«جوع».. الشبع أمل طارئ

 إن كان للعنوان أن يكون مفتاحاً للعمل الإبداعي، فإنه مع رواية المصري محمد البساطي «جوع» تجاوز ذلك إلى أن يكون الناظم الذي تتمحور حوله الشخصيات التي تعيش تحت رحمة ذلك الجوع، وتهويماته وما يفرضه من تعايش معه، فالجوع هنا أسلوب حياة لا تطمح الشخصيات إلى الانتصار عليه إلا لتبقى على قيد الحياة.

ثلاث شخصيات هي أفراد عائلة واحدة ترصدها رواية البساطي، زوج وزوجة وولد له أخ صغير، بحيث يتنوع السرد بين ثلاث شخصيات، وبكلمة أدق زاوية الرؤية، فيبدأ من البيت الذي تسكنه تلك العائلة والمصطبة التي تفترشها بانتظار خلاص لا يأتي، ومن ثم ينتقل إلى الزوج زغلول الذي نتتبع حياته وتسكعه وكسله ومعاناته، وليكون الراوي دائماً ممسكاً بتلابيب السرد. 

نعرف من البداية أن « الأربعة ناموا ببطون فارغة، كان نومهم متقطعاً، أحست بالولدين يقعدان أثناء نومهما، ويتلفتان هنا وهنا ثم يعودان للرقاد، وما بيدها أن تفعل؟ آخر ما كان مع زوجها صرفه من يومين.

اشترى سيجارة. هو لا يدخنٌّ» ومن ثم تتوالى حكاية الزوج وحظه العاثر، وعدائه للعمل، وهو يتسكع من مكان إلى آخر يتنصت إلى أحاديث شباب في مقتبل العمر، ليوحي كل ما يحيط بشخصية زغلول بأن في داخله نزعة نحو حياة مغايرة لا يملك أن يفعل شيئاً ليحصل عليها، أما الزوجة سكينة، فتكون دائماً المدبرة، التي تخلق من تحت الأرض طريقة للحصول على رغيف خبز. 

تحمل لنا الرواية أيضاً علاقة سكينة مع من يقطنون في بيت كبير أمامها، ومحاولاتها المستميتة للحصول على عمل لديهم، وتعرضها للإذلال من قبل الخادمتين اللتين تعملان في بيت الأغنياء أولئك، إلى أن نصل لموت الأم في ذلك البيت، ومن ثم تحقق حلم سكينة بالخدمة بذلك البيت، والسماح لها ولعائلتها أن تعيش في البيت الكبير لرعاية الأب الوحيد، والذي سرعان ما يتوفى، آخذاً معه الرغد الذي عاشت به سكينة و«الفرحة التي غمرتها، وكانت تفكر فيما يأكلونه وقد تركتهم في الصباح وبطونهم فارغة».

تنتهي الرواية مع الابن وعالمه المتعايش مع الجوع، ومساهمته أيضاً في تحصيل الخبز ليكون كفاف يومهم، ولنا هنا في هذا المقطع مثال على سعيه طالما أن والده يخرج من الصباح ولا يعود إلا بعد منتصف الليل من تسكعه «لمح طاولة منزوية، فوقها كومة من كسر العيش، ما تخلّف من الخبز،

رآه عندما اقترب وقد خطر له ربما استطاع أن يأخذ القليل منه ولن يرفض صاحب الفرن، أرغفة معوجة، وأخرى احترق جانب منها، الكسر كثيرة، أرغفة تسقط أثناء إخراجها من الفرن أو نقلها إلى الطاولات. مد يده وتناول لقمة.

جاء صوت من الداخل المعتم: خد لو عايز.. تعال اكنس الفرن واملأ حجرك».  ي
مكننا التأكيد «أن رواية البساطي تضع تلك الشخصيات في جوار العالم الذي يحيط بها، دون أدنى أمل بأن يتغير شيء من حياتها، إلا لحظات أمل طارئة توحي بأنه قد ينتصر على الجوع، لنجد أن الشخصيات سرعان ما تعود إلا أمعاءها الخاوية، ما دام الواقع هو ما يضيئه أدب محمد البساطي»
تويتر