واقع متعثر ورهان على «إعــادة اختراع العجلة»
|
|
أبدى عدد من المثقفين والمعنيين بحركة الترجمة من وإلى العربية، تشاؤمهم من بؤس واقع الترجمة، وضعفه، آملين في الارتقاء بهذا القطاع الذي يفتح آفاقاً من الازدهار المعرفي، فبينما يؤكد البعض أهمية تضافر جهود المؤسسات المعنية، ولتفعيل الترجمة من وإلى اللغة العربية، يشدد البعض الآخر على قدرات المترجم، والموضوعات والمصطلحات، كما يذهب البعض إلى ضرورة تنمية فعل القراءة لدى الأطفال، على اعتبار أن ضعف التوزيع، يعد من أبرز مشكلات الكتاب.
مبيناً أن هذا المبدأ الخاص بأهمية الترجمة ينطبق على كل الأمم في كل الأزمان. ومؤكداً أنه أكثر أهمية بالنسبة للدول المتخلفة، إذ تستطيع الاستفادة من الأمم التي سبقتها بدلاً من «إعادة اختراع العجلة» كما يقول المثل. وقال: «العرب اليوم هم المتخلفون علمياً بالنسبة للغرب، بل وأيضاً بالنسبة لدول مثل اليابان بحسب تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2003، الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الذي يشير إلى أن متوسط الكتب المترجمة في السنة، خلال السنوات الخمس الأولى من ثمانينات القرن الماضي، كانت أقل من كتاب لكل مليون شخص من سكان العالم العربي، بينما كانت 519 كتاباً مترجماً لسكان المجر و922 كتاباً مترجماً في إسبانيا لكل مليون نسمة، وهذه الأرقام تكشف حجم التخلف لدينا».
وأخيراً، يرى الدكتور شهاب غانم أن الشعر هو روح الأمم وترجمته تساعد على فهم الأمم بعضها بعضاً بعمق، ما يساعد في حوار الحضارات بدلاً من صدامها، ومن واجبنا أن نتحرك ونعرف الآخرين بحقيقة ديننا العظيم وحضارتنا التي تدعو للإخاء والمحبة والتعاون والعدالة».
غياب المؤسسات من جهته يؤكد الشاعر علي كنعان أن واقع الترجمة مؤسف بكل المقاييس، مبيناً تخلف أداء هذا القطاع، ومزاجية الرؤية التي تتحكم في العديد من القائمين على مبادرات الترجمة، خصوصاً الفردية، وقال: «بمجرد تصفحنا لوائح الكتب المنشورة في الوطن العربي خلال أي سنة من السنوات الخمسين الماضية، سنرى أن نسبة الترجمة ضئيلة جدا، خصوصاً أن المترجمات تقتصر على النتاج الغربي وكأن الشرق غير موجود، بدءاً من الدول المجاورة حتى اليابان، مروراً بالهند والصين وإندونيسيا، وصولاً إلى أستراليا ونيوزيلندا. مشيراً إلى أن الأدهى من ذلك أنها «ترجمة مزاجية تجري بعيداً عن الدراسة والتقويم والتخطيط».
مؤكدا أن التواصل بين الأمم والشعوب لا يمكن أن يتم بلا ترجمة، وعلى نطاق واسع، بدءاً من مناهج التربية والتعليم، إلى مختلف العلوم والآداب والفنون، وحتى الأساطير. ويبين كنعان الذي يؤكد أهمية الجسور الفكرية والعلمية والأدبية التي تؤكدها الترجمة للتعارف واكتساب المعرفة وتعميق التجربة وتحقيق التفاهم والتعايش بين الإنسان وأخيه في أي بقعة من هذا الكوكب، أهمية تعلم أكثر من لغة وإتقانها لمعرفة العالم والتواصل معه، أملاً في أن تأخذ أمتنا دورها في بناء الحضارة. إلى ذلك يرى كنعان أن أولى المشكلات في حقل الترجمة تبدو في «ضعف الرؤية وزيف التوجه، إذ إن معظم ما يترجم ينحصر في الحقل الأدبي، وكأن حقول الفكر والعلوم، على تنوعها، لا قيمة لها، أو كأننا نعيش خارج العصر». وأضاف «لا أدري كيف نتزاحم في المؤسسات الاستهلاكية ونلهث لنملأ مطابخنا وصالات لهونا بأحدث الأدوات والمخترعات الإلكترونية، ولا نكلف أنفسنا عناء معرفة أسرار هذه الوسائل والأجهزة». لافتا إلى أن الترجمة تقتضي إتقان أكثر من لغة أجنبية، فضلاً عن أهمية إتقان اللغة الأم. وقال «بعض الكتب المترجمة توحي بأن صاحبها قام بالنقل الارتجالي المرتبك من لغة لا يعرفها جيداً إلى لغته التي لم يتقن أسرارها ولم يحط بشواردها. ومن المؤسف أن من يدعي أن لغتنا العربية قاصرة عن استيعاب علوم العصر، لا يعرف إلا القليل من كنوز هذه اللغة».
وقال: «على الرغم من ذلك هناك مبادرات واعدة في مجال الترجمة مثل مبادرة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، من خلال مؤسسة محمد بن راشد بعد مؤتمر المعرفة الذي عقد أخيراً في دبي. بالإضافة إلى مبادرة الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، من خلال برنامج «ترجمة» الذي تتبناه هيئة الثقافة والتراث في ابوظبي. ومحاولات من بعض المؤسسات الثقافية الأخرى في الوطن العربي مثل دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة والمجلس الوطني للثقافة بالكويت والذي يعد من أهم هذه المؤسسات التي ساهمت بشكل جيد في تغطية الفراغ الكبير الذي تعيشه الترجمة في الوطن العربي». وحول دور الترجمة في التقريب بين الثقافات، قال «لا شك أن الترجمة تلعب دوراً مهماً في زيادة المعرفة لدى الشعوب وتسهم في التقارب بين الثقافات، ونحن الآن أحوج ما نكون إلى زيادة التقارب بين الثقافة العربية والثقافات الأخرى خصوصاً الثقافة الغربية التي تعاني من عدم الفهم الكافي لحضارتنا. بسب عدم وجود نتاجات مترجمة من العربية إلى لغات تلك الدول وبسبب التضليل الإعلامي الذي تقوده القوى التي لها مصالح في تشويه صورة العرب والمسلمين بشكل عام». مؤكداً أن انطلاق حركة ترجمة فاعلة في الوطن العربي في جميع مناحي البحث العلمي والإنتاج الأدبي في القريب العاجل، أصبح ضرورة ملحة لا يمكن تأجيلها، خصوصاً أن آخر الإحصاءات تدل على أن التعليم والثقافة يعانيان من تخلف وإعاقات لا حصر لها على مستوى الوطن العربي. تشجيع الأطفال من جهتها ترى مترجمة «شيفرة دافنشي» سمة عبدربه، أن الترجمة هي جسر للتواصل بين الثقافات. مشيرة إلى أن العرب اهتموا منذ القدم بالترجمة، خاصة في العصر العباسي، وقالت: «حظي هذا العلم بمكانة تجلت بإنشاء دار الحكمة في عهد الخليفة المأمون الذي كان يشجع حركة الترجمة والتعريب». لافتة إلى أن أهمية الترجمة بالنسبة للوطن العربي في تزايد مستمر، نتيجة التقدم العلمي والتقني المذهل، كوننا من الشعوب المتلقية لا المنتجة لها.
مشيرة إلى أن تجربة دار العبيكان السعودية، تشكل أيضاً بصيص أمل لتحسين حركة الترجمة، حيث بدأت الدار بالترجمة منذ عام 2001، وقد وصل إنتاجها المترجم سنوياً إلى نحو 200 عمل من أصل 500 كتاب مترجم ينتجه الوطن العربي ككل، وهي نسبة لا يستهان بها. هذا إلى جانب الجهود الكبيرة التي تبذلها دور نشر لبنانية لتقديم أهم الأعمال للقارئ العربي ومثالها الدار العربية للعلوم التي دأبت منذ انطلاقتها عام 1987 على نقل المعارف والعلوم الحديثة إلى العربية وتنوع إنتاجها ليشمل علوم الحاسوب وبرامجه وأعمال أهم الروائيين والسياسيين العالميين.
وأشارت عبدربه إلى أن غياب التنسيق بين المؤسسات والجهات المعنية، تعد أحد العوائق التي تقف حجر عثرة في طريق تقدم الترجمة، وقالت «الجهود المبذولة لا تتعدى كونها مبادرات فردية ليس بإمكانها النهوض بحركة الترجمة لتقترب ولو قليلاً من مثيلاتها في العالم». لذلك ترى أن الحل يكمن في عقد الندوات والمؤتمرات وورش عمل على مستوى الوطن العربي، لمناقشة الموضوعات المتعلقة بالترجمة ومواكبتها للتقدم الشامل؛ مشيرة إلى أن مسألة توحيد المصطلحات العربية تعد من أهم القضايا التي يجب أن تحظى بأهمية خاصة، «الأمر الذي يقودنا من جديد إلى التركيز على دور الهيئات والمؤسسات الخاصة بالترجمة في العالم العربي». وترى عبدربه أن عدم اهتمام الشباب العربي بالقراءة يشكل عائقاً أمام دور النشر التي تهتم بترجمة الأعمال الأدبية والسياسية والعلمية؛ لأنها معنية بالجانب الاقتصادي، ما يدعوها إلى تخفيض أجور المترجمين والاعتماد على مترجمين لا يتمتعون بالكفاءة العالية والمعرفة الكافية التي تمكنهم من أداء عملهم بالطريقة المثلى».
معاهد متخصصة وتشير الكاتبة باسمة يونس إلى وجود إشكالية حقيقية تواجه الترجمة في الإمارات، وهي كما تصفها، لا تخفى على أحد من المتعاملين والفاعلين وحتى المهتمين، مبينة عدم وجود أثر واضح للجهود الفرية، مؤكدة أهمية المبادرات التي أعلن عنها في الدولة. وأشارت إلى أن اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ناقش، في ندوة نظمها، الإشكاليات التي تواجه الترجمة في الإمارات، وطرح عددا من الحلول التي يمكن استغلالها لعبور مراحل الإشكاليات المبدئية، وأضافت «قدمنا توصيات لمعالجة الخلل، ولكن لم يتم تنفيذ شيء منها، وبقيت الترجمة اجتهادات فردية، واعتمدت على مجرد الطرح النظري في الندوات والمؤتمرات».
ومن واقع تجربتها باعتبارها كاتبة تؤكد يونس أن الكاتب يتمنى رؤية ما يقدمه من إبداع مترجماً إلى لغات أخرى، كما تشير إلى واقع الترجمة القانونية، باعتبارها مترجمة قانونية، إلى أن المهنة تحولت إلى سوق سوداء، وأن هناك من يتعاملون معها باستخفاف جعلها تتحول إلى مصدر ربح من دون الاعتناء بمضمونها وتأثيرها وأحياناً من دون الاهتمام أو النظر إلى خطورة تأثير الترجمة في الكثير من التعاملات والقضايا المهمة، مؤكدة أن الخطأ في الترجمة يماثل تماماً الخطأ الطبي القاتل.
مبينة أهمية الحاجة إلى وجود جمعية أو هيئة متخصصة في الترجمة يمكنها التعاون والتعامل مع دور النشر كافة، التي تعمل على الترجمة ويمكنها أيضاً حصر المترجمين وقوائم بالترجمات الصادرة. إلى جانب التعامل مع الترجمة بسخاء فكري ومادي، وألا ينظر إليها على أنها إضافة أو ترف.
الإبداع في الترجمة
يؤكد المترجم والباحث في اللغة المصرية القديمة، المهندس سامح مقار، أن اللغة هي العائق الأول بيننا وبين معرفة ثقافات الشعوب والتواصل معهم، وأن محاولات الإنسان التغلب على هذا العائق قديمة قدم اللغات نفسها. مشيراً إلى أن الترجمة أسهمت في الحفاظ على الكثير من ارث الحضارات، كالمصرية القديمة والمسمارية وغيرها، مؤكداً أهمية إلمام المترجم بعدد من اللغات، وبتاريخ الشعوب، ما يمكنه من الوقوف على أعمق التعابير والتفاصيل. ويصف مقار الترجمة بأنها «فن عظيم يحتاج إلى آليات معينة وثقافة جمة لإتقانه»، مشيراً إلى أن الإنسان عدو ما يجهل، لذلك تنير الترجمة هذا المجهول وتضيء النقاط المشتركة بين الإنسانية.
وأضاف «العوامل المشتركة بين شعوب العالم كثيرة مهما تباعدوا. ومهما كان حجم الاختلاف بين الثقافات نتيجة اختلاف البيئة والغذاء وعوامل أخرى أفرزت عادات وتقاليد معينة، ولكن في النهاية، ولأن اللغات ذات أصل واحد، فالتعبيرات كلها واحدة منذ نشأة اللغة، والأمثلة كثيرة على ذلك». وأخيراً يؤكد مقار أن «التعمق في اللغة يؤدي إلى إبداع في الترجمة ويؤدي بصدق إلى التقارب المطلوب بين الثقافات».
|