دبي تحتضن «الكلمة»

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
دبي تساير التطورات الثقافية العالمية. تصوير: ساتيش كومار                                                
 يعكس افتتاح صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي لمعرض «فن الكلمة» الذي يستضيف أعمالاً فنية لنخبة من التشكيليين المعاصريين في منطقة الشرق الأوسط، إصرار دبي على مسايرة النهضة الثقافية لمثيلتها الاقتصادية والعمرانية، خصوصا أن هذا المعرض يقدم تجارب على درجة من الخصوصية الابداعية  التي نهل منتجوها من معين جماليات الحرف العربي فأنجزوا أعمالاً أصبحت تمثل جانباً مهماً في مقتنيات المتحف البريطاني الذي تعود له معظم موجودات المعرض الذي تشارك في تنظيمه «دبي القابضة»،
 ويستمر لغاية 30 إبريل في مركز دبي المالي العالمي.

  الافتتاح الذي حضره أيضاً سمو الشيخ مكتوم بن محمد بن راشد آل مكتوم نائب حاكم دبي، ووزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء محمد القرقاوي، ووزيرة الاقتصاد الشيخة لبنى القاسمي، ووزير الثقافة والشباب وتنمية المجتمع عبدالرحمن العويس، كان تظاهرة ثقافية عكست رغبة رسمية في النهوض بالحياة الثقافية في الامارت، وبدا واضحا الاهتمام الإعلامي بهذه التظاهرة الثقافية التي جذبت عشرات الإعلاميين من مراسلي القنوات الفضائية المحلية والعربية والعالمية.
 
وفيما خصص يوم أول من أمس، للافتتاح الرسمي، كان يوم أمس مقتصراً على استقبال الوفود الإعلامية ولقائها بالفنانين المشاركين في المعرض، وتم تقسيم موجودات المعرض إلى أربع مجموعات رئيسية، حسب المحتوى الإبداعي الذي تم فيه توظيف الحرف العربي وهي «نص مقدس»، و«أدب وفن»، و«إعادة تشكيل الكلمة»، و«التاريخ والسياسة والهوية»، حيث يندرج تحت كل قسم عدد من الإبداعات التي يجمعها استعانة الفنانين الذين أنجزوها بجماليات الحرف العربي على اختلاف تجاربهم ومذاهبهم الفنية.

الفنان الإماراتي عبدالقادر الريس الفائز بجائز الإمارات التقديرية في دورتها الأولى في فئة التصوير والرسم شارك بعمل واحد ضمن فئة «إعادة تشكيل الكلمة»، وهي لوحة «حرف الواو» التي تأتي ضمن 50 لوحة تشكيلية أنجزها فقط في هذا الحرف وفق أشكال وقياسات متباينة، وجاءت لوحة الريس عبر ألوان مائية موشحة بظلال رقيقة من اللون الأحمر التي تمثل أشكالاً هندسية مربعة تجسد منازل دبي القديمة، بينما جاء حرف الواو مكرراً على نحو تراتبي في اللوحة. 

وعن العلاقة بين التشكيل والكلمة  قال الريس لـ «الإمارات اليوم»: هناك علاقة وطيدة بين الاثنين أولها أن إحدى حقائق الفن الثابتـة أنه يجمل الأشياء دون أن ينقلها كما هي تماماً، وكذلك هو طبيعة الاستخدام الفعلي للكلمة»، مشيراً إلى أن «حرف الواو» شهد أولى تجاربه في الاستفادة من جماليات الحرف العربي التي بدأها في فترة التسعينات التي كان مشغولاً فيها بإنجاز أعمال كلاسيكية وانطباعية، قبل أن ينتقل إلى التجريدية الغربية ولكن بهوية عربية إسلامية من خلال التركيز على إعادة توظيف الحرف العربي في المجال البصري». 

في هذا الإطار برر الريس اهتمامه بشكل خاص بمعالجة جماليات الأبواب في الكثير من أعماله قبل أن يدخل الحرف منافساً لهواجسه الإبداعية بتأكيده على انحيازه الفني «لتلك الأشياء التي نمر ونقف  امامها دون ان تسترعي اهتمامنا رغم القيمة الجمالية التي تزخر بها أحيانا» . 

وجوه من القاهرة وعلى خلاف معظم موجودات المعرض التشكيلية تقف صورة فوتوغرافية بعنوان «وجوه من القاهرة» لجموع من المارة في أحد شوارع القاهرة الفسيحة، منفردة بينما سوغ اشتراكها اعتماد ملتقطتها الفنانة صباح نعيم بعدد هائل من الجرائد التي استخدمتها كقاعدة متينة على نحو فني بديع للصورة التي تنضح بإمارات التلقائية والعفوية في وجوه أشخاص متقاربين جسدياً، دون أن يلتفت أحد منهم للآخر، وهو ما فسرته نعيم بقولها: «هي محاولة لعكس الفجوة الكبيرة بين عالمين متباينين من جهة وهو عالم الاهتمامات العالمية السياسية والاقتصادية، وعالم آخر داخلي يبحث فيه المواطن العادي أينما كان موقعه في هذا العالم الكبير عن قوت يومه وأحلامه اليومية الصغيرة دون أن يبصر كل شخص بوجود أشباه كثيرين له متجاورين معه لدرجة التلاصق ربما».

  وتضيف صباح التي تعمل محاضرة في كلية الفنون التشكيلية بجامعة القاهرة: «في الغالب قد أصور مئات الصور لأصل الى صورة وحيدة تحمل قيمة فنية متميزة، وهذا لا يكون إلا في الصور التلقائية التي ألتقطها في خضم إبحاري اليومي مع الملايين غيري في رحلة كسب القوت اليومية بكل ما تنضح به من تجارب حياتية ثرية».

  «أشعة سينية»  الفنان التشكيلي السعودي أحمد مطر الزياد شارك بعمل بعنوان «اشعة سينية» وفيه يرسم ما يشبه هيكلاً عظمياً لرجل تم تصويره بالأشعة السينية محيطاً إياه بعدد هائل من الرموز والحروف المتناثرة من كتب ومراجع طبية، وقال «إن هدفه من خلال هذه اللوحة «كشف حقيقة هوية الجنس البشري المأزوم من خلال الوصول إلى دواخله في ظل عالم خارجي سريع التغير والتبدل».
 
وحول مدى ثراء الكلمة وإمكانية تطويعها تشكيلياً قال الزياد: «التشكيل في الأساس سابق على الكلمة المكتوبة، فأصل الكتابة كان الرسم، قبل أن تتطور إلى حروف، لذلك فإن الاستعانة بجماليات الحروف ليس تجنياً على مجال خارج التشكيل بقدر ما هو استثمار لجانب مهم من مخزونه وطاقاته الجمالية».  أما الفنان المصري محمد عبلة فيشارك في عمل فني يحمل عنوان «كفى قتلا» ويقدم فيه صوراً لثلاثة جنود مصريين بلباسي الشتاء والصيف الرسميين في جهاز الشرطة المصري على خلفية صورة جورج واشنطن المأخوذة من ورقة عملة الدولار الأميركي النقدية، بينما امتلأت اللوحة بعبارات مناهضة للحرب مثل «كفى قتلا»، «الدم ارتفع سعره»، «الشعب في أزمة خانقة».
 
ويقول عبلة في هذا الإطار معلقاً على عمله: «هي محاولة لتجسيد المعاناة الخانقة من لغة الدمار والحروب وسفك الدماء البريئة التي سادت العالم، على خلفية من مظاهرات ابرياء لا يستطيعون أن يحركوا ساكنا». وتــبدو مشربية أنجزتها الفنانة سوزان حيفونة مستثمرة جماليات الفن الإسلام وبشكل خاص «الأرابسك»، متحدية متغيرات العولمة من خلال كلمة أنا التي صاغتها حيفونة على نحو بديع في موضع النافذة التي تحيل أيضاً إلى جدلية العلاقة بين الشرق والغرب أو من هم وراء المشربية بمن هم خارج إطارها في المحيط الخارجي . 

«زمن الموت» الفنان زكريا لمحاني يسعى إلى إثارة قضية جدلية بالنسبة للتشكيليين المسلمين عبر أحد أعماله التي تنتمي لمجموعة «زمن الموت» وهي لوحة «الجثة رقم 1»، تتعلق بمدى مشروعية تجسيد صور الأشخاص في الإسلام حيث يتساءل لمحاني قائلاً: «أقوم بكتابة تلقائية لا تنطوي على اية وظيفة لغوية لتصبح مجرد وصف بشري للوحة»، مضيفاً: «كيف يجعل بعض الفنانين اهتمامهم منصباً على الغلاف الجسدي للروح البشرية في غياب الشكل البشري».

  أما الفنان البحريني عباس يوسف فجمع في لوحته بين جماليات الحروف العربية وتصميمات الأرابسك، مستعيناً فقط باللونين الأصفر والأخضر، ومستفيداً في الوقت ذاته بخبرته في مجال تصميم النقوش القماشية ، بينما عمد الفنان السوري منير الشعراني في قسم «نصوص مقدسة» إلى استثمار واحدة من العبارات التي وردت في الإنجيل وهي «من ثمارهم تعرفونهم»، مستخدماً الجواش والحبر والورق المقوى.
 
وجذبت موسوعة شعرية في حافظ زجاجي خاص انتباه العديد من الفنانين والإعلاميين زُين غلافها ببعض أشعار لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم هي: ضيف يضيف الضيف والضيف ظامي يضيف على الضيفان ضافي عزومه كامل مكمل واكتمل في الختام واللي ما يملكها الكمال نلومه وجاءت بخط من إبداع الفنان عبدالقادر الريس.
تويتر