يبدأ بمقولة «أنا هادئ تماماً»

التدريب الذاتي.. وصفة للراحة والاســـترخاء

المتدرب يصل خلال الاسترخاء إلى حالة تشبه التأمل. د.ب.أ

يهفو المرء كثيراً إلى التخلص من أعباء العمل، وأن يعزل نفسه تماماً عن مشكلات الحياة اليومية، ويتمكن من العثور على نفسه مجدداً. فبعد الالتزامات الكثيرة التي يجد نفسه مقيداً بها كل يوم، فإنه لا يشتاق إلى أي شيء سوى الوصول إلى اللحظة التي ينعم فيها بالراحة والاسترخاء، غير أن العطلة المقبلة أو حتى نهاية الأسبوع غالباً ما تكون بعيدة، وفي مثل هذه الحالات يمكن أن تساعد أساليب وطرق الاسترخاء مثل التدريب الداخلي الذاتي المعروف باسم «Autogenic Training» في خلق جو من الراحة. ومَن يمارس هذه التدريبات بانتظام فإنه يشعر بتأثيرات إيجابية بالفعل بعد وقت قصير، ويبدأ التدريب غالباً بجملة «أنا هادئ تماماً».

وترجع طريقة الاسترخاء هذه إلى طبيب المنزل وطبيب الأعصاب البروفيسور يوهانس هاينريش شولتس (1884-1970)، الذي طور أسلوب التدريب الداخلي الذاتي في عشرينات القرن الماضي بمدينة بريسلاو في بولندا.

وأوضحت الطبيبة والكاتبة ديليا غراسبيغير من مدينة ميونيخ جنوب ألمانيا، أن هذه الطريقة في الاسترخاء قامت على أساس خبرات شولتس التي اكتسبها من مجال التنويم المغناطيسي، إذ أخبره المرضى بأنهم يشعرون بأجسامهم أثقل وزناً أثناء عملية التنويم المغناطيسي، مع سريان تيار من الدفء الممتع والحرارة المريحة في أجسامهم. واعتقد شولتس أنه يمكن مساواة ثقل الجسم مع استرخاء العضلات والحرارة مع توسيع الأوعية الدموية وبالتالي تدفق الدم بشكل أفضل.

صبر

أوضح أخصائي علم النفس ديتمار أوم، أنه ليس من الصعب تعلم طريقة التدريب الداخلي الذاتي «ولكن من المستحسن أن يتحلى الشخص بالصبر». وفي البداية قد يتعذر على الأشخاص الذين يعانون التوتر والضغط العصبي التركيز في التمرينات، إلى أن يصبحوا على دراية بها. وليس هذا هو السبب الوحيد الذي من أجله ينصح الخبراء بمتابعة إحدى الدورات التدريبية؛ فقد أوضح البروفيسور الألماني فريدهيلم شتيتر «ليس هناك شخص تقريباً لديه الدافع للمواظبة على ممارسة التمرينات بمفرده». وبالإضافة إلى ذلك تتاح أثناء الدورة التدريبية فرصة طرح الاستفسارات والأسئلة. وفي البداية لابد من توافر بيئة هادئة لممارسة التدريب الداخلي الذاتي، ومن الأفضل أن يتم ذلك على أرائك مريحة. ويقول الخبير فريدهيلم شتيتر إن الشخص المتدرب جيداً سيمكنه في وقت لاحق أن ينعم بالاسترخاء والهدوء أثناء الجلوس وعيناه مفتوحتان، دون أن يلاحظ عليه أي شخص من المحيطين به شيئاً. وفي نهاية المطاف يمكن استخدام هذا التدريب لزيادة القدرة على الأداء وأن يصبح المرء أكثر سيطرة على ذاته ويتمتع بمزيد من رباطة الجأش.

إيحاء

قال أخصائي علم النفس ديتمار أوم، عضو الجمعية الألمانية لطرق الاسترخاء بمدينة لوبيك شمال ألمانيا «جاءت لدى شولتس الفكرة بأن الأمر سيكون جيداً عندما يصل المرء بنفسه إلى هذه الحالات الصحية والمفيدة».

وبعد ذلك قام شولتس بتطوير طريقة التدريب الداخلي الذاتي، فمن خلال نوع من الإيحاء الذاتي أو التنويم المغناطيسي الذاتي يستطيع كل شخص تقريباً عن طريق بعض التدريبات المناسبة الوصول بنفسه إلى حالة من الاسترخاء العميق الذي يشبه التنويم المغناطيسي أو الغيبوبة البسيطة.

وهذا يفسر أيضاً اسم طريقة الاسترخاء «Autogenic» التي تعني «ذاتي أو داخلي المنشأ».

وأوضح البروفيسور فريدهيلم شتيتر من الجمعية الألمانية للتنويم المغناطيسي الطبي والتدريب الداخلي الذاتي بمدينة نويس، غرب المانيا، أن الهدف يتمثل في الوصول إلى حالة من الاسترخاء بدنياً وذهنياً على حد سواء؛ إذ يتم السعي للوصول إلى حالة تشبه الوضع الذي يكون عليه الشخص قبل الاستغراق في النوم؛ أي عندما يختفي التوتر والشد العضلي على سبيل المثال ويصبح معدل التنفس أبطأ وتصبح الحالة المزاجية أكثر هدوءاً. وفي تلك الأثناء يتم خفض هرمون الإجهاد والتوتر، ويتمكن الجهاز المناعي من تجديد حيويته ونشاطه. وأضاف البروفيسور الألماني شتيتر «وبالتالي يتم خفض حالات الخوف التوتر والاكتئاب».

حالات

ذكر أوم أن شولتس كان يرى أنه ينبغي على المرء أن يتأرجح يومياً بين حالتين، الأولى عندما يكون في حالة النشاط والعمل وزيادة القدرة والأداء، والأخرى هي حالة الاسترخاء وتجديد الحيوية. غير أن كثيراً من الأشخاص يحبسون أنفسهم في الحالة الأولى فقط، بحيث يثقلون كاهلهم بالكثير من الضغوط والأعباء، ويعانون التوتر والإجهاد السلبي.

ويساعد التدريب الداخلي الذاتي على الانتقال إلى الحالة الثانية، أي حالة تجديد الحيوية والاسترخاء، وبالتالي فإنه يساعد على المحافظة على الصحة، إذ إنه يسهم في أن يظل المرء هادئاً في المواقف العصيبة، وكذلك يؤدي إلى تجنب الأعراض التي تصيب النفس والجهاز العصبي المستقل مثل الصداع وآلام الظهر والمعدة، أي تجنب ظهور الاستجابات التقليدية للتوتر العصبي.

وأشارت الطبيبة غراسبيغير إلى أن المرء يصل أثناء ممارسة التدريب الداخلي الذاتي إلى حالة من الهدوء والاسترخاء تشبه حالات التأمل. ولكن لن يحدث أي إجبار للذهن أثناء عملية التركيز، بل سيكون الأمر «موقفاً أو سلوكاً بلا هدف». وأضافت طبيبة الأعصاب وأخصائية علم النفس «لا تهم الأفكار في هذه اللحظة»، فالمرء لا يُقيم الأفكار التي تجول في ذهنه، ولكنه يدعها تمر مرور الكرام.

تمارين

يبدأ التدريب الداخلي الذاتي دائماً بجملة «أنا هادئ تماماً»، وأوضح البروفيسور فريدهيلم شتيتر أن هذا الجملة تعتمد على طريقة «التفكير العقلي» للأمور التي تحدث بعد ذلك، ثم يبدأ المرء إما بتمرين الثقل أو تمرين الحرارة.

وفي أثناء تلك التمرينات يوحي الشخص المُتدرب لنفسه بأن ذراعيه وساقيه ثقيلة أو دافئة، وبعد ذلك تأتي مرحلة تمرينات التنفس والنبض والبطن وكذلك الرأس والجبهة في وقت لاحق.

وبالإضافة إلى ذلك يوجد ـ بحسب الطبيبة ديليا غراسبيغير ــ ما يُعرف باسم صيغ القصد، التي يمكن عن طريقها أن يعطي الشخص لنفسه تعليمات متعلقة بالتنويم المغناطيسي، إذ يتم تنفيذها مباشرة من قبل اللاوعي، ومن أمثلة هذه الصيغ: «غداً سأدخل في مناقشة مع شريكي، وأنا مصمم على ذلك».

تويتر