مَن يتذكر العراق؟!
لا تصل حافلة بكامل ركابها الى موقفها الأخير، ولا تهيئ عائلة طعاماً للعشاء، فهي لا تعلم من سيعيش من أفرادها حتى المساء!
لا يمكن لمعلم أن يكلف طلابه بواجب منزلي، ولا لعاشقة أن تعطي موعداً بعد ساعتين، ولا لنخلة أن تثق بمواسم البلح!
الموت واقف على الأرصفة كأعمدة الهاتف، فضولي كالسواح، نهم ونشط وله حشد من المعاونين والمساعدين والمتعهدين.
الذين يحضرون جنازة يحدقون في بعضهم بارتياب، أحدهم في الجنازة المقبلة سيكون القاتل وأحدهم سيكون القتيل!
لا يعد طفل أمه بأنه سيصبح حين يكبر ذا شأن عظيم، هو لا يثق بأن أحداً سيبقى، هو أو أمه أو أي شأن عظيم.
يذهب التلاميذ الى مدارسهم ومباشرة تصير الأمهات ثكالى الى حين انتهاء الدوام!
الموت أكثر توافراً من الناس، فيموت المواطن مرتين أو ثلاثاً، يموت نيابة عن أخيه المسافر، أو والده السجين، أو أمه التي نامت مبكراً في تلك الليلة ولم تحضر الانفجار!
يموت البعض من باب اختصار الوقت، أو لأن الطقس ملائم في ذلك النهار للعزاءات، أو لأنه لابد آخر الأمر أن يموت!
الموت الشعبي الناجم عن شيخوخة أو ذبحة صدرية لم يعد رائجاً، ومتعاطو هذا النوع صاروا قلة، ولا يحظون عموماً بأي التفاتة أو اهتمام!
وكذلك الموت المبرر بانتهاء الأجل لم يعد متداولاً، فمعدل الأعمار صار يُقاس بـ 24 أو 72 ساعة على الأكثر!
لم يعد هناك صراع ثقافي أو فجوة تقنية بين الأجيال؛ فالأجيال لا تعمر أكثر من شهر، وأبناء العشرينات صاروا كهولاً، والحياة إجمالاً صارت زيارة عابرة يقوم بها الناس في طريقهم الى المقبرة!!
الحياة لم تعد بدورها مغنماً، إذ يتوزع دمك بين أهلك وقبائل الاحتلال..
نفتقد عراقنا، ونبكي مُلكاً مضاعاً.. ونخلاً كان يطاول قامات الرجال.
وها هي الخريطة العربية صارت أخف وزناً إذ سقطت منها عاصمتان، وتخلخلت الأرض تحت أكثرها.
|
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news