لا يُعد إعاقة ذهنية.. ومصابون به يتقلّدون مناصب حيوية

الصرع.. مرض مزمن يُمكن التعايش معه

نوبة الصرع تبدو كصاعقة كهربائية تصيب المخ. د.ب.أ

تنتشر حول مرض الصرع حتى اليوم مفاهيم خاطئة تعتبر المصاب به معوقاً ذهنياً وفاقداً للأهلية. غير أن الصرع لا يعدو كونه مجرد مرض عضوي يُصيب الإنسان كأي مرض آخر، بل وفي كثير من الحالات لا يشكل الصرع عائقاً للمصاب به، سوى خلال النوبات التي تستغرق دقائق عدة، وفي ما عدا ذلك فهو يتمتع بصحة جيدة كأي شخص طبيعي. ومن خلال اتباع بعض التدابير يمكن لمريض الصرع السيطرة على النوبات، بل والتعايش مع مرضه بشكل طبيعي.

وعن تعريف مرض الصرع، أوضح توماس ماير رئيس الجمعية الألمانية لعلاج الصرع بمدينة بيليفيلد «يندرج مرض الصرع ضمن الأمراض التي تُصيب الجهاز العصبي المركزي، ولا يُمكن تصنيفه على أنه مرض منفصل، إنما هو مرض مصاحب لأمراض أخرى».

صواعق كهربائية

وأضاف ماير أن الإصابة بهذا المرض ترجع في الأساس إلى وجود اضطراب في وظيفة المخ، قائلاً «قد يُعزى ذلك إلى الإصابة باضطراب وراثي أو إلى وجود ورم بالمخ، أو إلى تعرض الجمجمة للإصابة نتيجة حادث مثلاً، أو إلى الإصابة بسكتة دماغية، ما قد يؤدي إلى الإصابة بنوبات الصرع». وعلى عكس كل ما يشاع عن مرض الصرع من أحكام مسبقة، أكدّ البروفيسور كريستيان إلغر من الجمعية الألمانية لطب الأعصاب أن مرض الصرع لا يُعد إعاقة ذهنية على الإطلاق، مؤكداً ذلك بقوله: «الكثير من مرضى الصرع يتقلدون مناصب حيوية للغاية».

واستدرك إلغر قائلاً «أما إذا كان السبب الذي يُعزى إليه الإصابة بنوبات الصرع أدى إلى إضعاف الأداء العام للمخ، يُمكن حينئذٍ أن تتأثر القدرة الذهنية لدى المريض إلى جانب إصابته بنوبات الصرع».

وكي يُمكن تشخيص حالة المريض على إنها إصابة بالصرع، أكدّ ماير ضرورة أن يتكرر حدوث النوبات لمرات عدة من تلقاء نفسها وتستغرق المدة الزمنية نفسها، ويقول ماير: «لكن يمكن أيضاً البدء في علاج المريض بعد إصابته بالنوبة الأولى، إذا لوحظ لديه ارتفاع خطر الإصابة ببوادر الصرع».

وأضاف الطبيب الألماني أنه يُمكن اللجوء لذلك لدى المرضى، الذين أُصيبوا بالنوبة الأولى بعد التعرض لارتجاج في المخ مصحوب بإصابات في المخ، وظهرت لديهم أعراض الإصابة بالصرع عند إجراء رسم المخ الكهربائي EEG. وتظهر نوبات الصرع في صورة صواعق كهربائية في المخ، حيث تقوم الخلايا العصبية بتفريغ شحناتها الكهربية بلا سبب واضح. وفي هذا السياق يقول ماير: «يُمكن أن تبدأ هذه العواصف الكهربية في منطقة صغيرة من المخ، لكن تنتشر بعد ذلك إلى المخ بأكمله».

فقدان الوعي

عن أشكال الإصابة بهذه النوبات، أوضح الطبيب الألماني أنها قد تظهر في صورة حالات فقدان وعي يغيب فيها المريض عن العالم لعدة ثوانٍ، وقد تظهر أيضاً في صورة اضطرابات أو في تغيرات سلوكية يُمكن ملاحظتها، تبدأ من الزمجرة بشكل مفاجئ وقد تصل إلى نوبات تشنج. ويلتقط هنا طبيب الأعصاب الألماني ألغر طرف الحديث موضحاً عواقب هذه النوبات، بقوله: «نظراً لأن جسد المريض يتصلب للغاية عند الإصابة بهذه النوبات ويكتسب قوة هائلة؛ لذا غالباً ما يرتعش المرضى بشكل شديد ويفقدون وعيهم ويسقطون على الأرض، الأمر الذي قد يؤدي أحياناً إلى إصابتهم بكسور في العظام». ويشعر الكثيرون بالفزع والرعب من مرضى الصرع بسبب هذا العرض على وجه الخصوص.

أما عن مدة هذه النوبات، أوضح ألغر «لا تزيد مدة الإصابة بنوبة الصرع على دقيقة ونصف على أقصى تقدير، لكن غالباً ما يحتاج المريض إلى نصف ساعة أو أكثر كي يستعيد وعيه وإدراكه بالكامل من جديد».

وأشار ماير إلى أن الإصابة بنوبة صرع واحدة لا تضر بالمخ، وأوصى الطبيب الألماني الأشخاص المحيطين بمريض الصرع بألا يقدموا له العلاج بشكل مباشر، إذا ما أُصيب بنوبة صرع واحدة، إنما ينبغي عليهم الانتظار حتى تنتهي النوبة لديه تماماً، موضحاً «ينبغي عليهم البقاء إلى جانب المريض في هذا الوقت، والتحدث معه وحمايته من الإصابة بأية جروح قد تنتج عن ارتعاشه أثناء النوبة».

وأضاف ماير «أما إذا استغرقت نوبات الصرع مدة تزيد على خمس دقائق، فيعد ذلك مؤشراً إلى احتمالية حدوث سلسلة من النوبات المتعاقبة. ونظراً لأن هذه الحالة قد تُعرض حياة المريض للخطر، لذا يجب استدعاء طبيب طوارئ على الفور».

طرق العلاج

أما عن العلاج، فقد أشار ألغر إلى أنه عادةً ما يتم استخدام الأدوية من أجل العلاج على المدى الطويل، موضحاً «ثبت لدى ما يقرب من ثلثي مرضى الصرع أن استخدام الأدوية يؤدي إلى القضاء على النوبات، ولكن لا يُمكن للدواء علاج الأسباب ذاتها، لذا ترتفع احتمالية الإصابة بالنوبات مرة ثانية بعد إيقاف العلاج، ولكن غالباً ما يحدث ذلك بعد مرور عام أو أكثر من إيقافه». أما إذا لم يُجدِ العلاج بالأدوية نفعاً حتى بعد العديد من المحاولات، أو إذا لم يتحمل المرضى الآثار الجانبية الناتجة عن العلاج، كالشعور بالإعياء مثلاً، فلابد حينئذٍ من البحث عن بدائل أخرى للعلاج.

وأشار طبيب الأعصاب الألماني ألغر إلى أن إجراء عملية جراحية يُمكن أن يُمثل بديلاً لتناول الأدوية، موضحاً «يُمكن للمرضى التمتع بحياة خالية من نوبات الصرع لسنوات طويلة بفضل هذه الجراحة، ولكن ينبغي تحديد سبب الإصابة بالصرع في البداية، ما يستلزم بالطبع تشخيصاً مفصلاً عن الحالة قبل الخضوع للجراحة؛ ومن ثمّ يُمكن ألا تتناسب الجراحة سوى مع بعض المرضى فحسب».

وصحيح أنه يُمكن علاج مرض الصرع، إلا أنه لا يُمكن التنبؤ بنوباته على الإطلاق، ما يتسبب في قلق المريض وأقاربه من أن يخرج إلى الشارع بمفرده. وللتغلب على هذه المشكلة، ينصح ألغر باستخدام المريض لبطاقة طوارئ، يصف فيها الطبيب المعالج حالة الصرع وخطوات علاجها في حالة الطوارئ. وعن فائدة هذه البطاقة، يقول الطبيب الألماني: «يشعر مرضى الصرع بمزيد من الأمان عند حمل هذه البطاقة، ما يُساعدهم على الوثوق في أنفسهم عند الخروج إلى الشارع بمفردهم».

تويتر