«الصـبر» الآســيوي تفــوّق علـى «مهارة» العمالة العربية

 

أفادت مصادر في وزارة العمل بأن العام الماضي شهد زيادة في أعداد العمالة الأجنبية الوافدة بلغت نحو 19% عن عام 2006، إذ ارتفع العدد من 2.6 مليون عامل إلى نحو 3.1 ملايين، وقالت الوزارة إن عدد العمالة العربية شهد ارتفاعاً طفيفاً عن الفترة نفسها، حيث وصل العدد إلى أكثر من 400 ألف عامل يشكلون نحو 15% من إجمالي حجم العمالة في الدولة.

 

ويرى خبراء ومعنيون في شؤون العمالة داخل الإمارات أن صبر العمالة الآسيوية وراء نجاحها، مؤكدين أن العمالة العربية هي الأمهر والأكثر انتاجية، لكن طبيعة العامل العربي مزاجية ولا يستطيع الادخار، الأمر الذي يجعله يفكر في العوده إلى بلده سريعاً.

 

وتوقعوا أن تشهد سوق العمل نشاطاً متزايداً في استقبال المزيد من العمالة العربية في القطاعات الاقتصادية كافة قريباً، لافتين إلى أن عدداً من العوامل التي كانت تقف حائلاً في سبيل تنامي أعداد العمال العرب في السابق، منوّهين بأن هذه العراقيل في طريقها إلى الحل بعد ازدياد وعي كثير من أصحاب الأعمال المواطنين والعرب بمخاطر الخلل في تركيبة جنسيات عمال الشركات والمؤسسات، والتي نتج عنها العديد من المشكلات الكبرى على المستويين العام والخاص.

 

واتفقت دراسة لغرفة تجارة وصناعة أبوظبي مع إحصاءات وزارة العمل حول حجم العمالة العربية الذي يقدر بنحو 15% من إجمالي حجم العمالة، وذكرت أن العمالة الآسيوية بلغت أكثر من 78%، غالبيتها من العمالة الرخيصة غير الماهرة، وتشكل نحو 90% منها أفراداً دون أسرهم، ويتميزون بالطاعة التامة، وتتوزع النسبة الباقية على بقية الجنسيات.

 

فارق العملة
وقال الرئيس التنفيذي لمجموعة الخليج للأعمال والمشروعات، الدكتور راشد الزارعي، إن عدد العمال العرب بدأ ينمو في مجالات كانت قاصرة على العمال من الجنسيات الآسيوية في السابق، خصوصاً في مجال التشييد والبناء الذي يستقطب نحو 60% من الأيدي العاملة داخل الدولة، نظراً لتفاقم نسب البطالة في البلدان العربية كثيفة السكان من جهة، وانخفاض أجور هذه العمالة إلى حد يقترب من مثيلتها الآسيوية من جهة أخرى، بالإضافة إلى زيادة الوعي بمخاطر الخلل في تركيبة جنسيات العمالة في سوق العمل. 

 

وأوضح الزارعي أن فارق العملة يمثل حجر عثرة أمام العمالة العربية في المجالات الأدنى، ويمثل جانب تفوق للعمالة الآسيوية عند تحويل الرواتب من الدرهم إلى العملات الآسيوية مما يسهم في التخفيف من مشكلة تدني الأجور، لافتاً إلى أن العمال الآسيويين يحولون نحو 90% من رواتبهم إلى بلدانهم الأصلية، حيث توفر لهم شركاتهم السكن والإقامة والانتقالات، ويتميزون بالطاعة والرغبة في التعلم، بينما ينفق العامل العربي نحو 90% من دخله في الدولة لأنه يميل لجلب أسرته. 


وتوقع الزارعي زيادة نسبة العمالة العربية من دول الشمال الإفريقي، بشكل خاص، بنسبة من 30 إلى 40% بعد توقيع اتفاقات بين وزارة العمل وبعض هذه الدول، وآخرها اتفاق مع المملكة المغربية يقضي بالتعاون العمالي في المجال السياحي.

 

العمالة المتنقلة
وأفاد المدير العام المساعد الجديد لمنظمة العمل العربية، حسين مجاور، بأن سوق العمل العربية تعاني خللاً حقيقياً، ففي الوقت الذي تعاني فيه بعض الدول الخليجية نقصاً في الأيدي العاملة وزيادة نسبة البطالة في دول عربية أخرى لمعدلات كبيرة نجد استيعاباً كبـيراً للعمالة الآسيوية. 

 

واقترح فريق العمال في منظمة العمل العربية البحث عن آلية جديدة للتعامل بين الدول العربية المستقبلة والمرسلة بشأن تنقل العمالة بينها لما فيه مصلحة الجانبين، وبحث العوائق والمخاوف التي تعوق الاستعانة بالعمالة العربية على المستوى المطلوب، مطالبين بإقامة منتدى أو لقاءً عربي دوري لبحث تسهيل إجراءات تنقل العمالة بين الدول العربية. 


ورأى مجاور أن رجال الأعمال العرب ومؤسسات القطاع الخاص، تقع عليهم مسؤولية تأهيل وتدريب العمالة غير الماهرة من منطلق الاستثمار البشري الذي يعود بالفائدة والربح على جميع الدول العربية، مشيراً إلى أن سوق العمل الأوروبية أغلقت الباب أمام العمالة الأجنبية بما فيها العمالة العربية، فمن باب أولى أن تحذو الدول العربية النهج نفسه.

 

المستثمرون المحليون
ومن جانبه، قدر المستشار الاقتصادي للسفارة اليمنية، جمال القوصي، عدد العمال اليمنيين داخل الإمارات حالياً بما يتراوح بين 40 و60 ألف عامل، منوّهاً بأنها عمالة تتميز بالمهارة وتتفوق على العمالة الآسيوية الرخيصة، محملاً المستثمرين المحليين مسؤولية انخفاض العمالة العربية داخل السوق إلى حد كادت تختفي معه اللغة العربية من الاستعمال اليومي بسبب استخدام العمالة الآسيوية الرخيصة المطيعة، على حساب العمالة العربية الماهرة المدربة.

 

وكشف المستشار العمالي للسفارة المصرية، المستشار محمد عطية، عن أن عدد العاملين المصريين داخل الدولة حالياً لا يتعدى 125 ألف عامل من إجمالي الجالية المصرية التي تبلغ 200 ألف فرد حسب أحدث الإحصاءات، لافتاً إلى أنها نسبة ضئيلة جداً بالنسبة إلى إجمالي عدد العمالة الأجنبية في الإمارات، على الرغم من كونها الأولى عربياً، وفق تعبيره. وأضاف عطية أن العامل النفسي يعد أحد العوامل الرئيسة وراء انخفاض نسبة العمالة العربية، والمصرية على وجه الخصوص، منوّهاً بأن العامل المصري لا يكمل ثلاثة أو أربعة أشهر في الدولة ثم يفكر في العودة، لأن طبيعته لا تتأقلم سريعاً مع المناخ العام السائد، بالإضافة إلى طبيعة العمل نفسها تختلف عن طبيعة العمل الذي اعتاده من حيث الضغط والالتزام ونوعية العمل.

 


وأشار إلى أن ضعف رواتب العمالة العادية التي تشكّل نحو 60% من إجمالي العمالة المصرية ـ نحو 1800 درهم للعامل ـ يعد عائقاً أمام من يرغبون منهم في استقدام ذويهم نظراً لارتفاع تكلفة الإقامة والسفر والإيجارات، فضلاً عن القوانين التي تضع حداً أدنى لرواتب من يرغبون في استقدام ذويهم. وقال عطية إن العامل العربي أكثر جلداً وإنتاجية من العامل الآسيوي لكن الأخير أكثر صبراً وطاعة، متوقعاً زيادة مطردة في الفترة المقبلة في أعداد العمال المصريين لتلبية حاجة سوق العمل، بعد عودة نحو 8000 عامل مصري مخالف أثناء فترة مهلة تعديل الأوضاع التي منحها مجلس الوزراء، مؤكداً أن العام الماضي شهد زيادة نسبتها 70% تقريباً في عدد العمالة المصرية مقابل عام 2006  . 

 

مسؤولية التأهيل 
اعتبر الملحق الإعلامي للسفارة السودانية، محمد الضي إبراهيم، أن انخفاض أعداد العمالة السودانية داخل الإمارات يعود إلى حاجة سوق العمل السودانية نفسها للعمالة المدربة، خصوصاً في قطاعات النفط والبنية التحتية والقطاعات الهندسية في ظل تدفق الاستثمارات الأجنبية على السودان في الفترة الأخيرة، حيث أصبحت الشركات المحلية تستقطب العمالة السودانية المدربة ذات الخبرات في الدول الخليجية نظراً لافتقاد العامل المحلي عنصر الخبرة. 


ويرى نائب رئيس المجلس الوطني الاتحادي، أحمد شبيب الظاهري، أن فكرة سن تشريعات أو إصدار قرارات وزارية تحدّ من جلب عمالة بلدان محـــددة، أو تركز على جنسية دون أخرى، فكرة تتنافى مع مفهوم السوق الحرة ومبدأ الحرية الاقــتصادية الذي تعتمد عليه السوق الإماراتية.

 

ويحمّل الظاهري المسؤولية للدول المرسلة للعمالة ذاتها؛ لأنها مطالبة بتأهيل عمالها، وسد جوانب القصور لديهم، حتى يستطيعوا منافسة العمالة الآسيوية، التي تتميز بالكثافة والانتشار وانخفاض الأجور.

 

تويتر