أدوية خطرة ومنشطات مؤذية في السوق السوداء
هوس كمال الأجسام.. كذبة الجـــــسد المريض
تنتشر ظاهرة إبر نفخ العضلات عند الكثير من ممارسي هذه الرياضة. د.ب.أ
لطالما قدم لنا التاريخ صوراً وأساطير لابطال أقوياء ذوي أجساد فتية، من جلجامش إلى هرقل، إلى المجالدين والمصارعين. فقد سعى الانسان منذ القدم إلى أن يملك جسداً قوياً، حيث يرى الكثيرون أن القوة عنوان كل شيء، وقد استمر ذلك عبر قرون طويلة، ويظهر الآن في أبطال أفلام الحركة (الاكشن) مفتولي العضلات، الذين يتباهون بأجسادهم على شاشات السينما، ليقدموا للشباب والمراهقين أمثلة للقوة، دفعت هؤلاء إلى ممارسة الرياضات التي من شأنها أن تجعل لهم مثل تلك الاجسام القوية، وعلى رأسها رياضة «كمال الاجسام».
فمنذ زمن بعيد باتت «كمال الأجسام» رياضة خاصة، يقصدها الكثيرون من أجل تربية عضلاتهم وتنميتها لتبلغ الحد الأقصى من طاقتها، وذلك بأداء التمارين المكثّفة والمنظّمة بالأوزان الحديدية، والآلات الرياضية المخصصة لكل عضلة، إضافةً إلى تناول الغذاء بشكل مكثف يوازي حجم التمارين المؤدّاة، إضافة إلى الراحة الكافية يومياً لحث العضلات على النمو.
مخاطر صحية
يتزايد الإقبال في لبنان على هذه الرياضة، طلباً للياقة البدنية والنشاط وحفاظاً على الصحة، أو رغبة في بناء أجسام قوية والعضلات بارزة تلفت الأنظار، خصوصاً أنظار الفتيات اللاتي يعشقن مثل هذا النوع من الأجساد.
لكن المشكلة يمكن أن تتجاوز الرياضة إلى مخاطر صحية، حيث يلجأ بعض هؤلاء الشباب إلى تناول أنواع من المنشطات والأدوية التي يعتقدون أنها تسهم في بناء عضلاتهم وتقويتها والوصول بها سريعاً إلى مرحلة الكمال، وذلك بناء على توصيات من أصحاب النوادي الرياضية التي يتدربون فيها، والذين يغفلون عما تسببه مثل هذه العقاقير من أضرار، ويبدو أن القضية لها جانب تجاري.
تقول الأستاذة الجامعية والباحثة في شؤون الجندر، عزّه شرارة بيضون، «ما ألاحظه شخصياً هو أن كثيراً من الذكور يظهرون، في مطلع مراهقتهم، اهتماماً بتكبير عضلاتهم، يدفعهم إلى ذلك التعجل في عملية الولوج إلى المرحلة العمرية اللاحقة، ومحاكاة أقرانهم الذين سبقوهم إلى ذلك»، مضيفة أن «التكبير المذكور يوفّر لهؤلاء الوهم بحيازة رِفعة المقام والسلطة وفق القاعدة الطفولية التي ترى أن الأكبر حجماً هو الأحسن لأنه الأقوى وصاحب الامتيازات الأعلى، وهو ما اختبروه في طفولتهم غير البعيدة في الزمن، سواء في علاقتهم مع الأهل أو في علاقاتهم مع أقرانهم.
وتتفشى ظاهرة اللجوء إلى حقن الهرمونات لتضخيم حجم العضلات بكثرة بين هواة كمال الأجسام والشباب الطامحين إلى مظهر رياضي لافت، في لبنان.
وتضيف بيضون أنه وفق التصوّرات الطفولية والمعتقدات الجندرية التي ترى أن الإناث عكس الذكور، فإن تكبير العضلات ونفخها يخدم أيضاً التمايز عن الإناث (الصغيرات، الناعمات، الرخوات.. إلخ). إن التمايز المذكور آلية تبدو ضرورية لتحقيق الهوية الذكرية الطفولية، وتتكرر أهميته في مرحلة المراهقة.
يتراءى لهؤلاء، وبموجب المعتقد نفسه، أن الإناث يرغبْن، بل يشتهين، الجسد الكبير والمنتفخ. فتخدم صورتهم لجسدهم المنتفخ التأكيد لهم بجنسيتهم الغيرية. أي بكونهم موضوع اشتهاء من قبل الإناث.
وتؤكد الباحثة بيضون أن الأضرار الصحية الناجمة عن تناول المنشطات من أجل تسريع وتضخيم عملية التكبير المذكورة تبدو للشبّان قليلة الأهمية بالمقارنة مع المكتسبات التي يجنونها.
ففي مرحلة الشباب، يتصدّر تحقيق ذكورة هؤلاء المرتبة الأعلى في سلّم اهتماماتهم، وحيث هم في عطلة من أمرهم، وقليلو الصبر على تأجيل إشباعاتهم الآنية، فيختارون أسهل الطرق وأكثرها شيوعاً وقبولاً في زمنهم. ويلعب الإعلان، والإعلام دوره في تسويق هذه الممارسات وتقديم مثالات قدوة تُحتذى من الرياضيين ونجوم السينما وغيرهم من نجوم هذا العصر.
منشطات
يقول المدرب طوني تابت من نادي «رايم هلث كلوب»، بمنطقة الرابية، شرق بيروت «لقد زاد عدد رواد النوادي الرياضية بنحو 30٪ خلال السنوات الاخيرة ويرجع ذلك إلى انتشار الوعي بأهمية الرياضة ومنافعها الصحية من جهة، وازدياد الاهتمام بالمظهر الخارجي من جهة ثانية».
ويضيف «يتناول بعض الشبان المنشطات والعقاقير التي تسهم في بناء أجسامهم بأسرع وقت ممكن وهي مضرة جداً، ولكن يجب التفريق بين المنشطات والبروتينات التي تسهم في تضخيم العضلات وتزيد النشاط، وهي غير مضرة».
وتقدم شاشات التلفزة في لبنان، دون حسيب ولا رقيب، إعلانات مكثفة عن مستحضرات مصنوعة من الاعشاب، وبينها عقاقير السمنة التي تذيب الشحوم.
ووفقاً لتابت «تسهم وسائل الإعلام بشكل أساسي في تحفيز الشبان للاهتمام بشكلهم الخارجي للوصول إلى الشكل الأمثل، فيقصدون النوادي، كما يلجأ البعض إلى العقاقير التي ينصحهم بها عادةً مدربوهم، بهدف الربح المادي».
وتقول الطبيبة إفلين حتي، من قسم الطوارئ بمستشفى الجامعة الأميركية في بيروت، التي تجري دراسة حول المنشطات التي يتناولها الشباب في النوادي الرياضية، للوكالة الالمانية أنه «لا وجود لدراسات في لبنان تتناول هذه الظاهرة، ونحن نجري دراسة لمعرفة نسبة النساء والرجال الذين يتناولون مثل هذه المنشطات، والعوامل التي تدفع الناس لتناولها والعناصر المؤثرة في هذه الظاهرة (كالعمر والجنس والطبقة الاجتماعية)».
وتضيف أن هناك العديد من أنواع المنشطات، منها «التوستسترون»، وهو هرمون موجود في الجسم، يتم تناوله بواسطة الحقن بكمية كبيرة بهدف تنمية العضلات، وينطوي تناوله على العديد من المخاطر، كانتقال الامراض المعدية وأبرزها مرض نقص المناعة المكتسبة (ايدز)، والتهاب الجلد الذي قد يصل حتى المفاصل، وخفض مستوى الخصوبة لدى الرجل، وتعطيل وظائف الكبد، ورفع مستوى الكوليسترول، وخفض نوعه الجيد، وتوقف عملية نمو العظام لدى المراهقين في حال تم تناوله في فترة المراهقة.
عقاقير
|
محط إعجاب تقول إيمان حصري التي تمارس الرياضة بانتظام «لا يعجبني الشاب الناعم ولا الشاب الذي يبالغ في تنمية عضلاته. ولا أجد أن بروز العضلات مظهر من مظاهر الرجولة، أفضّل الشاب الذي يهتم بمظهره الخارجي وبتنمية عضلاته ولكن بمقدار». أما الشاب داني حمصي الذي يمارس رياضة كمال الأجسام فيقول «أرتاد النادي لأحسن مظهري الخارجي، وهذا الأمر يريحني نفسياً وأشعر بأني أفضل، بالإضافة إلى شعوري بأني محط إعجاب الفتيات». ويضيف «لا بأس من تناول القليل من المنشطات للوصول إلى النتائج الفضلى باقصى سرعة ممكنة، مع العلم أني شخصياً لا أتناولها». وهكذا يبدو أن المنشطات حولت رياضة «كمال الاجسام» في لبنان إلى كابوس مفزع، قد يحصد حياة العشرات من الشباب، وإذا كان الحد من انتشارها يقع على عاتق الدولة، ممثلة بوزارة الصحة حيث ينبغي معرفة سبل وصولها وتوزيعها وأماكن بيعها للتمكن من ضبطها، فلوسائل الاعلام أيضاً دور خطر، إذ تقع عليها مسؤولية التوعية حول أضرار هذه العقاقير، لأن العديد من مستخدميها لا يعرفون ماذا يمكن أن تجلب لهم من شرور. |
ويعتقد المراقبون أن معظم الذين يتناولون العقاقير المنشطة لا يدركون مدى خطورتها على صحتهم، أو يعلمون جزءاً يسيراً، كما أن من ينصحهم بها لا يعلم أنه يدلهم على طريق قد تؤدي إلى الهلاك.
وتقول حتي «هناك منشطات أخرى منها (البيتا أغونست) الذي يعطي المزيد من الطاقة والنشاط، لكنه يسبب مشكلات في القلب. بالإضافة الى (إيبو) الذي يستخدم لزيادة خلايا الدم الحمراء في الجسم، وهو مسؤول عن زيادة النشاط وزيادة نسبة الأوكسجين في العضل، ولكنه قد يسبب جلطات في الرئتين أو الرأس أو الأرجل.
ويقدر المهتمون بهذه الظاهرة أن نسبة كبيرة من حبوب تضخيم العضلات أو تخليص الجسم من الدهون، يتم تسريبها وتداولها في السوق السوداء عبر عملاء ومهربين، وأن نسبة 20٪ منها تنقل وتباع عبر أندية رياضية.
وتشرح حتّي أن هناك أنواعاً من الأدوية يمنع دخولها إلى لبنان، لكنها تدخل تحت أسماء أخرى، ويشترى معظمها من السوق السوداء وهي غير مضمونة، إذ يمكن خلطها بالمورفين أو أنواع أخرى من المخدرات».
وفيات
وتشير المعلومات المتاحة إلى حدوث وفيات بين عدد كبير من الشبان جراء تناولهم هذه العقاقير، خصوصاً أن استخدامها في الغالب يتم دون استشارات متخصصة.
وهناك أيضا عقار «غرووث هورمون»، وهو نوع من الأدوية يسبب تضخماً غير طبيعي في الشكل الخارجي في حال تم تناوله بكميات غير مدروسة، وكذلك «الكرياتين» وهو نوع من البروتين الذي يسبب تضخماً في العضل، ولكنه يعطل عمل الكليتين لمن يعاني من مشكلات في الكلى. وتتابع حتي «لاحظت في عملي في الطوارئ وجود عدد من الإصابات نتيجة استخدام هذه المنشطات. وحسب إحصاء نقوم به حالياً، تبين أن نسبة استخدامها من قبل الشباب اللبناني مرتفعة.
وتقول الصيدلانية ريما داوود رباع أنه منذ أسبوعين أرسلت نقابة الصيادلة تعميماً لجميع الصيدليات العاملة في لبنان يقضي بمنع بيع المنشطات بشكل نهائي، إلا بوصفة طبية.
وتضيف «هذه المنشطات هي أدوية لها منافع عديدة ويصفها الأطباء في حالات كثيرة وهي موجودة إجمالاً في الصيدليات لأنها توصف لحالات مرضية».
ووفقاً لداوود، هناك بعض الصيادلة الذين يبيعون حقن (التوستسترون) مع علمهم أن لها مساوئ عديدة، وذلك لأسباب تجارية، وعلى وزارة الصحة أن تراقب وتلاحق عمليات بيع هذه المنشطات لتلافي أضرارها.
ورغم محاولتنا الاتصال مرات عدة بوزارة الصحة لاستيضاح أمر المنشطات وكيف تجد تلك المنشطات طريقها إلى السوق اللبنانية، لم تتمكن من الحصول على جواب.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news