سمة عبدربه: الترجمة إلى العربية تمر بفترة انتكاسة كبرى

ترى المترجمة السورية الشابة سمة عبدربه أن مجال الترجمة إلى العربية يمر بأسوأ مراحله التاريخية، مشيرة بكثير من التحسر إلى مكانة الترجمة في العصر العباسي وبشكل خاص في عهد الخليفة المأمون. وقالت سمة مترجمة الرواية الشهيرة «شيفرة دافنشي» الشهيرة لدان براون «إنها تعكف حالياً على ترجمة سيرة هيلاري كلينتون التي تقف ضد نشرها هيلاري ذاتها» .

مشوارها مع تعلم اللغات بدأ قبيل سن المدرسة إلى الدرجة التي أصبحت شديدة الإتقان للغة الفرنسية وهي في السادسة قبل أن تلتحق بمدرسة «الفرنسيسكان» التبشيرية، ليقودها ولعها بتعلم اللغات إلى الاعتماد على نفسها من أجل إتقان الإنجليزية، ثم الإسبانية التي استكملت دراستها بإسبانيا، فيما لجأت إلى استثمار إقامتها بمدينة جدة بالمملكة العربية السعودية لتعلم الإيطالية من خلال دورات خاصة في النادي الإيطالي هناك.

ورغم إتقان سمة الترجمة من تلك اللغات الأربع ومعرفتها لعدد كبير من اللغات المعاصرة الأخرى والقديمة وانخراطها في أعمال الترجمة بهيئة الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، إلا أن مفترق الطرق الحياتي والمهني لم تصل إليه إلا بعد ترجمتها لرواية «شيفرة دافنشي» المثيرة للجدل،

إذ تقول: «كنت استشعر مقدار ردة الفعل بنوعيها الإيجابية والسلبية التي قد تصادفني بعد نشر الرواية، نظراً لقرارات المنع التي قوبلت بها في عدد من الدول الأوروبية والعربية، وهو ما حفزني على قبول عرض ترجمتها من وكالة «الدار العربية للنشر ببيروت»، وكنت مخيّرة بين عملين هما «11/9 فهرنهايت»، و«شيفرة دافنشي»، لكن هذه الاخيرة كانت الأكثر استثارة لفضولي كمترجمة». منع الرواية وأضافت سمة أن «قرار منع الرواية من التداول في بعض البلدان كان فعلياً أكبر محرض على فعل القراءة»، رابطة بين هذا الموقف و«خطيئة آدم في محاولة أكل التفاحة»، مضيفة: «قرارات الوصاية والمنع في المعرفة دائماً مغرضة وغير صحية، لاسيما أن العقل البشري بفطرته متعطش لاكتساب المعرفة التي تصب في النهاية في بوتقة الترقي الحضاري للبشرية».

وحول تجربتها في ترجمة «شيفرة دافنشي» قالت سمة: «كانت هناك رغبة ملحة من قبل دار النشر بسرعة إنجاز الترجمة التي تزامنت مع آخر فترات حملي الأول، و على مدار نحو ثلاثة أشهر، كنت أقوم يومياً بترجمة أجزاء متقطعة من الرواية وأرسلها مباشرة إلى الناشر، لذلك اعتبر الترجمة العربية لتلك الرواية بمثابة مولودي الأول في مجال الترجمة، لاسيما أنها أخذت حيزاً كبيراً من انشغال فترة حملي، فيما شغلت نحو شهرين بعد تلك الولادة في مرحلة المخاض الفكري لـ«شيفرة دافنشي».

وأشارت سمة إلى أنها تعتبر نفسها إلى الآن لم تقم بقراءة الرواية، نظراً لكون قراءتها السابقة كانت تتم بصورة مجتزئة لأغراض الترجمة بعيداً عن متعة القراءة لرواية ما، مضيفة: «هناك توجه لدى دار النشر ذاتها بترجمة الجزء الثاني من الرواية من المتوقع أن أقوم بذلك أيضا».

واعتذرت سمة للقارئ العربي من كم الأخطاء اللغوية والإملائية في الرواية بسبب العجلة الشديدة التي صاحبت عملية النشر، مضيفة: «تأخذ مني الصفحة الواحدة من الرواية نحو الساعة الكاملة في عملية الترجمة، لأنني أفضل ألا أعود لقراءة ما انتهيت من ترجمته، لكن رغم ذلك لا مفر من وجود أخطاء إملائية ولغوية جرى العرف أن يقوم مدققون بتنقيحها».

وأشارت مترجمة «الشيفرة»إلى أن من هاجموا كاتب «الشيفرة» لم يلتفتوا لما أكده الكاتب في مقدمة الكتاب وهو أنه كاتب روائي يعتمد على حقائق ثابتة، كما يلجأ إلى أحداث متخيلة يجب أن يتم التعامل معها على أنها كذلك، وفي إطار أن الكتابة الأدبية يجوز لها ما لا يجوز لغيرها»، وأضافت سمة أن إشكالية «الشيفرة» تكمن في أنها مست جانباً لا يتسامح الناس عادة في المساس به، وهو الدين، لذلك تم الترويج لتهم عدة ضد بروان منها، أنه سرق عددا من أفكار كتاب آخرين فضلاً عن اتهامه بالزندقة وازدراء الأديان،

موضحة «بالنسبة لي ساعدتني معلوماتي عن الدين المسيحي من خلال دراستي في مدرسة تبشيرية، وقراءتي للإنجيل، وكون جميع صديقاتي تقريباً مسيحيات، في فهم الكثير من إشارات الرواية، وفي الوقت ذاته أثارت الرواية لدي وأنا المرأة المسلمة المحجبة هواجس كثيرة خصوصا، أن ثمة تحول جذري حدث لي أخيرا قادني من العلمانية إلى ارتداء الحجاب». واعتبرت المترجمة السورية الشابة أن تحويل «شيفرة دافنشي» الى فيلم سينمائي قد أضر كثيراً بمحتوى الرواية الأدبي، مشيرة «لدي اعتراض دائم على مثل هذا النمط الذي يسعى إلى استثمار نجاح نص أدبي في دور العرض السينمائية. فالعمل تم إنجازه تحت جنس معين وهو الرواية الأدبية، وتقديمه في إطار أي قالب آخر سيكون بمثابة لي عنق النص الأدبي الذي سيفقد كثيراً من جمالياته، وهو ما حدث بالفعل في هذا الفيلم المليء بالتجاوزات والتحريفات للنص الأصلي».

سيرة هيلاري وأشارت سمة إلى أنها تعكف حالياً على ترجمة السيرة الذاتية لهيلاري كلينتون التي تم نشرها في أميركا رغماً عن إرادتها بخلاف السيرة الذاتية الرسمية المجَمَّلة التي كتبتها هي عن نفسها، مؤكدة أن «الإشكاليات المحيطة بهذا الكتاب أيضاً الذي تجتهد لحجبه هيلاري، هو ما دفعها للشروع في ترجمته أيضا».

وحول إشكاليات الترجمة العربية من وجهة نظرها التي أدت إلى تذيل الثقافة العربية لقائمة الأمم الأكثر ترجمة من اللغات الأخرى قالت: «يكفي أن نشير إلى ظاهرة غياب التقدير المعنوي والمادي في وطننا العربي حاليا للمترجم رغم المكانة المرموقة التي كان يحتلها في العصر العباسي مثلاً وبصفة خاصة في عهد الخليفة المأمون الذي قرب إليه المترجمين فازدهرت الحياة الثقافية والأدبية والعلمية العربية، وبينما يقدر الغرب حركة الترجمة والمترجمين رغم كونهم الأكثر تقدماً حالياً نجد المترجم العربي لا يلقى تقديراً يذكر من الجهات التي يفترض أن تكون حاضنة وراعية لجهوده، بدليل أن أجر المترجم العربي لا يتعدى 20% من أجر نظيره الأوروبي، لذلك فالمترجم العربي يمر بأسوأ مراحله التاريخية».

واعتبرت سمة أن «تعدد اللهجات العربية يقف حجر عثرة في طريق ازدهار حركة ترجمة عربية قوية»، مشيرة إلى أن «اعتماد عدد كبير من الكتب المترجمة إلى العربية على اللهجات المحلية يعيق تداول تلك الكتب على نطاق عربي أوسع»، معتبرة أن جمعيات واتحادات المترجمـــين في معظم البلدان العربية إما لا وجودلها من الاساس أو موجودة على استحياء ومن دون أي فعالية تذكر، معتبرة أيضاً «أن الـــتعامل مع فعل القراءة ذاته هو أحد عوامل الرفاهية وليس ضرورة حياتية من أجل دوام التواصل الجيد مع العالم المحكوم بالتطور السريع، وقلة عدد القراء يشكل عقبة كبرى في طريق ازدهار حركة الترجمة اعتبرت المترجم العربي يمر بأسوأ مراحله التاريخية سمة عبدربه: ترجمتُ «شيفرة دافنشي» وأنا حامل مبادرات رسمية في ما يتعلق بدور معارض الكتب الدولية العربية في تنشيط حركة الترجمة

رأت سمة أن «معظم ما يباع بالفعل في تلك المعارض (الدولية) ينحصر في كتب الحظ والأبراج والطبخ وتعلم الإنجليزية من دون معلم، وبعض الكتب التي تمنح القارئ مدخلاً بسيطاً لعالم الكمبيوتر كما تسمي نفسها»، مشيرة إلى أن «حركة الترجمة إلى العربية بحاجة إلى مبادرات رسمية كبيرة كي تسترد بعض ما كانت عليه في عهد المأمون تضع في حسبانها أيضاً تثقيف الجمهور بأهمية العودة إلى القراءة».

تويتر