أنتوني مينغيلا.. أفلام راسخة وأخرى معلقة

 

استعين في بداية الحديث عن المخرج البريطاني أنتوني مينغيلا الذي توفي الثلاثاء الماضي، بما قاله عنه رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون «مينغيلا واحد من أعظم المواهب المبدعة  في بريطانيا»، ولعل هذا التوصيف الصادر عن رجل سياسة صالح لأن يؤخذ به، على اعتبار مينغيلا ليس سينمائياً فقط، بل انه كاتب ومسرحي وموسيقي، وله العديد من المؤلفات المسرحية و«الأوبرا» وغيرها من أنماط الفنون، التي تتمحور حول الصورة وفنونها.

 

عرف مينغيلا بفيلمه الأكثر شهرة «ذا اينغلش بيشنت» (المريض الانجليزي) الذي تحول سنة انتاجه أي عام 1996 إلى فيلم يملأ الدنيا ويشغل الناس، وليتوج نجاحه بحصده تسعة أوسكارات، من بينها أوسكار أفضل فيلم وأفضل إخراج، وليمسي بعد مرور أكثر من 10 سنوات إلى واحد من كلاسيكيات السينما العالمية.


نواصل مع أفلام أخرى أخرجها مينغيلا لها أن تجتمع جميعاً على ميزة ناظمة  أقل توصيف لها هو التناغم، والاتكاء على أعمال أدبية له أن يأخذها إلى مساحة سينمائية صرفة، وجماليات تتكثف فيها عناصر مأخوذة عن  فنون أخرى، ولنا أن نستعيد هنا «تلينتد مستر ربلي» (السيد ربلي الموهوب) المأخوذ عن رواية لباتريسا هاسيميت أو «كولد مونتين» (الجبل البارد) وآخر الأفلام الذي  شاهدناه له «بريكينغ آند انترينغ» (كسر وخلع)، 

سنلاحظ، أن (المريض الانجليزي) و(الجبل البارد) ينتميان إلى الأفلام الملحمية، أو الانتاجات الضخمة، بينما الآخران فلهما أن يكونا على شيء من الدراما القوية المحكمة، المتكئة على بناء فني يتركز حول خصوصية الشخصيات وقلقها.

شيء آخر عرف به مينغيلا المولود في بريطانيا، لأبوين من أصول إيطالية، ألا وهو كنيته، حيث تعتبر مينغيلا واحدة من أشهر علامات الآيس كريم التجارية، التي تعود لوالده التي حقق من خلالها ثروة كبيرة. ثلاثة أفلام أخرى غير تلك التي مررنا عليها، لها أن تكون كل حصيلة هذا المخرج المميز،

ما يدفعنا هنا للتأكيد على وصف أفلامه بالمحكمة، بمعنى أنها ضربات على لوحة كبيرة متعددة الألوان نجد فيها المسرح والتلفزيون والموسيقى، فرالف فينس بطل فيلم (المريض الانجليزي) يعتبره يخرج الفيلم دون أن يحيد بنظره عن المسرح.


مات أنتوني مينغيلا ولم يتجاوز الـ54، لتكون جميع الأفلام التي أخرجها ابتداء من (المريض الانجليزي) حتى وفاته، صورها دون أن يفارقه المرض العضال، ولا أن يفارقه المرح أيضاً، حسبما يخبرنا فينس في تصريحه لجريدة «الغارديان» اللندنية.


مضى مينغيلا وبقيت أفلامه ماثلة في الذاكرة، وأخرى معلقة كان له أن ينجزها، باستثناء «ذا نمبر ون ليديز ديتكتيف اجينسي» (أول وكالة تحقيق نسائية) الذي يحكي عن أول سيدة بريطانية تؤسس وكالة تحريات خاصة نسائية، وليكون هذا الفيلم آخر ما انجزه، ولم يعرض بعد، بينما ظل الجزء الذي اشترك فيه مينغيلا مع مجموعة كبيرة من المخرجين في فيلم «أي لاف يو نيويورك» (أحبك يا نيويورك) معلقاً،

وليتواصل تصوير هذا الفيلم من دونه، كونه احتفالية سينمائية بتلك المدينة تشبه ما حمله فيلم «أحبك يا باريس»، وكذلك الأمر بالنسبة لفيلمه المأخوذ عن رواية لليز جينسن «الحياة التاسعة للويس داركس»، الذي لن يرى النور بتوقيع مينغيلا على الأقل.
تويتر