«عطلة المقيمين».. يوم واحد مــــــــــمتع


خلال الأعوام الماضية صار السفر الى الامارات حلماً وهدفاً يراود معظم الشباب العربي؛ لما تؤمنه من فرص عمل وإمكانات تسمح لهم بشق طريق المستقبل بكل قوة وحزم وتصميم، وليلبوا نداء العمران والتطور والتكنولوجيا في بلد أمست فيه الأبراج الشاهقة أمراً عادياً في حين تسير احوالهم في بلدانهم نحو الفقر والاكتظاظ والغلاء المضطرد في تكاليف المعيشة، وفي سبيل المال والبحبوحة والاستقرار يتنازل الطامحون عن العيش وسط ذويهم ليأتوا الى سباق الفرص والبحث عن مكان هنا، في محاولة لكتابة أول سطور النجاح في كتاب الحياة.
 
وبعد أن ينال الموافقة على طلب التوظيف ويتلقى «الفيزا»، يهرع الموظف أو العامل الجديد الى المطار كأنما هو باب الجنة، وقبل ان تمرّ أشهر يستشعر وطأة الغربة والابتعاد عن العائلة والابناء والأصدقاء، فما ان تطأ قدماه الأرض الجديدة حتى يصاب بالحنين والشوق والألم، إلا أن الغاية تستحق العناء، وعلى الرغم من العذاب النفسي، غالباً ما يعتاد الوافدون على نمط الحياة الذي اختاروه ويتأقلمون، ولو بنسب متفاوتة.

صعوبة التأقلم

«جئت إلى دبي منذ ثلاثة أعوام بغية العمل وتأمين لقمة عيش عائلتي في بيروت بعد أن تدهورت الأوضاع الاقتصادية هناك، لكن على الرغم من نجاحي وتقدمي في عملي كمصممة أزياء في أحد دور الأزياء المعروفة في دبي، أعاني من مشكلة الوحدة والفراغ خصوصاً في عطلة نهاية الأسبوع حيث أمضيها بمفردي في المنزل».
 
وتضيف جانيت، الشابة اللبنانية التي تبلغ من العمر 24 عاماً، أنها لا تزال تجد صعوبة في التأقلم مع الجو وإقامة علاقات اجتماعية مع الآخرين وبالتالي الخروج في عطلة نهاية الأسبوع والاستمتاع بوقتها بعد ستة أيام من العمل المتعب والطويل، مشيرةً إلى أنها عادةً ما تعود يوم الخميس إلى بيتها مرهقة لتنام بعد ان تشاهد أحد الافلام وتتناول العشاء وحدها. ونهار الجمعة تستيقظ جانيت في منتصف النهار، مستغلةً إمكانية النوم لوقت متأخر خصوصاً أنها تعمل يومياً من 10 صباحاً حتى التاسعة مساء، وبعد الفطور المتأخر تقوم بواجباتها المنزلية من غسيل وكيّ وتنظيف وطهي، أما في ما تبقى من النهار «القصير» فتقصد المركز التجاري القريب من منزلها.

غير انها تفتقد حياتها الاجتماعية في لبنان، حينما كانت تعيش مع اهلها ووسط أصدقاء الطفولة والجامعة، وتقول: «أتذكر اللحظات الجميلة وأتمنى عيشها مجدداً، لكني أعوض الحرمان بأن اقصد بيروت في الإجازات».  في المقابل، يؤكد السوري ماهر، 25 عاماً، أنه يجد سهولة كبيرة في تكوين صداقات متعددة كونه إنساناً اجتماعياً، لذلك تكثر «مشاويره» غير أنه يواجه مشكلة مزعجة، يقول ماهر: «أعمل في أحد المحال الكبرى حيث أضطر للعمل في عطلة نهاية الأسبوع، كما أن الوقوف مدة ثماني ساعات في اليوم يمنعني من الاستمتاع بوقتي مع الأصدقاء، يومي الخميس والجمعة».
 
وعلى الرغم من ذلك، يقاوم ماهر التعب في بعض الأحيان ويذهب مع أصدقائه مساء الخميس لتناول العشاء و«الشيشة» شرط عدم التأخر كثيراً في العودة إلى المنزل، معتبراً ان كسب قوته وتأمين مستقبله أهم من اللهو والمرح، مفضلاً المضي قدماً في مشوار الألف ميل «الصعب» الذي بدأه منذ نحو عام وأربعة أشهر لمساعدة ذويه في سورية عوضاً عن السعي وراء المرح والتسلية، «لانو ما بتطعمي خبز»، على حد تعبيره.

للعمل فقط!
 
محمد، شاب أردني يبلغ من العمر 26 عاماً، أتى إلى دبي عام 2005 بعد أن أنهى دراسته الجامعية، حيث أمن لنفسه عملاً يضمن له الاستقرار المعنوي والمادي لتكوين مستقبل واعد ومثمر، لذلك لا يهتم بإنشاء صداقات وعلاقات جديدة لأن الهدف من قدومه إلى دبي هو العمل والتقدم المهني والمادي وليس اللهو والمرح، بالإضافة إلى انه مرتبط بفتاة تنتظره في عمان.
 
يقول محمد: «أعمل في شركة محركات عالمية، ومركزي ممتاز كما أن أجري الشهري مرتفع، لكني لا أخرج كثيراً واكتفي بالذهاب إلى العمل صباحاً والعودة إلى البيت مساء، حيث أقضي معظم الوقت في مشاهدة التلفزيون أو لعب الورق مع رفاقي في السكن». أما في نهاية عطلة الاسبوع فقد اعتاد الذهاب إلى بركة السباحة القريبة من منزله ليمارس هوايته المفضلة ويذهب بعدها للعب «البولينغ» برفقة أصدقائه الأردنيين أو الذهاب إلى «المول» وتناول الطعام، ثم العودة إلى البيت عند منتصف الليل وتحضير نفسه لأسبوع عمل جديد مليء بالأشغال والمتاعب والنجاحات على حد سواء. 

وآخرون للاستمتاع أيضاً!
 
أما زميله في السكن، السوري سعيد، فلا يكتفي بالذهاب إلى العمل خلال الأسبوع والسهر في العطلة، ويقول: «أعود إلى المنزل بعد أن أنهي عملي في المساء وأستعد للخروج برفقة رفاقي». تبدأ سهرة سعيد اليومية عند 10،  وعن الأسباب التي تدفعه للسهر يومياً، فيقول إنه لا يحب الجلوس في البيت حيث الضجر والسأم ولرغبته في الاستمتاع بحياته وعدم تضييع فرص المتعة والمرح سواء أكانت في الأيام العادية أو نهاية الأسبوع؛ لأنه لا وقت محدداً للفرح او السعادة والمرح خصوصاً لاعتقاده بأن الحياة قصيرة يجب استغلالها بشكل مباشر، وبغية التغيير والتجديد، قد يذهب سعيد و«الشلة» في نهاية الأسبوع إلى إمارة الفجيرة أو أم القيوين لتمضية وقت جميل على شاطئ البحر.
 
ويشاطره الرأي صديقه مجدي الذي ما يلبث أن ينهي عمله عند منتصف الليل حتى يذهب إلى السهر حتى ساعات الصباح الأولى. ويقول مجدي إنه يعي المأزق الذي يتخبط فيه، مؤكداً رغبته في الابتعاد عن السهر «المزمن» والاكتفاء بالخروج خلال عطلة نهاية  الأسبوع فقط، للمحافظة على عمله.

حقوق وواجبات

وفي سياق آخر، يشير سيرج، لبناني يبلغ من العمر 31 عاماً ومتزوج ولديه طفلان، إلى أن عمله كمدير تنفيذي، لا يفسح له المجال كي يستمتع بأوقات الفراغ، ويقول «لا أملك الوقت الكافي للاهتمام بنفسي حيث أفضل تأمين حاجات ومتطلبات عائلتي التي أوليها اهمية كبرى، لاني لا أكاد أجلس على الكنبة في منزلي بعد عناء نهار طويل حتى أغط في نوم عميق، لا أستيقظ منه إلا على صوت زوجتي العذب، في حين أني اكتفي بالاتصال بأصدقائي للاطمئنان عليهم فيما أقابلهم من وقت لآخر».
 
وعلى الرغم من أشغاله وأعماله يخصص سيرج ليلة الخميس للخروج مع زوجته حيث يذهبان للعشاء أو الرقص، فيما يكرس يوم الجمعة للعائلة حيث يصطحب زوجته وطفليه لتمضية النهار في الخارج، وقد يتناولون الغذاء في أحد المطاعم ليقصدوا المركز التجاري بعدها ويشاهدوا فيلماً عائلياً أو يزوروا حديقة الحيوانات أو الملاهي، ويضيف أنهم يستمتعون كثيراً حين يمضون النهار في إحدى الحدائق حيث يحضرون الشواء ويلعب الطفلان بحرية وسعادة.

تدلّل نفسها

ورغم ان العمل في دبي يؤمن مستوى معيشياً مقبولاً لمعظم الوافدين إليها، وعلى مختلف جنسياتهم، غير أن الدخل الفردي يقرر تحركات الشباب بشكل أو بآخر؛ تشير نسرين البالغة من العمر 23 عاماً، إلى أنها تتقاضى نحو 10 آلاف درهم، غير أنها بالكاد تكفيها حيث انها تبعث لذويها في لبنان مبلغاً كبيراً، في حين تؤمن بالباقي سكنها ومعيشتها وحاجاتها اليومية.

وفي الوقت نفسه، لا تحرم نسرين نفسها من أي شيء بل تدلل نفسها «وعلى قد بساطها» وفي عطلة نهاية الأسبوع، قائلة: «أخرج مساء الخميس برفقة أصدقائي للعشاء والسهر في أحد المطاعم اللبنانية لأني أحن إلى كل ما يربطني ببلدي، فيما أذهب نهار الجمعة إلى «المول» وأشتري ما أحتاج»، وتضيف أنها تجد متعة كبيرة في الدخول إلى محال الملابس النسائية حيث تقيس وتشتري ما يعجبها، وتعتبر نسرين مسألة الذهاب إلى المول يوم الجمعة أمراً حتمياً.
 
وبالإضافة إلى ذلك تحب الذهاب إلى البحر في المساء للاستمتاع بالهدوء والراحة، بعيداً عن ضجة الناس وضوضاء المدينة التي لا تنام. ومن جانبه، يشير الهندي أحمد والذي يعمل سائقاً إلى أن دخله لا يسمح له بتبذير المال، لكنه غالباً ما يرتاد الحدائق العامة أو شاطئ البحر برفقة الأصدقاء ليقيموا حفلات الشواء والرقص. ويقول أحمد إن سبب مجيئه إلى دبي كان العمل وإرسال المال إلى أسرته في الهند، وعلى الرغم من أن دخله لا يتعدى 3000 درهم إلا أنه سعيد وقنوع ولا يطلب الكثير، بل ينتظر نهاية الأسبوع لرؤية أصدقائه لأنه يؤمن بأن الأوقات الجميلة تكمن في الصحبة الجميلة وليس في المكان الفخم أو الراقي.

عطلة الأسبوع

ويؤكد الهندي شاندار، العامل في إحدى دور السينما، أن صالات السينما تشهد زحمة غير طبيعية في عطلة نهاية الأسبوع حيث يتهافت الناس صغاراً وشباباً وكبار السن لمشاهدة الافلام التي تعرض طيلة النهار حيث إن الإدارة تكثف أوقات العرض التي تبدأ في فترة مبكرة من النهار لتصبح الصالات مليئة بالناس.

ويقول: «يضحكني منظر الناس عندما أشاهدهم من شرفة المراقبة، رؤوس ملونة منتشرة في كل مكان».  ويشدد زميله أشترا، الذي يبيع الفيشار والعصير، على الأمر نفسه حيث يشير إلى أنهم يصابون بالإرهاق الشديد نهاري الخميس والجمعة لكثرة الطلبات والمبيعات لأن مشاهدة السينما لا تحلو إلا مع الفيشار.
 
تويتر