تترك تأثيرات سلبية دون وعي لدى كثيرين

أفـلام العـنف.. مشاهـد تزيد التوتّر

اختصاصيون: أفلام العنف لا تخلص المرء من شحنات الغضب. غيتي

تتباين الأسباب التي تدفع البعض إلى مشاهدة أفلام العنف، أو تجنب متابعتها، وتختلف التأثيرات النفسية والاجتماعية التي تتركها تلك الأفلام في مشاهديها، خصوصاً لدى من يتفاعلون معها، ويحاولون تقليدها بوعي أو من دون إدراك، إذ تسبب مشاهدة أفلام العنف زيادة إفراز هرمونات التوتر، حسب مختصين.

أثر اجتماعي

 

قال الاختصاصي في علم الاجتماع في جامعة الشارقة، الدكتور حسين العثمان، ان «أفلام العنف عموماً ترسم صورة محببة لأشكال العنف، وبالتالي يصبح العنف مصدراً من مصادر التنشئة»، لافتاً إلى ان تأثيرها في الوطن العربي غير واضح بعد، بينما أصبح تأثيرها في الغرب أكثر وضوحاً، إذ يطبقون ما يرونه في الأفلام ويقلدون مشاهده علانية، علماً أن التقليد مرتبط بدرجة الحرية في المجتمع وبالتالي يعتبر في المجتمعات النامية أقل بسبب كثرة التحديات فيها. مؤكداً أن «الرجال هم الأكثر تأثرا بأفلام العنف التي تكرس القوة، لاسيما أن شبابنا ينشأون في مجتمع ذكوري بامتياز».

وبحسب استطلاع رأي أجراه مركز «ابسوس» لمصلحة «الإمارات اليوم» نشرته أخيراً، فإن 55.2٪ من الرجال يحبون أفلام العنف، فيما 44.8٪ من النساء يملن إلى مشاهدتها، وهم من فئات عمرية متباينة. وبين أن النسبة الأعلى من الذين يشاهدون أفلام العنف هم من الفئة العمرية التي تراوح بين 15 و24 سنة.

المواطن محمد أحمد قال أنه لا يتابع أفلام «الأكشن» بسبب كثرة مشاهد العنف التي تتضمنها، إذ يخشى أن يتأثر أولاده بها، «أواظب على مشاهدة الأفلام العربية، لا سيما القديمة كونها خفيفة ولا تثير مشاعر العنف أو الغضب في النفوس».

وشدد أحمد على أن المتلقي «لابد أن يتأثر بما يشاهده عبر التلفزيون، فإن لم يقلد الفيلم ربما قد يثير غضبه، وبالتالي لا يعود قادراً على التحكم بمشاعره تجاه من يكون معه أو في لحظات أخرى، إذ تختزن الذاكرة تلك المشاهد».

ويوافق أحمد في الرأي السوري غيث طنجور الذي لا يحب أفلام العنف، بل ينجذب لمشاهدة الأفلام الواقعية، «أستمتع بمشاهدة الأفلام التاريخية أو التي تروي سيرة وقائع من الماضي. وقد تحتوي على مشاهد عنف قليلة، لكنه عنف لا يركز في القتل كغاية، بل غالباً ما يخدم سياق الأحداث». واعتبر طنجور أن «أفلام الحركة لا تؤثر في الفرد عندما تكون حاملة لقصة جيدة، لأن المضمون سيأخذ المشاهد بالدرجة الأولى».

تأثير سلبي

لفت المواطن أحمد سالم إلى أن أفلام العنف تكون ذات تأثير سلبي في الأفراد «فالعنف على مستوى الصورة يولد العنف، والمرء الذي يكون مستاء ومتفاعلاً مع تلك المشاهد التي تزيد من إفراز هرمونات التوتر من الممكن أن تزيد حدة غضبه».

وأشارت اللبنانية باميلا سري الدين إلى أنها لا تحب مشاهدة تلك الأفلام، لأنها تثير غضبها، مؤكدة أنها تحرص على عدم عرض مشاهد العنف على أطفالها، لأنهم قد يتأثرون بها. وقالت أن «بعض أفلام الكرتون التي تخصص للأطفال تحتوي على مشاهد عنف، وبالتالي تكون خطرة».

من جهتها، قالت السورية مريم حنا «أحب أفلام الحركة، لكن هذا لا يعني أنها من الضروري أن تحمل عنفاً، لأن هذه الأفلام لا تدفع البطل للقتل أو لفعل أي جرم دون أسباب تتخفى وراء ذلك»، مشيرة إلى أنها لا تشاهد مثل هذه الأفلام حين تكون متوترة لأنها تشعر بأنها ستزيد من غضبها.

وأكد السوري أنس الكبشي أنه يحب أفلام الحركة السريعة، التي قد يحتوي بعضها على مشاهد عنف، ولكن لا تجذبه أفلام جرائم القتل التي يمكن أن تؤذي المشاعر وتضايق الفرد. وقال إن «بعضها يكون مبالغاً فيه، كأن يعرض صانعو الفيلم مثلا مشاهد تقطيع أعضاء أو آكلي لحوم البشر أو مصاصي الدماء، ما تثير الاشمئزاز».

شباب

قال الفلسطيني مؤيد محمد (طالب ثانوي) الذي يهوى الافلام الفكاهية «أحب أفلام الحركة التي يكون فيها (أنيميشن) اي ما يسمى أفلام التحريك، وليس فيها مشاهد عنف وقتل»، معتبراً أن تلك الأفلام لا تؤثر في شخصيته على الإطلاق، لأنها مجرد أفلام وليست ذات تأثير كبير في شخصيته، لافتاً إلى أنه قد يشاهد أفلام عنف في السينما مرة في الشهر ليس أكثر، لأنه يميل الى مشاهدة الأفلام الكوميدية.

بينما أكد المواطن عبدالله الأميري، وهو طالب ثانوي أيضاً، أنه يفضل الأفلام الكوميدية، لأنه حين يدخل السينما يعرف أنه يريد أن يرفه عن نفسه، وليس ليثير توتره وغضبه من المشاهد التي قد تشعره بالاستفزاز.

واضاف إن «أفلام العنف تثير مشاعر المراهقين، ولاسيما الشباب الأكبر سناً، لأنه من السهل أن يتفاعلوا معها، لذا أنصحهم بمشاهدة أفلام مضحكة أو رومانسية».

وذكر الطالب المصري كريم محمد أنه غالباً ما يقصد السينما لمشاهدة الأفلام، ولا يميل إلى أفلام العنف، لكنه في الوقت ذاته لا يكرهها، فيمكن أن يشاهد فيلماً إن كان مضمونه مقبولاً، مشيراً إلى أنه يستمتع كثيراً بمشاهدة أفلام الكوميديا التي ترفه عن النفس، حسب قوله.

سلوكيات

قال الاستشاري في الطب النفسي، الدكتور علي الحرجان عن أثر مشاهدة أفلام العنف «لها تأثير سلبي كبير في الإنسان، وقد يظهر هذا الأثر آنياً من خلال توتر الشخص الذي يشاهد الفيلم، أو حتى لاحقاً، من خلال ما اكتسب من مشاهد ترسخت في ذهنه، فيمارسه بشكل واع، أو غير واع مع أفراد أسرته من خلال سلوكياته الجسدية أو اللفظية».

واعتبر انتشار العنف في المجتمعات من الأمور التي تساعد على مشاهدة العنف، فالمرء يتميز بالفضول الذي يدفعه إلى الاطلاع على ما يتم تداوله في الصحافة والتلفزيون من أخبار، وبالتالي يرى الكثير من جرائم القتل أو الاغتصاب، ما يعزز لديه حب المعرفة ودراسة السلوك الإجرامي، بحسب الحرجان، الذي أكد أن البعض قد يشاهد هذه الأفلام فقط بسبب حب الاطلاع.

وذكر ان «الإنسان عندما يسمع عن شيء يحب مشاهدته، وتعد الأفلام في أحيان كثيرة تجسيداً لما يسمعه الشخص»، مشيراً إلى ان الأفلام التي تتحدث عن الكواكب الخارجية تصدم الناس، وتدفعهم إلى المشاهدة لمعرفة هذا العالم. وأضاف إن «البعض يشاهد الأفلام ظناً بأنها تساعد على تفريغ شحنات الغضب، رغم أن ذلك لم تثبت صحته الدراسات التي أشارت إلى ان من يشاهد أفلام العنف هو إنسان سلبي لا يفرغ شحنات الغضب داخله، بل يستقبل فقط». وبين الحرجان ان الرجال هم أكثر تأثراً بأفلام العنف، وأن قوة تأثير الأفلام لا تتوقف على عدد المشاهدات، «فمن الممكن أن يتأثر المرء سلباً من مشـهد واحد، ولاسيما إن كانت طبيعة ذلك الشخص طيبة ورقيق القلب، وقد يظهر تأثير ذلك لاحقاً من خلال اضطرابات في النوم والأكل».

تويتر