هجرات المواطنين

سامي الريامي


هناك مدرستان شهيرتان في عالم تخطيط المدن، المدرسة الأميركية التي تعتمد مبدأ تفريغ وسط المدينة للأعمال، وتخصيص الأطراف والضواحي للسكن. بينما تعتمد المدرسة البريطانية على مبدأ إحياء وسط المدينة ليلاً ونهاراً من خلال تخصيصه للأعمال والإقامة معا..

ومعظم المخططين والخبراء في هذا المجال يرون أن المدرسة البريطانية هي الناجحة
. في الإمارات بشكل عام ودبي على وجه التحديد ظهرت مدرسة جديدة، تحتاج فعلاً إلى خبراء ومخططين ليقيّموها، ويحددوا نتائجها، لأنها تحولت إلى ظاهرة، وإن لم أبالغ يمكنني وصفها بـ«الخطيرة»..

هذه الظاهرة هي «هجرة» المواطنين من منطقة وسط المدينة وتسليمها للأجانب وتحديداً للآسيويين، وانتقالهم الى أطراف بعيدة جداً
! وخلال العشرين سنة الماضية استطيع أن أرصد ثلاث هجرات تقريباً للمواطنين في منطقة ديرة مثلاً، وهي المنطقة التجارية وعصب الأعمال في دبي، الأولى بدأت برحيل المواطنين من مناطق مثل: المطينة، وبور سعيد، وميدان بني ياس، وهور العنز.. وغيرها الى مناطق مثل: الراشدية والطوار، ومدينة بدر، ثم كانت الهجرة الثانية من هذه المناطق أيضا الى مناطق أخرى جديدة مثل: المزهر والمحيصنة، والآن الانتقال إلى ند الحمر والورقاء والخوانيج! هذه الهجرات خلفت وراءها اندثار مناطق مهمة كانت تعج بالمواطنين، كما أنها مناطق مكتملة الخدمات، وتتمتع ببنية تحتية جيدة، ما يعني تكلفة إضافية ضخمة على الحكومة لإيصال الخدمات إلى المناطق الجديدة والبعيدة، ألا تحتاج المناطق إلى طرق، وصرف صحي؟.. ألا يحتاج المواطنون إلى حدائق وعيادات صحية، ومدارس ورياض أطفال، وأشياء أخرى كثيرة؟.. نعم يحتاجون لكل ذلك، والحكومة مضطرة لتوفيره.. ولكن السؤال الأهم: مَنْ ياتُرى المستفيد من الخدمات المكتملة والطرق والمدارس والعيادات التي اكتمل بناؤها في المناطق القديمة التي هجرها المواطنون؟! بالفعل مدرسة تخطيطية جديدة، فجميع مدن العالم تسعى لاستقرار و«تسكين» مواطنيها في مناطقهم، حتى لا تتكبد تكاليف إنشاء الخدمات لمرات عدة، لأنها بالفعل مكلفة، كما أنها تسعى قدر الإمكان للمحافظة على الأحياء الموجودة وتطويرها دون التفكير، وبسهولة تامة في إنشاء أحياء جديدة، والتوسع أفقياً بصورة سريعة للغاية تؤثر اقتصادياً واجتماعياً، وتغير النسق السكاني الموجود. في مؤتمر متخصص عُقد في بريطانيا، استعرض محافظ لندن خطته التي وصفها بـ«العصيبة» جداً، وهي كيفية استيعاب الأعداد المتزايدة من المواطنين والمقيمين في هذه المدينة العريقة دون الحاجة إلى التمدد أو التوسع أفقياً ولو لكيلومتر واحد! مواطنونا اليوم يعيشون في مناطق بعيدة عن وسط المدينة الحيوي والمهم، وأصبحت الحمرية وأبو هيل، والمطينة، والراس، وحتى الراشدية هي مجرد أسماء تحمل ذكرى طيبة في قلوبهم وعقولهم فقط، أما الوصول اليها فبحاجة إلى تخطيط مسبق، والتفرغ طيلة اليوم حتى ينتهي مشوار الذهاب والعودة إلى «لبلاد»، كما يحلوا لنا تسمية مناطقنا القديمة! وعندما نقول «قديمة» فنحن لا نقصد أكثر من 15 إلى 20 عاماً..
فكيف الحال بعد 50 عاماً أو أكثر؟
!


reyami@emaratalyoum.com
تويتر