تردد واشنطن وصعوبة التنفيذ يفشلان «إيران- كونترا 2»

 
نواصل في الحلقة الثانية والاخيرة شرح تفاصيل المخطط الاميركي لازاحة حركة المقاومة الاسلامية حماس بالتعاون مع  «فتح» واطراف عربية، حيث تسلمت «فتح» دفعة اسلحة وارسلت المئات من عناصرها لتلقي تدريبات في مصر، وحصلت على اموال حتى تقوي وضعها في غزة للانقضاض على غريمتها «حماس» في الوقت المناسب، لكن الاوضاع على الارض سارت باتجاه معاكس، كما سيتبين.
 
يجادل بعض المحللين بان لدى «حماس» جناحاً يتصف بالاعتدال، حيث يمكن استغلال هذا الجناح اذا نجحت اميركا في استدراجه نحو عملية السلام.

ويشاركهم هذا الرأي بعض المسؤولين الاسرائيليين البارزين امثال رئيس المخابرات الاسرائيلية السابق «موساد» افرايم هالفي.

وعندما رفضت «حماس» نبذ العنف والاعتراف بحق اسرائيل في الوجود، والموافقة على جميع الاتفاقيات السابقة، حظرت الرباعية المساعدات المقدمة للسلطة الفلسطينية، حيث لم تستطع السلطة دفع رواتب موظفيها، وايجاد مصادر لميزانيتها السنوية البالغة ملياري دولار.

ومن الناحية الاخرى حدت اسرائيل من حرية تحرك الفلسطينيين، لا سيما داخل قطاع غزة وخارجه، الذي تسيطر عليه «حماس».

واعتقلت اسرائيل ايضا 64 من مسؤولي الحركة، من بينهم اعضاء في المجلس التشريعي ووزراء، وشنت حملة عسكرية داخل القطاع بعد ان تم اختطاف احد جنودها. ومع ذلك اثبتت حكومة «حماس» التي يقودها رئيس الوزراء محمود هنية بانها صعبة المراس.

اصيبت واشنطن بخيبة امل شديدة عندما بدأ عباس في التفاوض مع «حماس» من اجل تشكيل حكومة وحدة وطنية. وفي 4 اكتوبر 2006 سافرت رايس الى رام الله لمقابلة عباس، واجتمع الاثنان في مباني الرئاسة الفلسطينية، وتعتبر القبضة الاميركية على الحكومة الفلسطينية في عهد عباس، اقوى منها في عهد عرفات، اذ لم يكن عباس يتمتع بقاعدة قوية مستقلة، وكان همه الاول هو الحفاظ على تدفق العون الاجنبي، كما كان يعلم انه لن يستطع ان يقف في وجه «حماس» دون مساعدة واشنطن.

وفي مؤتمرهما الصحافي المشترك ابتسمت رايس عندما عبرت عن «اعجاب بلادها» الشديد بقيادة عباس، اما خلف الابواب المغلقة فقد كانت نبرة رايس حادة كما ذكر احد المسؤولين الذين حضروا الاجتماع المغلق، واخبرت عباس ان بلادها تتوقع منه، حل حكومة هنية باسرع ما يمكن، وتنظيم انتخابات جديدة.
 
ويقول احد المسؤولين ان عباس وافق على اتخاذ اجراء في هذا الشأن خلال اسبوعين من تاريخه، وكان ان تزامن ذلك الاجتماع مع شهر رمضان، حيث طلب عباس من ضيفته الانضمام اليه في الافطار، وبعد ذلك اكدت رايس موقفها، وفقا لما ذكره احد المسؤولين «اذن فقد اتفقنا على ان تحل الحكومة خلال اسبوعين»، ورد عباس «ربما ليس خلال اسبوعين، اعطيني شهرا، ودعينا ننتظر حتى بعد العيد»،

مشيرا لعطلة العيد ذات الثلاثة ايام (وقد رد المتحدث باسم عباس عبر البريد الكتروني نافيا صحة ما ذكرناه).

وذكر احد مرافقي رايس انها بعد ان استقلت سيارتها المصفحة قالت ان ذلك الافطار «كلفنا اسبوعين آخرين من حكم حماس».
 
سوف نكون هناك لمساندتكم مرت اسابيع دون اي اشارة بان عباس عازم على الايفاء بما تعهد به للاميركيين، فارسلت الادارة الاميركية مسؤولا آخر لرام الله هو القنصل الاميركي العام في القدس جيك والاس، وتمثلت مهمته في تحديد موعد نهائي للرئيس الفلسطيني.

ونعلم جيدا ما قاله والاس لانه ترك وراءه مذكرة، ربما كان بالمصادفة، بـ«النقاط التي سجلها» خلال المقابلة،  التي اعدتها له وزارة الخارجية الاميركية، وهذه الوثيقة وقع عليها مسؤولون اميركيون وفلسطينيون.

ووفقا للنص الذي استعان به والاس تقول المذكرة ان «الادارة الاميركية تريد ان تعرف خططك فيما يتعلق بالحكومة الفلسطينية الجديدة»، وتضيف  «اخبرت الوزيرة رايس من قبل بانك ستتحرك في هذا الصدد بعد اسبوعين او اربعة من تاريخ اجتماعكما، ونعتقد بان الوقت قد حان لكي تتحرك للامام بسرعة وبتصميم».

وتستمر المذكرة «ينبغي ان تمنح «حماس» خيارا محددا مربوطا بتاريخ محدد... فإما ان يقبلوا بحكومة جديدة تلتزم بمبادئ الرباعية، او ان يرفضوا ذلك، وينبغي ان تكون نتائج قرار «حماس» واضحة: فاذا لم توافق «حماس» خلال الوقت المحدد ينبغي ان تبدي نيتك في اعلان حالة طوارئ وتشكيل حكومة طوارئ تلتزم بمبادئ الرباعية».
 
ويعلم كل من عباس ووالاس أن رد فعل «حماس» سيكون التمرد واراقة الدماء اذا ما تم اتباع هذه التعليمات، ولهذا السبب، كما تقول المذكرة، ان الولايات المتحدة ظلت تعمل منذ فترة على تقوية قوات امن فتح.

وكما جاء في المذكرة فان الادارة الاميركية وعدت السلطة الفلسطينية بالدعم المادي والسياسي اذا التزمت بتلك الخطوط، وتؤكد «اننا سنكون هناك لمساندتكم».
 
ايضا شجعت المذكرة عباس على «تقوية فريقه ليضم شخصيات موثوقا بها، وصاحبة وزن قوي لدى المجتمع الدولي»، وتريد الولايات المتحدة ان يتم تعيين دحلان من بينهم.

ويبدو على الورق بان القوات الموضوعة تحت تصرف فتح اقوى من قوات «حماس»، حيث يبلغ قوام قوات فتح 70 الف فرد، نصفهم على الاقل في غزة، وكانت «حماس» تتوقع بعد فوزها في الانتخابات ان تتولى قيادة تلك القوات، الا ان «فتح» ماطلت في ذلك، فلم يكن امام الحركة- التي لديها ستة آلاف فرد مسلح في لواء القسام- سوى ان تشكل قوات تنفيذية بما يتوافر لها من هذه القوات.

وفي حقيقة الامر فان «حماس» تتمتع بالعديد من الميزات، حيث ان معظم الجهاز الامني لفتح، اصابه الدمار الكبير جراء العدوان المستمر على تلك القوات من قبل الجيش الاسرائيلي خلال الانتفاضة الثانية، وتأثُر مقاتلي فتح بالحظر المالي المفروض من الخارج، في الوقت الذي لم يتأثر فيه مقاتلو «حماس» بالحصار، اذا وضعنا في الاعتبار أن المساعدة الايرانية لحماس بلغت العام الماضي 120 مليون دولار، واصبحت النتيجة واضحة وهي عدم قدرة فتح على السيطرة على شوارع غزة.
 
إنه رجلنا عام 2001 قال بوش انه نظر للرئيس الروسي السابق فلادمير بوتين في عينيه «واحس بروحه» ووجد انه «جدير بالثقة». ووفقا لافادات ثلاثة مسؤولين اميركيين ان بوش فعل الشيء نفسه مع دحلان عندما التقيا للمرة الاولى عام 2003، ويتذكر هؤلاء المسؤولون انهم سمعوا بوش يطلق على دحلان عبارة «انه رجلنا».

واندهش وزير الامن الداخلي الاسرائيلي، والرئيس السابق لجهاز امن الشين بيت افي ديتشر-اندهش عندما سمع كبار المسؤولين الاميركيين يطلقون هذا اللقب على دحلان. يقول ديتشر «قلت في نفسي ان رئيس الولايات المتحدة يطلق حكما غريبا هنا».

اللواء كيث دايتون الذي عينته الولايات المتحدة منسقا امنيا لها لدى الفلسطينيين في نوفمبر 2005، اجتمع مع دحلان في نوفمبر 2006 لعقد اول اجتماع، من بين سلسلة من الاجتماعات، استمرت في القدس ورام الله، واصطحب كلا الرجلين مساعديه، ويقول احد المسؤولين الذي كان يسجل ملاحظات خلال احد الاجتماعات، ان دايتون كان يدفع في اتجاه مسارين متداخلين، حيث يقول دايتون لدحلان «اننا في حاجة لاصلاح الجهاز الامني الفلسطيني»، الا «اننا نريد ان نبني قواتكم لكي تحلوا مكان حماس».
 
واتفق الرجلان على العمل على خطة امن فلسطينية، وتقضي الخطة بتبسيط هذا الكم المعقد من القوات الامنية الفلسطينية، على ان يتولى دحلان المسؤولية عند تعيينه في منصب مستشار الامن القومي الفلسطيني، الذي سيتم انشاؤه فيما بعد، وسيوفر الاميركيون الاسلحة والتدريب.

ويقول دايتون انه يريد ان يحل الامن الوقائي، الا ان دحلان رفض الفكرة، ورد على دايتون قائلا ان «المؤسسة الوحيدة التي تحمي فتح والسلطة الفلسطينية في غزة في الوقت الراهن، هي تلك المؤسسة التي تريدون ازالتها».

«إيران- كونترا 2» في نهاية 2006
وعد دايتون بدفعة مساعدات اولى بقيمة 86.4 مليون دولار، ووفقا لوثيقة اميركية نشرتها وكالة انباء «رويترز» في 5 يناير 2007 فقد تقرر ان يتم استخدام هذه الاموال «لتفكيك بنية الارهاب، واقامة حكم القانون والنظام، في الضفة الغربية وقطاع غزة».

ويقول دحلان «ان تلك الاموال لم تصل ابدا، فقد تمت الموافقة عليها في الانباء فقط، ولكننا لم نتسلم فلسا واحدا»، حيث ان الحكومة الاميركية كانت تخشى ان يتم استخدام تلك الاموال ضد اسرائيل.

ويقول دحلان «تحدثت الى رايس ودايتون في مناسبات عدة في هذا الشأن، ولاي واحد اعرفه في الادارة».

عادت الادارة مرة اخرى للكونغرس وتم تخفيض 59 مليون من المبلغ. وكان لدى الحكومة الاميركية، كما يقول احد المسؤولين، «برنامجان متوازيان»، احدهما علني، وهو ذلك الذي اخذته الحكومة للكونغرس، و«سري لا يتضمن فقط شراء الاسلحة، ولكن ايضا دفع رواتب افراد الامن».

ووفقا لافادات مسؤولين من الادارة الاميركية، طلبت رايس من بعض الحكومات العربية، دعم فتح من خلال توفير التدريب العسكري، وتقديم الاموال لشراء الاسلحة القتالية، وان يتم ارسال الاموال الى الحسابات التي يحتفظ بها عباس.

ويشبه هذا البرنامج لحد بعيد فضيحة ايران-كونترا والتي باع بعض افراد ادارة ريغان بموجبها اسلحة لايران واستخدموا العائد من تلك الصفقة لمساعدة ثوار الكونترا في نيكاراغوا.
 
بدأت شحنات الاسلحة تصل الى غزة اواخر ديسمبر 2006، حيث عبرت شاحنات مصرية عبر منفذ تسيطر عليه اسرائيل في غزة، ليتم تسليم المحتويات الى فتح.

خلال احدى رحلاتها للشرق الاوسط في يناير 2007 وجدت رايس انه من الصعب ايفاء شركائها العرب بوعدهم، ويقول احد المسؤولين «شعر العرب بان الولايات المتحدة غير جادة»،
 
ويضيف هذا المسؤول ان برنامج الدعم العربي لم يستقطب سوى 30 مليون دولار، ويقول دحلان ان المجموع الكلي لا يتجاوز 20 مليون دولار، وان العرب يطلقون الكثير من الوعود ولكنهم لا يدفعون.

الخطة «ب» في الاول من فبراير 2007 نقل دحلان حربه الذكية لمستوى جديد، عندما اجتاحت قواته الجامعة الاسلامية في غزة، احدى قلاع «حماس» الحصينة، واشعل النار في العديد من المباني، وانتقمت «حماس» في اليوم التالي بهجوم مكثف على مراكز الشرطة، ولعدة اسابيع بذل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله جهودا لجمع الفرقاء في مكة حيث استطاعوا فيما بعد تشكيل حكومة وحدة وطنية.
 
وبموجب حكومة الوحدة ظل هنية في موقعه رئيسا للوزراء، وفي الوقت نفسه تمكن اعضاء فتح من شغل العديد من المراكز المهمة في هذه الحكومة.

وعندما انتشرت الاخبار بان الحكومة السعودية ستدفع رواتب السلطة الفلسطينية، احتفل افراد «حماس» وفتح في الشوارع باطلاق الاعيرة النارية في الهواء، وللمرة الثانية فوجئت الحكومة الاميركية، وضاعفت الضغط على حلفائها من الفلسطينيين.

ووضعت وزارة الخارجية الاميركية خطة لاستبدال حكومة الوحدة الوطنية الوليدة، وهي ما عرفت بالخطة «ب». بحيث يستطيع عباس بنهاية عام 2007 بالوسائل الديمقراطية تشكيل حكومة سلطة فلسطينية تلتزم بمقررات الرباعية، وتدعو الخطة «ب» عباس لاسقاط الحكومة اذا رفضت «حماس» تغيير مفهومها في اسرائيل بحيث يدعو لانتخابات مبكرة او يفرض حكومة طوارئ.

اهداف ادارة بوش بالنسبة للخطة «ب» تم ايرادها بالتفصيل في وثيقة بعنوان «خطة عمل للرئاسة الفلسطينية»، وهذه الخطة تم تطويرها من قبل الادارة الاميركية، والاردن، والسلطة الفلسطينية.

وتقضي المسودات الاولى منها بدعم «فتح» من اجل ازاحة «حماس»، وذلك لكي يتمكن عباس من اتخاذ القرارات السياسية الاستراتيجية مثل تفكيك الوزارة وتأسيس وزارة طوارئ.

فشل مؤسسي
انتهى القتال في اقل من خمسة ايام، والذي بدا بالهجوم على مباني فتح الامنية في مدينة غزة وفي مدينة رفح، وحاولت فتح قصف منزل هنية لكنها فشلت في ذلك، وتمكن مقاتلو «حماس» من الانتقام من قوات فتح الذين مارسوا عليهم التعذيب سنوات طوالا،

ولقي على الاقل احد الضحايا مصرعه عندما تم رميه من مبنى مرتفع، وفي 16 يونيو استطاعت «حماس» الاستيلاء على جميع مباني فتح، اضافة لمقر عباس الرسمي في غزة، وتمت تسوية منزل دحلان ومكتبه بالارض، وهرب ما تبقى من قوات فتح ليلا على ظهر قارب صيد.
 
 حرب ذكية جداً
يقول دحلان «قمت بالكثير من الانشطة لاعطي حماس الانطباع باننا لا نزال اقوياء، ونتمتع بالقدرة على مواجهتم»، ويضيف «لكنني كنت اعلم في قرارة نفسي ان ذلك ليس صحيحا».
 
لم يكن يمارس وظيفة امنية رسمية في ذلك الوقت، لكنه ينتمي للبرلمان ويتمتع بولاء اعضاء فتح  في غزة.

لكنه استخدم موقعه وسلطته، ويقول دحلان انه اخبر عباس بان «غزة تحتاج فقط لقرار من حماس بالاستيلاء عليها» وللحيلولة دون ذلك، خاض دحلان حربا ذكية لعدة اشهر.

وكان من ضمن مخططه هو خطف وتعذيب اعضاء قوة «حماس» التنفيذية (ينكر دحلان ان فتح استخدمت هذه التكتيكات، لكنه اقر بان اخطاءً قد ارتكبت).
 
استمرت الحرب القذرة بين الحركتين خلال فصل الخريف، ومارس كل جانب فظائع مهولة ضد الجانب الآخر. وفي نهاية 2006 كان العشرات يموتون كل شهر، بعض الضحايا لا ينتمون للفرق المتناحرة، وفي ديسمبر من العام نفسه فتح مسلحون النار على سيارة مسؤول استخباراتي من فتح، وقتلوا ثلاثة من ابنائه وسائقهم.

ولم يكن هناك اي اشارة بان عباس اصبح جاهزا لحل حكومة «حماس»،  ووسط هذه السُحب المكفهرة بدأت الولايات المتحدة محادثات امنية مباشرة مع دحلان.
تويتر