منها ما يدعو إلى الخير ويشجب الشر والفساد

الأمثال الشعبية.. حكمة الأجداد الشفاهية

تطورت الأمثال وتم تناقلها عبر الأجيال وحافظ عليها الأجداد لأنها تعبر عن ضرورات الحياة بصورة عامة. تصوير: مصطفى قاسمي

المثل قصة حياة ترويها الأجيال، وحكاية حكمة الأجداد الصالحة لكل زمان ومكان وإن اختلفت اللهجات، إلا أن المعنى والمغزى من المثل الشعبي يبقى واحداً تردده الألسن، إذ لا يخلو هذا المثل من بلاغة التشبيه والإيجاز والاستعارات والكلام المسجع، للوصول إلى المقصود من دون قصور.

تمتاز الأمثال الشعبية بعموميتها بقدر ما تحتفظ بخصوصيتها في اللغة واللهجة وارتباطها بالبيئة، فالمثل مشترك بالهوى والحدث والوعظ، وطبيعة علاقة الناس وما تربطهم من مشاعر انسانية، إذ يعد ذلك المثل ناتجاً عن الثقافة الشعبية، فالمعنى والغاية يتفقان في كل أمثال العالم، وإن اختلفت كلماتها أو شخصياتها أو حتى طرق إلقائها ولهجات شعوبها، إلا أن المثل يبقى ابن بيئته ولغته وحدثه. واعتبر الباحث في التراث الشعبي والمهتم بالأمثال الشعبية، عبدالجليل السعد، أن «المثل الشعبي وقع في مأزق التنوع والتقارب ما بين الدول والمناطق والبيئات والتأثيرات الخارجية، إضافة إلى تنوع الثقافات في البلد الواحد، إذ إن المثل الواحد في البلد الواحد يقال بأكثر من طريقة ولهجة، تختلفان باختلاف الثقافات والصور والمفردات، ما يعد من دون شك دلالة صحية ولغوية على صحة المثل وامكانية انتشاره وتعدد مداه بين شرائح المجتمع الواحد». ولفت السعد إلى أن «المثل الشعبي استمد أهميته وعمقه التاريخي في لغة الشعوب من ظهوره في آيات القرآن الكريم {ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون}، إذ إن المثل الشعبي يعرف بأنه شكل من أصناف الفنون الشعبية، وهو أدب شعبي يعتمد على أعمال اللغة (اللفظيات)، لاسيما أن المثل يعد أحد أكثر الفنون الشعبية شيوعاً، إذ لا تخلو أي ثقافة أو مجتمع أو لغة من الأمثال».

ويوصف المثل الشعبي على أنه قول مأثور وعصارة حكمة الشعوب، وتجري تعرفته بأكثر من مصطلح، منها التسوية والمماثلة والشبه والنظير والحديث والصيغة، ويعد المثل جملة محكمة البناء بليغة العبارة وشائعة الاستعمال، غالباً ما تلخص قصة أو خبرة، ويحظى المثل بثقة الناس لأنه يهتدي في حل مشكلة قائمة بخبرة مكتسبة من حدث قديم، إذ يبقى المثل دليلاً وحجة في معنى وحكمة نتيجة لحكايات وقعت في الماضي.

شيوع المثل

أمثال شعبية قديمة

تدعو الأمثال الشعبية القديمة إلى فضائل وخصال حميدة وتشجب صفات سيئة وتشدد على تجنبها، ومن الأمثال التي تدعو إلى العمل الجاد والاجتهاد والابتعاد عن الكسل «اللي ما عنده عمل يكاري له جمل»، «واللي ما عنده حيلة يلعب التيلة»، ومن الأمثال ما يدعو إلى الكرم منها «إذا بغيت الجود دق أهله» و«الغنى غنى النفوس مب غنى الفلوس»، ولأن الصداقة شيء مقدس فلم تخل الأمثال منها «الصديق قبل الطريق» و«الصديج وقت الضيج»، ومن الأمثال التي تدعو إلى عدم مخالطة السفهاء وعديمي المروءة «السمكة الخايسة تخيس السمك كله»، ومن الأمثال التي تحث على الانتماء للمكان والبلد «من خان عن داره قل مقداره» و«من زرع في بلد غير بلده لا له ولا لولده»، كما تدعو بعض الأمثال إلى عدم تقليد الآخرين والالتزام بما لدى الشخص من قدرات «مب لكل من هب ودب» و«لو كل من يا ونير، ما تم في الوادي شير».

أكد السعد أن «المثل الشعبي اعتمد في بقائه وانتشاره في الماضي، على مجموعة من الخصائص، منها العلم به ومعانيه مسبقاً، وموافقة الجميع على معانيه وألفاظه، وسهولة وسرعة فهمه بين العامة وأصحاب الاختصاص، إضافة إلى أن المثل يتقارب في صيغته مع مجمل الأمثال». ولفت إلى أن «المثل الشعبي اندثر مثلما اندثرت بعض الآداب الشعبية والفنون، فعلى الرغم من أن المثل يعد أفضل الآداب التي يمكن للمرء التعبير بها أثناء الحديث وايصال المغزى المطلوب بسهولة، إلا أن المثل الشعبي لم يوظف في الدراسات الأكاديمية والمناهج الدراسية، لدرجة أنه زال من ثقافات الشعوب». وتابع أن «تكوين وصياغة وقانونية المثل الشعبي، تختلف عن مجموعة تعبيرات وجدت في اللغة وكانت متداولة في الماضي، منها التعبير المثلي، وهي عبارات قائمة بذاتها تثري الكلام وتوضحه، منها عبارة (الناس سواسية كأسنان المشط) فهو تعبير بسيط وعظي ويعتمد على المجاز، إلا انه يخلو من المثل لغةً ومفهوماً وقواعد، كما يوجد القول المأثور الذي يقرّ واقعاً معيناً ولا يحتوى على معانٍ ضمنية، إضافة إلى وجود (الحكمة) وهي تنبيهية واعلامية ووعظية، وهي تحديد لشرط سلوكي وقيمة اخلاقية تمتاز بطابع الإبداع الشخصي، كما توجد (الكناية) التي تستخدم للتعبير عن الشيء بلفظ غير صريح، فيقال (امصنجر شراعه) أي لف شراعه على خشبة الدستور، وهي دلالة على استعداده للسفر». ويعد المثل الشعبي مجهول المصدر او القائل، كونه من وإلى المجتمع، إذ إن المثل يأتي نتيجة حادث أو خرافة معينة، ويختلف عن المثل الفصيح والمعروف بمتانته من ناحية اللغة والتعابير، ويميز المثل الشعبي أنه أصيل، فهو عربي المنشأ وإن لم يكن المثل فصيحاً، إلا أنه مأخوذ من الدين الإسلامي أو التراث العربي المستخدم فيه الفصحى منها، مثل «خادم القوم سيدهم»، كما يتميز المثل بواقعيته النابعة من المجتمع العربي إضافة إلى بلاغته المعتمدة على إيجاز اللغة وتركيزها، فضلاً عن موسيقى اللغة العربية المستخدمة، التي لا تخلو من الرشاقة اللفظية والأجراس الموسيقية نتيجة السجع والجناس.

خصائص متنوعة

قال السعد إن «المثل الشعبي تحكمه خصائص منها أن معظم المثال الشعبية جواب لشرط أو سؤال مثل (اللي عمره ما تبخر، تبخر واحترق)، كما يمتاز المثل بكثرة الجناس والتعبير المجازي وجمالية الصياغة مثل (اللي في القدر يطلعه الملاس)، إضافة إلى أن المثل الشعبي يعبر دائماً عن موضوعات عامة ومشتركة، منها الكرم والنخوة والحكمة، مثل (الزبيبة ما تشبع لكن تطيب الخاطر)، وتميزت الأمثال الشعبية كذلك بطول العبارة وسهولة ووضوح التعبير مثل (كل الركاب ترعى وترتعي، إلا جمل حمدان بارك في الظلة)».

وعلى الرغم من كل مظاهر التشابه والتقارب، توجد أمثال شعبية تميز الدول والمناطق، منها أمثال مشهورة في الإمارات، مثل (اللي يطلب العالي يصبر على الراش) تقال للحث على المثابرة والقناعة والاكتفاء بالرزق المقدر والرضا بالنصيب، ومن الأمثال التي تنتقد الطمع والطماعين مثل (من بغاه كله خلاه كله) أو (من طمع طبع)، وهناك أمثال تنهى عن الحسد ومراقبة الناس (الحسود لا يسود) و(من طالع غيره قل خيره).

تويتر