إيزابيل كارو صدمت العالم بعد أن وصل وزنـــــــــــــــــــــــها إلى 25 كيلوغراماً

«الأنوريكسيا».. داء النحافة

فتاة الملصقات وعارضة الأزياء تحوّلت إلى شبح مفزع. أرشيفية

قصة مؤلمة تثير الحزن في النفس، إنها مأساة عارضة الأزياء والممثلة وفتاة الملصقات الناجحة الجميلة إيزابيل كارو، التي كانت تعشق الحياة وتحب الثروة والعالم، إلا أنها فارقت هذه الدنيا وهي في الـ28 من عمرها، ليس من سبب سوى مهنتها التي تتطلب منها أن تكون نحيلة أكثر من اللازم، ما أدى إلى إصابتها بمرض «الأنوريكسيا»، الذي يمكن تسميته داء النحافة، وهي حالة تصيب الشخص بهاجس النحافة، إلى الحد الذي يعمد فيه إلى تجويع نفسه أياماً، مخافة أن يزيد وزنه، وتنتشر هذه الحالة المرضية بين العارضات وبعض الممثلات، جراء النمط الغذائي الذي يتبعنه.

«الأنوريكسيا»

http://media.emaratalyoum.com/inline-images/363791.jpg

الاسم العلمي لـ«الأنوريكسيا»، هو «أنوريكسيا نيرفوسا»، الأشخاص المصابون به مهووسون دائما بمسألة وزن أجسادهم، وكمية الطعام التي يتناولونها، ويصيبهم الخوف والهلع من أن يصبحوا بدناء، وتتشكل لديهم صورة عقلية مشوهة عن أجسادهم، فكثيرا ما يعتقدون أنهم مصابون بزيادة الوزن، حتى في حالة إصابتهم بالهزال الشديد. السلوك العام وسط المصابين بـ«الأنوريكسيا» يتمثل في التقليل من تناولهم الطعام، وممارسة رياضة قاسية، وإدمان استخدام المسهلات التي تفقد الجسم وزنه. معظم المصابين بهذا المرض ليس لديهم تاريخ مرضي يتعلق بزيادة الوزن.

الأكثر عرضة للإصابة بـ«الأنوريكسيا» هم الشباب، إلا أنه من الممكن أن يصيب المرض أشخاصا من مختلف الأعمار، وتعتبر النساء الأكثر احتمالا للإصابة به مقارنة بالرجال، إذ إن 90 ٪ من المصابين من الإناث. ويصيب أربعة أشخـاص مـن بين كل 100 شخص، وينكر معظم المرضى أنهم يعانون أعراض هذا المرض، ويصاب الكثير منهم بالاكتئاب. وإذا كان أحد أفراد العائلة مصابا بهذا المرض في الماضي، فمن المحتمل أن يصاب به أحد أفراد الأسرة الشباب.

ومن أعراض المرض عدم الرغبة في الطعام، الذي من شأنه أن يحرم الجسم بروتينات أساسية، ويمنع عملية التمثيل الغذائي للدهون، التي تتحول إلى أحماض دهنية مهمة للجسم، ما يتسبب بالتالي في ضربات غير منتظمة للقلب، والتي من شأنها أن تؤدي إلى الذبحة الصدرية والوفاة، وترسبات في الكلى، وفشل كلوي، ووهن بسبب ضعف العضلات.

في سنواتها الأخيرة، وتحديدا في عام ،2007 أصبحت إيزابيل الوجه الإعلاني لحملة بعنوان «لا للأنوريكسيا»، التي تم تنظيمها خلال اسبوع ميلان للموضة عام ،2007 للتنوير بمخاطر الموضة على صحة العارضات. والتقط المصور الإيطالي أوليفيرو توسكاني صورا لإيزابيل تظهر الجسد النحيل العاري لهذه العارضة المثيرة للجدل، وشكلت هذه الصور صدمة للعالم والعاملين في مجال عرض الأزياء، فقد ظهرت عظام إيزابيل، وكانت فقرات ظهرها ظاهرة للعيان تحت جلدها، وبدت أسنانها بارزة بشكل بشع، وتم عرض الصورة العارية على لوحة كبيرة في المدينة. ويقول توسكاني إنه كان يرغب في تغطية وجهها لأن الجسد وحده كان من شأنه أن يفصح عما تهدف إليه الحملة. وكانت تزن في ذلك الوقت 68 رطلا فقط (31 كلغ)، وكتبت خلال تلك الحملة، قائلة «خبأت نفسي وغطيتها لفترة طويلة، والآن أريد أن أظهر نفسي دون خوف، على الرغم من أنني أعلم أن جسدي يثير الاستهجان». وأضافت «أريد أن أتعافى لأنني أحب الحياة والعالم، وأريد أن أعكس للشباب خطورة هذا المرض». وقالت «تتمثل الفكرة في توعية الفتيات بمخاطر التغذية المتعلقة بالموضة». ويقول توسكاني إن «ايزابيل كانت تريد أن تصبح عارضة وممثلة مميزة، لكنها حطمت نفسها ولم تكن سوى فتاة مصابة بـ(الأنوريكسيا)». وأوضح أن «عارضات الأزياء يرغبن في أن يكن أكثر نحولا، وأريد أن أبين للناس أن مثل هذا النحول لا شيء سوى أنه قبيح». ويقول توسكاني إنه «زار الكثير من المستشفيات في فرنسا وإيطاليا وألمانيا، للبحث عن العارضة المناسبة لكاميرته، واختار إيزابيل لأنها تعكس المميزات الجسمانية الكلاسيكية لحالة (الأنوريكسيا) المتقدمة، ولأن عينيها جاحظتان ومخيفتان».

نجمة «الأنوريكسيا»

أمضت إيزابيل بعضا من الوقت في المستشفى عام ،2006 بعد إصابتها بنوبات من الإغماء، ولم يكن أحد يعتقد أنها ستظل على قيد الحياة إلا أنها استطاعت الصمود. وتوفيت في 17 من نوفمبر العام الماضي، إلا أن تفاصيل وفاتها لم تظهر للعلن، إلا بداية هذا العام. قابل توسكاني العارضة ايزابيل لدى أحد متعهدي العارضات في باريس، والذي نصحها بالمغادرة، لأنها تبدو مريضة جسديا. ويقول إن ايزابيل اكتسبت شهرة اضافية، نظرا لإصابتها بـ«الأنوريكسيا»، وأسست موقعا على «الإنترنت»، للتحذير من مضار المرض وكيفية علاجه، إذ عرضت صورا لجسدها الهزيل تجسيداً لهذا المرض، وعلى الرغم من هزالها سافرت إلى جهات عدة في العالم، لإجراء مقابلات عن صراعها مع الطعام. وكان جدول أعمالها مكتظا حتى قبل وفاتها بقليل في باريس، والتي حدثت بسبب مشكلات تنفسية ناجمة عن «الأنوريكسيا». وحدثت وفاتها مباشرة إثر عودتها من اليابان بعد تصويرها فيلما تلفزيونيا هناك. ويقول توسكاني إن اجهزة الاعلام أطلقت عليها لقب نجمة «الأنوريكسيا». وترى صديقتها الفرنسية كيم واراني أن تلك الصور تجعل منها محطا للأنظار، وأنها صارت نجمة «الأنوريكسيا»، ومن الصعب أن تتخلى عن تلك الشهرة.

الحملة التي نظمها توسكاني لبيت الأزياء «نوليتا» أثارت غضب عدد من بيوت الأزياء العالمية، إذ أصدر جيورجيو ارماني بيانا جاء فيه «حتى الناس الذين ليس لهم علاقة بالموضة يصابون بهذا المرض»، وعلق دوليس آند غبانا أن «الموضة ليست لها علاقة بـ«الأنوريكسيا» على الإطلاق، لأنها مرض ناجم عن حالة نفسية»، ووصف اختصاصيو مشكلات التغذية الصور بأنها «ذات أثر سلبي»، قائلين إن مرضى «الأنوريكسيا» قد يشعرون بأنهم مضطرون إلى منافسة هزال إيزابيل، وفي نهاية الأمر منعت الحكومة الإيطالية عرض تلك الملصقات.

ضحايا

ليس من المدهش ألا تكون إيزابيل هي الضحية الوحيدة لصناعة الموضة، التي أصبح همها الأساسي الشكل الجسماني للعارضة، بغض النظر عن حالتها الصحية، وهو ما حدث للعارضة البرازيلية آنا كارولاينا ريستون، التي توفيت بالمرض نفسه في عام ،2007 وعندما بدأت هذه العارضة في تصوير أول عرض عالمي لها، حذرها اختصاصيو الموضة من أنها بدينة أكثر من اللازم، وبعد عامين من ذلك توفيت بسبب مضاعفات ناجمة عن «الأنوريكسيا». أيضا سقطت العارضة لويسل راموس ميتة، أثناء عرض في الأروغواي عام ،2006 وراجت بعض الأنباء عن أنها توفيت بسبب أزمة قلبية، إلا أن والدها أكد أنها كانت صائمة عن الطعام لأيام عدة. وبعد وفاتها راج الكثير من الشائعات، التي تقول إن راموس اتبعت نصيحة إحدى شركات الموضة، التي اخبرتها بأنها ستحقق نجاحا كبيرا إن «استطاعت ان تخسر قدرا كبيرا من وزنها». يبدو أن ايزابيل حملت عائلها نصيبا مما حدث لها، فقد تحدثت في مذكراتها، بعنوان «الطفلة الصغيرة التي لا تريد أن تصبح بدينة» علاقتها اللصيقة والمملوءة بالمشكلات مع والدتها الفنانة المصابة بالاكتئاب، التي حبست إيزابيل في المنزل عندما بلغ عمرها الرابعة، ومنعتها من الذهاب للمدرسة إلى أن بلغت سن الـ11 من عمرها، وحرمتها اللعب مع الأطفال، حتى لا تصاب بعدوى، وكثيرا ما تنتقدها كونها بدينة، وتقول «كانت تقيس طولي باستمرار، و لا تتركني أذهب خارج المنزل، لأنها تعتقد أن الهواء النقي من شأنه أن يجعل الأطفال ينمون بسرعة، وأنها تريدني أن أكون فتاتها الصغيرة وإلى الأبد». وتقول إيزابيل «كنت أرغب في الاحتفاظ بشكلي الطفولي، لكي أجعل والدتي سعيدة». ووصفت والدها بأنه كان «غائبا خلال طفولتها، ولم يأت أحد لإنقاذها من هذا الوضع الغريب، الذي أجبرتها والدتها على العيش فيه».

انتحار

في عام 2006 عندما تراجع وزنها، ليصل إلى 55 رطلا فقط (25 كغ)، تعرضت لإغماءة، وبعد شهور في العناية المكثفة، نصحها أحد الأطباء النفسيين بالابتعاد عن والديها، فسافرت إلى مارسيليا، وكتبت في مدونتها على «الإنترنت»، «مازلت عازفة عن الطعام تقريبا، لكنني توقفت عن التقيؤ»، وتضيف «بدأت أميز مذاق الأطعمة، وجربت الايس كريم، إنه حقا لذيذ». وكتب في مارس من العام نفسه أنها تشعر بالفخر، لازدياد وزنها.

بعد شهر من وفاة هذه العارضة، جاءت الأخبار تحمل نبأ انتحار والدتها ماري، بعد أن شعرت بأنها «ارتكبت ذنبا عظيما»، بعد وفاة ابنتها. ويقول والدها كرسيتيان كارو إنه ذهب لشراء خضراوات ولوازم البيت، وعندما عاد وجد زوجته منتحرة، ويقول «كانت شخصا حساسا، وشعرت بالذنب حيال ابنتها، أنها لم تعد تتحمل كل الاتهامات المثارة ضدها على (الإنترنت)، فقد قرأت تعليقا قاسيا، وقررت عدم قراءة المزيد منها، واللحاق بابنتها في الدار الآخرة».

في أيامها الأخيرة. تراجع وزن إيزابيل بشكل مخيف، وكانت خصل من شعرها وبعض أسنانها تسقط، وأصبحت مغطاة بالكدمات والجروح، بسبب سقوطها المتكرر على الأرض.

تويتر