ثمرة الرواية المحرّمة والمحببة في السينما

 

غواية أن تنقل رواية إلى فيلم سينمائي أمر من الصعب مقاومته، خصوصا في المجتمعات القارئة، بحيث يأتي الفيلم نوعاً من القراءة البصرية لما جرى تداوله بنجاح على الورق، كعملية قطاف بصرية لنجاح الكتاب، هذا أمر يمكن لأي متابع أن يعاينه بمجرد الرجوع إلى المنبع الذي جاءت منه أفلام نالت إعجابه، ليكتشف أن نسبة كبيرة منها قادمة من روايات أو مذكرات وضعت بين دفتي كتاب أولاً، وهذا تحديداً ينطبق على المشاهد العربي، كون فعل القراءة يكاد يكون شبه معدوم في العالم العربي، ولعله مصاب بمصاعب وانتكاسات كثيرة في عوالم أخرى، إلا أنها تبقى لا شيء مقارنة بواقع القراءة في العالم العربي.


كما أن علاقة الفيلم العربي بالرواية العربية بقيت مؤرقة بالكثير، والاختراق الوحيد لها بوصفها مشروعا متكاملا له أن يكون في السينما المصرية مع نجيب محفوظ، لا بل إن اعتقاداً كبيراً يسود أن تلك الأفلام المأخوذة عن روايات لمحفوظ أسهمت بقوة في انتشارها، على اعتبار أن الآية معكوسة عندنا، فإننا قد نقرأ حين نشاهد، وليس العكس، ليمتد الأمر إلى معاينات على أرض الواقع، تجعل من جيل المخرجين الشباب المقبل لا يعرف من الفن إلا ما يشاهده، حاصرا ثقافته بالشاشة والتي كما أصبح من البديهيات تقدم أفلاماً منزوعة الدسم، وذات توجه واحد تمليه الذائقة الهوليوودية مع استثناءات تجعلنا نطالب بقوة بالاكتفاء بهوليوود، إن كان البديل هو الأفلام المصرية التجارية التي تتدهور حالها يوماً بعد يوم، دون أن ننسى بوليوود ودرر الأفلام التي تنتجها.


علاقة المخرج العربي بالرواية محدودة على اعتبار أن تجارب كبيرة في العالم العربي كان المخرج فيها يعتمد على نفسه ويكتب السيناريو، وهذا ما يعرف بسينما المؤلف، ولا يفوتنا تجارب طالت روايات حنا مينة في «بقايا صور» أو غسان كنفاني في «المخدوعون» إخراج توفيق صالح عن رواية «رجال تحت الشمس»، وغيرها من أفلام أخرى أخذت عن روايات لكنفاني مثل «السكين» إخراج خالد حمادة، و«الكلمة ـ البندقية» و«عائد إلى حيفا» اللذين أخرجهما قاسم حول.  وهناك مؤشرات لافتة في سورية على أن هذه العلاقة في توسع، كون روايات مثل «موزاييك دمشق» لفواز حداد، و«حسيبة» لخيري الذهبي، وغيرها من أعمال روائية يشتغل حالياً على تحويلها إلى أفلام. طبعاً ما أوردناه من أسماء روايات لها أن تعرف ما دامت أصبحت أفلاماً، تعرف دون أن تدفع أحداً لقراءتها.


 وفي سياق قريب، فإن نظرة شاملة لهذه العلاقة بين السينما والرواية، تدفعنا إلى أن الكتابة الروائية نفسها قد تأثرت إلى حد كبير بتقنيات السينما، هذه الحقيقة لا تخفى على أحد، على صعيد الزمن والمونتاج وما إلى هنالك من تقنيات دخلت نسيج الرواية، لكن لــيس هذا ما نقصده بذلك التــــداخل، بل أكثر، على اعتبار أن الرواية الحديثة نفسها تكتب وعينها على أن تتحول إلى فيلم، نـقرأها وهي تتجسد أمامنا بصريا، لا بل تقطيع السرد وتوالي الأحداث أشبه بالسيناريو، فـرواية مثل «أتونمنت» (تعويض) لإيان ماكوين جاهزة لأن تكون فيلما، وهذا ما صارت إليه في فيلم ناجح، وغير ذلك من أعمال جون لوكاريه أو فيليب ديك، ولن أقول ستيفن كينغ أو توماس هـــاريس صــــاحب «هانيبال» على اعتبار روايتيهما تظهران بتسلسل معروف، فظهور الرواية يعني تحولها إلى فيلم بعد سنة على الأقل، وأحياناً يظهر الفيلم والرواية في توقيت واحد مثلما حدث مع «هانيبال رايزنغ» (نشأة هانيبال) أسوأ ما وصلت إليه سلسلة قصص هذا السفاح.


كلاسيكيات الروايات أمر آخر، غالباً ما يفشل تجسيدها سينمائياً، ما لم يمتلك المخرج رؤية خاصة ومحـددة للرواية، وخير مثال على الفشل يتجــــسد في «الحب في زمن الكوليرا»، الذي يدفعنا هنا إلى أن نرجو كل مخرج ينوي تصوير عمل روائي كلاسيكي أن يفكر ملياً في خطورة ما يقدم عليه.

تويتر