بعيداً عن المواد اللامعة والبوليستر والفخامة المبالغ فيها

الموضة العربية.. أناقة للحياة اليومية

مصممات الأزياء العربيات صرن أكثر معرفة وخبرة في بيوتات الأزياء العالمية. د.ب.أ

فساتين سهرة بألوان صارخة مصنوعة من البوليستر وتزدان بالكثير من المواد اللامعة والمتلألئة - نعم، تشتمل فاترينات العرض بالمحال التجارية التي تقع وسط المدن العربية على هذه الفساتين. ولكن الادعاء بأن هذه الفساتين تمثل الموضة العربية سيكون على قدر قليل من الصواب، لأنه بتدقيق النظر يجد المرء أن عدد مصممي الأزياء العرب الذين يُقْدِمون على إبداع تصميمات فخمة غنية بالتفاصيل يزداد يوماً بعد يوم. وفي أحيان كثيرة يبدع المصممون تصميمات تمزج بين الثقافة العربية والقصات العصرية. ويتجسد هذا الإبداع في مجموعات لا تكون مثيرة للاهتمام فحسب، بل تتسم أيضاً بالأناقة، وتمتاز على وجه الخصوص بملاءمتها للارتداء في الحياة اليومية.

إلهام

تقول مصممة الأزياء المصرية الشابة مي شعلان: «أرى أننا لدينا ثقافة غنية جداً ولسنا بحاجة الى اللجوء إلى ثقافات أخرى بحثاً عن مصادر الإلهام، فما على مصمم الأزياء سوى التجول في الشوارع ليجد الكثير من بواعث الإلهام». درست شعلان، 28 عاماً، تصميم الأزياء في جامعة حلوان، ووضعت تصميمات لثلاث قطع ضمن مجموعة منظمة SinaGamila التي لا تهدف الى الربح والتي تترأسها مصممة الأزياء الألمانية سوزان كومبر. وتحت إشراف كومبر قام مصممو أزياء مصريون شباب بتصميم مجموعة ملابس للسيدات والفتيات تستلهم تصميماتها من التطريزات التقليدية التي تشتهر بها جنوب سيناء.

وعلى سبيل المثال قامت شعلان بتصميم فساتين على غرار فساتين الشارلستون التي تربعت على عرش الموضة في حقبة العشرينات. ومنحت هذه الفساتين إطلالة باللون الأسود، معللة ذلك بأن اللون الأسود يحظى بتقدير كبير لدى البدو أيضاً. وزينت شعلان الفساتين بالتطريزات التقليدية ذات الألوان الزاهية التي يمتاز بها بدو جنوب سيناء.

تناقضات

تعتبر مصمّمة الأزياء اللبنانية الشابة عائشة رمضان، أن «الموضة العربية مملوءة بالمتناقضات». وتقول المصممة التي تعيش في دبي منذ أكثر من 20 عاماً: «الموضة العربية هي أبعد ما تكون عن البساطة، الألوان والتنوع وحب الفخامة تُشكل تقريبًا مصادر إلهام الموضة في الشرق الأوسط، إلا أنها تشهد في الوقت الحالي تحولاً»، وتعزو ذلك إلى أن الموضة من جميع أنحاء العالم باتت تتوافر في الآونة الأخيرة في أسواق الشرق الأوسط، كما أن العملاء أصبحوا يعبرون عن رغباتهم بشكل أكثر وضوحاً من ذي قبل، الأمر الذي ساهم في أن تتحول الموضة العربية من معقدة للغاية وذات ألوان زاهية وثقيلة الوزن في بعض الأحيان إلى موضة أكثر رقة وخِفة وعملانية وأعلى ذوقاً أيضاً.

وتعوّل عائشة هي الأخرى في تشكيلاتها على التصميمات الغربية، ففي تشكيلتها السابقة صبت تركيزها على الخامات أكثر من التطريزات المعقدة. وتصف عائشة هذه التشكيلة قائلة: «كانت التصميمات جميلة ومثيرة، ولكن غير جريئة». وانصب تركيز عائشة في تصميمات هذه التشكيلة على المشغولات اليدوية والخامات الفاخرة، حيث استخدمت الدانتيل الفرنسي الفاخر كبطانات للفساتين وعناصر كريستال سواروفسكي الفخم في تزيين الفساتين. وتضمنت تشكيلتها أيضاً فساتين قصيرة. وعلى مستوى الألوان أولت المصممة اهتماماً كبيراً بالأبيض ودرجات الوردي على وجه الخصوص، ولكنها حرصت أيضاً على أن تتألق تشكيلتها ببعض الألوان الصارخة كالنيون مثلاً. القاهرة ــ دبي ــ د.ب.أ

وإلى جانب النقشات ذات الألوان الزاهية عمدت شعلان أيضاً إلى استخدام الألوان الكلاسيكية الرائجة لدى البدو. وعلى الرغم من كثرة التصميمات المستوحاة من ثقافة بدو جنوب سيناء، يرغب المصممون الذين أبدعوا مجموعة الملابس هذه في تلبية المتطلبات العصرية أيضاً. وتقول مصممة الأزياء المصرية، نانسي نبيل: «يجب أن يساير تصميم و«سيلويت» الفساتين اتجاهات الموضة، ومع ذلك يجب أن تكون الفساتين ذات مقاسات مناسبة لمقاييس الجسم، أي لا تكون مثيرة للغاية». ودرست نانسي، ابنة 25 ربيعاً، تصميم الأزياء في جامعة حلوان أيضاً، ووضعت هي الأخرى تصميمات لثلاث قطع ضمن مجموعة SinaGamila.

تباين

تعوّل زميلتها في الدراسة وصاحبة العمر نفسه، فاطمة الزهراء أحمد، في تصميماتها التي وضعتها لمجموعة SinaGamila على التباين بين اللونين الأبيض والوردي. وقد صممت فاطمة طقمين يتكونان من سروال وجاكت إضافة إلى فستانين، واستخدمت في تصميماتها القطن والكتان، كما أنها اعتمدت على التطريزات التقليدية ذات اللآلئ، لتضفي لمسة تفرّد وتميز على قطع الملابس التي صممتها.

وتبدي فاطمة الزهراء قناعتها بأن الموضة العربية ستحظى بالطبع بفرص تسويقية جيدة في المستقبل، مشيرة إلى أنه ما على مصممي الأزياء سوى أن يعرفوا جيداً كيف يعيدون صياغة الملابس التقليدية المميزة لثقافتهم من جديد ويصمموها بشكل عصري. وتؤكد فاطمة أن هذا الأمر لا يسري فقط على مصر، بل أيضاً على البلاد العربية الأخرى التي تمتاز بثرائها الثقافي، مثل المغرب ودول الخليج.

قدرات

عملت مديرة هذا المشروع سوزان كومبر، أستاذاً زائراً في جامعة حلوان في القاهرة لمدة ست سنوات، وأسست هناك التخصص الجديد «تصميم الأزياء». وتوضح خبيرة الموضة سبب اختيارها لمنطقة جنوب سيناء، قائلة: «توجد في جنوب سيناء حتى الآن تقنية تطريز وترصيع لآلئ خاصة تمتاز بروعتها وتفردها، وعدم تأثرها بالهوس السياحي الذي يجتاح هذه المنطقة».

وتؤمن كومبر أيضاً بأن مصممي الأزياء العرب من الشباب يمتلكون قدرات ومهارات كبيرة، وتصفهم قائلة: «إنهم مبدعون للغاية، ويحاولون بغض النظر عن اتجاهات الموضة السائدة إبراز خصائصهم الثقافية».أ وتلفت كومبر إلى أن المناخ المحيط بالمصممين العرب الشباب طرأت عليه تغيرات؛ إذ باتوا أكثر انفتاحاً على العالم بفضل زيادة إمكانات السفر للخارج وتكنولوجيا الاتصالات السريعة. وفي ظل هذا المناخ المتفتح بات المصممون الشباب يعكسون خصائص ثقافتهم ويستوعبون تأثيرات الموضة الحديثة بشكل أقوى.

مزيج

يرى بوريس بروفوست، مدير معرض «أيام الشرق الأوسط للأزياء» في دبي، أن هذا المناخ يثمر عن مزيج رائع بين الحضارتين العربية والغربية، ويقول: «معظم مصممي الأزياء في الشرق الأوسط يعكفون على إعادة صياغة الملابس التقليدية». ويشير بروفوست إلى أنه بخلاف مصممي الأزياء الغربيين تلعب الثقافة والدين دوراً مهماً في تصميمات المصممين العرب. وعلى الرغم من القدرات الكبيرة التي يتمتع بها المصممون الشباب الموهوبون، غير أن الموضة التي يبدعونها نادراً ما تشق طريقها إلى أسواق خارج الشرق الأوسط. ويلفت بروفوست إلى أن السبب في ذلك قليلاً ما يرجع إلى عدم جودة التصميمات التي تبدعها هذه المواهب الشابة، وإنما بكل بساطة الى قلة شهرتهم على المستوى العالمي.

وتؤمن مصممة الأزياء الإماراتية الشهيرة زينة زكي، بأن منطقة الشرق الأوسط تمتلك قدرات كبيرة، مشيرة إلى أن المنطقة تزخر حالياً بالكثير من المواهب الطموحة، الأمر الذي يرجع إلى أسباب عدة، منها أن المصممين الشباب يكون لديهم منذ نعومة أظفارهم وعياً كبيراً بعالم الموضة. وتقول زينة: «الشباب يحبون التجريب في تشكيلاتهم في ما يتعلق بالثقافة والعادات والتقاليد». وعلى العكس من زملائها الشباب قفزت زينة قفزة جريئة في عالم الموضة خارج نطاق الشرق الأوسط، وتعكف حالياً على عرض تصميماتها للجمهور في نيويورك وإيطاليا.

تفاصيل

على الرغم من أن زينة تعوّل، في تصميماتها على خصائص العصر الفكتوري من خلال تصميمها لفساتين تتألق بألوان الباستيل وتتسم بقمة الأناقة والأنوثة، إلا أنها تولي أيضاً أهمية كبيرة للتفاصيل. وتؤكد زينة هذا المعنى قائلة: «لدينا مشغل تطريز خاص بنا متخصص في المزج بين أنواع مختلفة من الأنسجة مع بعضها بعضاً، بحيث تنشأ تصميمات غنية التفاصيل تمثل شيئاً فريداً من نوعه للعملاء». وتضيف «في بعض الأحيان يتم استخدام أحجار باهظة الثمن، ولكنني أركز أكثر في تصميماتي على تقنية الطبقات والتطريزات».

تويتر