«كلام نواعم»

باسل رفايعة

 

من «كلام النواعم» العربي أن مجموعة من النساء يجلسن في أستوديو وسط جمهور تلفزيوني، ويناقشن موضوعات مهمة ومؤرقة اجتماعياً، مثل الطلاق والعنف والعلاقات الجنسية المضطربة، ولكنه نقاش على سطوح  الموضوعات وحولها ولا يذهب فيها عميقاً، ثم هناك طروحات غير مخدومة سوى بالآراء، فلا دراسات، ولا أرقام، ولا نتائج. 


ووسط ذلك تنافس نسائي على طرح أسئلة ضعيفة، غير منتجة معرفياً، ومعالجات سريعة لقضايا مقيمة، انسجاماً مع تعدد فقرات البرنامج الذي عرض أخيراً مقابلة مع نجم اختصاصي في مرض التوحد، وأعقبها بلقاء مع شاعر شعبي!


البرنامج من فئة «المنوعات» العربية، وإن بدا غير ذلك في محاولات إثارة جدل سريع واستعراضي غالباً حول الموضوعات التي يطرحها. فريق الإعداد لا يبذل جهداً ملموساً في الحوارات، بقدر ما يقوم بجهود تنسيقية، ربما تمثل خلاصتها إنجازا في إنتاج البرامج العربية، ولكن أدنى مقارنة مع ما تنتجه الفضائيات الأميركية والبريطانية تُظهر أنّنا نتلمس البدايات في طريق طويلة جدا!!


اللافت أن «كلام نواعم» الذي تبثه فضائية «إم بي سي» على قناتها الأولى يؤكد فعلاً أن هذا هو أقصى الممكن والمتاح، إذ إنّنا حين نتحول إلى القناة الرابعة على المحطة نفسها، ونشاهد برامج مثل «أوبرا» و«د. فيل» وحتى برنامج الطبخ لريتشيل راي، نكتشف سوء ما نصنع، ونقنع بأن الاستنساخ أفضل خيار عندما نعجز عن التعبير عن أنفسنا، قبل مجاراة الآخرين!!


القناة الرابعة مستوردة ومترجَمة، وفيها الكثير من الفائدة والمتعة والترفيه الذكي والأخبار التي لا تخضع للمعايير العربية، وكلما تابعتها وعدت إلى «كلام نواعم» أو أي برنامج ومسلسل على القناة الأولى تكتشف بسهولة أن الإعلام العربي استسلم كليّاً في معركة لم يحاول خوضها، إما لأنه استسهل النقل والنسخ، وإما لأنه لا يريد دفع كلفة مالية أو فكرية لإنتاج أفكار ومضامين في قوالب برامجية رفيعة المستوى.


المحطات العربية تدعو باستمرار مشاهديها إلى المشاركة في برامج الغناء والرقص والمسابقات المنسوخة، وربما الممسوخة ليفوزوا بالسفر والجوائز الضخمة، وتفوز هي بالإعلانات وعوائد التصويت، ولم يسبق أن طرحت فضائية عربية مسابقة لإبداع برامج جديدة، من أجل أن تضع بصمة عربية واحدة في الفضاء، وفي الوقت نفسه أراحت نفسها من عناء إنتاج برامجي حقيقي يتناول القضايا والمعضلات الرئيسة في العالم العربي، وتتوافر فيه عناصر الجذب والمتعة والاختلاف الموجودة في معظم البرامج الأجنبية.


ذات يوم، طرحتُ سؤالاً حول هذا الجانب على مسؤول في فضائية عربية ذائعة الصيت، فأجاب بسرعة وقناعة يُحسد عليهما أن المسألة متعلقة بعدم وجود كـتّاب ومعدين وباحثين على سوية نظرائهم في أميركا مثلاً، فقاطعته على الفور: وهل حاولتَ سابقاً حتى رسخت لديك هذه القناعة، فتردد قبل أن يجزم بأن البرامج «الجادة» لا تقنع المعلن العربي ليدفع أكثر، مقارنة مع برامج المسابقات والمنوعات، وقال إن «إنتاج برامج على النمط الأميركي مكلف جداً، وغير مربح، ثم إنّنا لا نريد اختراع العجلة؛ ولذا نستهلك ما ينتجه الآخرون، ونستفيد مالياً وجماهيرياً من دون مخاطر»!!  

        

baselraf@gmail.com

تويتر