بالنسبة للمافيا، وتمحورت الأحداث فيهما حول اختراق الشرطة للحصن المنيع الذي صنعه كل زعيم مافيا على طريقته، الأمر الذي يتواصل مع فيلم ثالث لمخرج كبير آخر هو ديفيد كروننبيرغ وجاء بعنوان «ايسترن بروميسز» (وعود شرقية)، وليكون ذلك الفيلم أكثر إيغالاً في المافيا لكن الروسية، والتي تتخذ من لندن مركزاً لها.

فيلم كروننبيرغ على شيء من حساسية مغايرة، وإن كان أيضاً نيكولاي (فيغو مورتنيسين) مزروعاً عميلاً للاستخبارات الروسية داخل تلك المافيا العائلية بامتياز، والتي تقدم في الفيلم بكل طقوسها وعاداتها وتقاليدها، وانحيازها الجنوني نحو العنف، الذي ينغمس فيه نيكولا ليكون محط ثقة. نهاية عليّ أن أؤكد أن في (وعود شرقية) يترك الفيلم ليقدم لنا حكاية محكمة، مصاغة بعناية، بجماليات خاصة تمليها خصوصية المافيا الروسية التي يرصد عوالمها، والمراحل التي يتدرج فيها الفرد، والوشم المرتبط بكل مرحلة، إضافة لقصة آنا مع الفتاة التي لا تتجاوز السادسة عشرة من عمرها واطلاعها على معاناتها مع زعيم تلك المافيا الأب، إضافة لاختلال الابن.

يبقى أن ننتظر ما هي الجنسيات الأخرى التي ستستقر عليها أفلام أخرى، لمافيات مغايرة عن تلك التي عهدناها إيطالية في ما مضى، وبكلمات أخرى كيف لتلك المافيات أن تجد صيغاً جديدة لها في الغالب أن تكون معولمة. 
تويتر