عشاق أكل اللحوم والتنزّه بالجبال

ساسكاتشوان.. غرب كندا المتــوحّش

صورة

يجد السيّاح من عشاق أكل اللحوم ضالتهم في مقاطعة ساسكاتشوان الكندية؛ إذ يأكل سكان هذه المقاطعة التي تزخر بالمروج هامبرغر ونقانق من لحوم ثور البيسون والأيل وغزال الموظ الضخم والدببة. ويسلخ سكان المقاطعة جلود هذه الحيوانات ليصنعوا منها أحذية الموكاسين الشهيرة، أو قفازات تقيهم البرودة القارسة. وبالنسبة للسياح الآخرين تعد ساسكاتشوان مقصداً مثالياً لمعايشة غرب كندا المتوحش عن كثب؛ حيث يمكنهم هنا ركوب الخيل وقوارب الكانو وقيادة الزلاجات التي تجرها الكلاب، ويتناولون طعاماً شهياً ومغذياً ويتعرفون الى أُناس ودودين، إن قابلوا بشراً من الأساس.

وتمتد مقاطعة ساسكاتشوان على مساحة كبيرة تبلغ على وجه الدقة 651 ألف كيلومتر مربع، ويبلغ عدد سكانها نحو مليون نسمة. ويعمل كثير من السكان بالزراعة؛ إذ تنتج ساسكاتشوان نحو 10٪ من محصول القمح على مستوى العالم. وبعض سكان المقاطعة رعاة بقر، ويطلق عليهم هنا اسم «رانجلر»، وهم يعملون في مجال العناية بالخيول والأبقار ومرافقة السياح.

وهناك شخص يدعى جون تنطبق عليه جميع الأوصاف المميزة لرعاة البقر؛ حيث يمتلك شاحنة عملاقة تصدر منها موسيقى الريف الصاخبة، ويرتدي نظارة شمسية ضخمة وحزاماً ذا إبزيم ضخم. وحينما أراد جون النزول من شاحنته، تحرك حركة خرقاء كادت أن تتسبب في سقوط جيتاره خلفه من الشاحنة، غير أن جون يتعامل بحذر وعناية، سواء مع الخيول أو السياح.

ثيران البيسون

يساعد جون إحدى السائحات على ركوب الحصان، ويقول لها: «هذا كوكو. إنه أليف، وبكل تأكيد ستنسجمان مع بعضكما بعضاً». ويصطحب جون السياح في رحلات على متن خيول لرؤية ثيران البيسون التي ترعى في المتنزه الوطني «برنس ألبرت» في قطعان كبيرة. ويضع جون عيناً على السياح، وعيناً أخرى على الطريق، وعندما يرى جون آثاراً حديثة لحوافر ثيران البيسون، وسط الطين، يصيح قائلا «انظروا، إنه طريق ثيران البيسون!».

ويواصل جون التقدم ثم يرفع يده للسياح كإشارة تدل على الوصول إلى مرج «Long Meadow». وحينئذ تصمت الأحاديث وينظر الجميع في لهفة من فوق الشجيرات، ولكنهم يصابون بخيبة أمل كبيرة؛ إذ لا توجد ثيران بيسون، فكل ما رأوه هو بضع غزلان تنظر إليهم في فضول وأيل على أطراف الغابة، وكذلك حيوان الظربان الأميركي وهو يمرق عبر المرج. وصحيح أن أغلبية السياح لم يروا طوال حياتهم كل هذا العدد من الحيوانات البرية مرة واحدة، إلا أنهم لم يشعروا بالسعادة، بسبب عدم رؤيتهم لثيران البيسون.

ويُجري السياح محاولة ثانية، ولكن هذه المرة على متن عربة تجرها الخيول وبرفقة مُربي الأبقار، غورد فاديلاند، الذي أحضر لهذا الغرض أباه روبن، والذي يعتبر أول فرد من أفراد أسرة فاديلاند ذات الأصول النرويجية يُولد في العالم الجديد. ويبتسم روبن البالغ من العمر 78 عاماً للسياح من عربة الخيول، ويقول لهم: «سيحالفكم الحظ اليوم»، ثم ينطلق بالعربة.

زلاجات

بعد السير لمدة ساعة ونصف وصل الفوج الصغير إلى المرج مجدداً، وواجه حظاً سيئاً للمرة الثانية، وبعد ذلك أخذ روبن يتجاذب أطراف الحديث مع السياح ببضع الكلمات الهولندية أو الألمانية أو النرويجية، كل على حسب لغته، ويطمئنهم قائلاً: «لم ينقضي اليوم بعد». وفي تلك الأثناء كان غورد قد واصل السير على صهوة حصانه، وعاد بعد وقت قصير راكضاً وأخذ يهتف: «ثيران البيسون!»، أأحينئذ أخذ السياح يتسللون عبر الشجيرات، وفجأة تبدو قطيع ثيران البيسون أمام أعينهم كبقعة سوداء في المرج، وبينما يأكل القطيع العشب على مقربة من بعضهم بعضا، يتفحص بعض الذكور المنطقة.

ويخاطب غورد السياح هامساً «توقفوا عن الحركة تماماً؛ فثيران البيسون تتمتع بحاسة سمع قوية جداً وحاسة شم أقوى، وإن كان إبصارها ضعيفاً للغاية». وترعى ثيران البيسون العملاقة ذات القفص الصدري النافر في هذا المرج لدقائق معدودة في هدوء وسلام. وفي النهاية اكتفى أحد الذكور بهذا القدر، ومن ثم بدأ القطيع يتحرك ببطء، ثم اختفى عن الأنظار بين الشجيرات في هدوء تام. ويقول غورد للسياح: «أظن أن القطيع يتكون من 50 فرداً، بينهم خمسة ذكور على أقصى تقدير».

تعد ثيران البيسون مثار فخر للمتنزه الوطني «برنس ألبرت». وإذا لم يكن ذلك كافياً لسياح ساسكاتشوان، فيمكنهم هنا أيضاً قيادة الزلاجات التي تجرها الكلاب. وفي الجهة الشرقية للمتنزه يقدم برادلي موير جولات متنوعة تمتد من ساعة إلى بضعة أيام، ويوفر برادلي للسياح جميع التجهيزات اللازمة لقيادة الزلاجات، بما في ذلك الجواكت المبطنة، ويقول برادلي: «يجلس السياح في الزلاجة، بينما يقف القائد في الخلف ويتولى القيادة، وبعدما يشاهد ذلك السياح لمدة ساعة، يتم التبديل، وحينئذ يتولى السائح القيادة بنفسه».

وفي حقيقة الأمر يعني هذا أن يتولى الكلب القائد عملية التوجيه، وهو يسير في أقصى الأمام جهة اليمين، وأحياناً يكون هناك كلبان قائدان، أو حتى أربعة كلاب قائدة، وما على السائح الذي يقود الزلاجة سوى أن يقول كلمة «بف!» - كلمة متعارف عليها عالمياً - بشكل قصير، وحينئذ يوجه الكلب الزلاجة جهة اليسار. وعند الرغبة في الاتجاه إلى اليمين يتعين على السائح أن يقول كلمة «امم!». وهذا هو كل شيء. وتحتوي الزلاجة على قليل من الألجمة وعجلات القيادة، وسوط واحد، لكنه لا يُستخدم.

هدوء

يعيش موريس ماكلاكلان حياة ذات إيقاع أكثر هدوءاً، وفي الماضي كان أبوه يجلب الثلج في الشتاء من البحيرة بواسطة المراكب ويبيعه في الصيف، ولكن بعدما عرفت المقاطعة التيار الكهربائي والثلاجات الكهربائية في السبعينات من القرن الماضي، غيرت الأسرة نشاطها التجاري وعملت في نقل حراس المتنزه، وأخيراً السياح.

ويقول موريس: «لقد استقل مركبي سياح من جميع أنحاء العالم». ويسعد موريس بأي سائح يأتي من بلد جديد لا تضمه باقة دول السياح الذين استقلوا مركبه، ويتابع موريس «على الرغم من أن معظم السياح يأتون من كندا، إلا أن هناك سياحاً يقطعون مسافة تزيد على 10 آلاف كيلومتر ليمتعوا نظرهم بجمال طبيعتنا الخلابة، لذا يجب أن نقابلهم بود وترحاب».

تويتر