‏‏‏يلجأ إلى أماكن متعددة ليخفي دموعه عن أعين الآخرين

بكاء الرجل.. «عيب» لكنه تعبير يريح النفس‏

بكاء الرجال يعتبره المجتمع دليل ضعف. تصوير: أشوك فيرما

‏‏يتعلم الرجل العربي، خصوصا، منذ طفولته أن البكاء غير لائق به وهو «عيب» وانتهاك لرجولته التي يجب أن تتسم بـ«الخشونة والحكمة»، لكنه ضرورة للتخلص من شدة الضغوط النفسية، او التعبير عن الحالات الانسانية. في حين ينظر الى المرأة باعتبارها عاطفية. متى يبكي الرجال إذاً؟، وما الأشياء التي تبكيهم؟ سؤالان طرحتهما «الإمارات اليوم» على رجال من أعمار ومهن مختلفة، واتفقت أغلبية الآراء على أن صورة الرجل تهتز وتضعف بين الناس عندما يبكي، وهذا لا يعني أن الرجال لا يبكون، لكن لا يظهرون الامر أمام الناس، وقد يلجأون إلى أمكنة ليخفوا دموعهم بعيدا عن اعين الاخرين.

 ‏شبكة اعصاب

يقول الدكتور ألان مورفي، من جامعة فلوريدا الأميركية، إن البكاء استجابة طبيعية لما يحدث لدى الانسان من توتر أو لما يحل به من حزن او ألم، فالانسان يحمل في داخله اجهزة بالغة الدقة تُعرف بشبكة الاعصاب والتي تمتد من رأس الانسان الى قدميه، وأعجب هذه الاجهزة وأدقها هي شبكة الاعصاب التي تتحكم في العين، ويضيف «كل الاستجابات التلقائية من السهل فهمها، لكن هناك استجابة واحدة مرتبطة بالعين يصعب تفسيرها، وهي استجابة البكاء».

 

كبت مشاعر

 

قال الطبيب النفسي علي الحرجان إن «عدم بكاء الرجال في العلن أو في الخفاء يعود الى موروثات قديمة بما يتعلق بالعادت والاعراف، إلا ان هناك رجالاً كثراً بكاؤون، ويحاولون كبت مشاعرهم كي لا يظهروا امام العلن بانهم ضعفاء»، مضيفا إن« البكاء ليس ضعفا، بل هو قمة القوة والمشاعر والصدق، فحين يصل الرجل الى مرحلة البكاء يكون ذلك تعبيرًا عن حالة من الفرح او الحزن بأعلى درجاتهما، وهذا ليس عيباً».‏

وأشار بعض الرجال إلى أنهم يحسدون النساء على هذه الصفة، لأنها تخفف الكثير من الأحزان والمتاعب. وأوضح آخرون أن من أهم أسباب بكاء الرجل تتلخص في فقدان الاحبة، وفي لحظات محاسبة النفس على أخطاء مرتكبة، ومناظر القتل والتدمير التي ترتكبها قوات الاحتلال في فلسطين والعراق وغيرهما.

حمّام الدموع

قال سهيل عيسى (45 عاماً) الذي يقيم في الامارات منذ سنوات، وكان في السابق يعمل ضابطاً في الشرطة الفلسطينية، ان «طبيعة المجتمع العربي تعيب على الرجل البكاء بالخفاء أو بالعلن. وعندما كبرت واصبحت ضابطاً في الشرطة زادت الفجوة بيني وبين مشاعري الحقيقية، فكنت ألجأ الى الحمام للبكاء وتفريغ شحنة العواطف التي كانت تعتريني خصوصاً في ما يتعلق بما يعانيه وطني كل يوم، إلا أنني لم أظهر دموعي حتى امام والدتي قبل وفاتها، أو زوجتي وأبنائي».

وأشار نمر حسن (60 عاماً) وهو صاحب مؤسسة خاصة في الدولة، إلى أنه يلجأ إلى الحمام ايضا إذا أراد البكاء. وقال «مع مرور سنين العمر قلّ حذري في البكاء امام الناس، وصار اي موقف يبكيني، مثل طفل محتاج، او مثل مسن». وأوضح ان «البكاء اصبح مطلباً من ابنائي وزوجتي لاخفف عن نفسي ما أشعر به، لأن كتم المشاعر نتائجه صعبة وغير محمودة».

محمد الفهيم (39 عاماً) لا يبكي ابداً امام الناس، ويظهر نفسه شديد البأس والقوة الناس مهما كان الموقف صعباً، حسب وصفه. وقال «أنا عكس ذلك تماماً، أنا رجل ضعيف جداً، وابكي في كثير من الأحيان في أماكن لا يراني فيها أحد مثل الحمّام. أكبت مشاعري وأفرغها دفعة واحدة، واكثر ما يبكيني الظلم الواقع على أطفال فلسطين والعراق، وأبكي على الايتام والمحتاجين، وأبكي كثيراً اذا مرض أحد أبنائي».

مواقف

قال أكرم ابراهيم (45 عاماً) والذي يعمل سائق سيارة أجرة «بكيت أول مرة في حياتي بشكل علني عندما توفيت والدتي، رغم أنني لا أبكي أمام الناس، وتعودت منذ الصغر ان الرجل لا يجوز ان يبكي لأن هذه الصفة مقترنة بالنساء فقط».

في المقابل أوضح الممثل الفلسطيني علي سليمان (33 عاماً) بطل فيلم «الجنة الآن»، أن البكاء بالنسبة له حالة جميلة تعبر عن اصدق المشاعر التي قد تختلجه، وقال «لا أخجل من البكاء امام المقربين، وبما انني من فلسطين وأعيش هناك، فدموعنا جفت من كثرة ما يعانيه شعبنا من قهر وظلم». وبالنسبة الى فهد المهيري (40 عاماً) فهو يبكي اذا بكت طفلته المريضة بالقلب. وقال «لدي ابنة ولدت بقلب ضعيف ولا احتمل رؤيتها وهي تبكي، واخاف ان يتأثر قلبها. وعرفت بعد ولادتها أن البكاء ليس عيباً وانما راحة كبيرة، وتغلبت على الشعور بالعيب من فكرة أن البكاء أمام الناس ينتقص من الرجولة».

وقال زيد الشمر (34 عاماً) موظف في بنك «بكيت حتى نزل الدم من عيني على فقدان والدي ووالدتي في يوم واحد، فقلب والدي لم يتحمل خبر وفاة والدتي فأصابته سكتة قلبية ولحقها في اليوم نفسه، كان يوماً صعباً عليّ ولم أرَ إلا الدم ينزل من عيوني بدل الدمع». بعد هذه الحادثة الاليمة اصبح البكاء سهلاً بالنسبة لزيد، «اصبحت ابكي على اي موقف عاطفي».

واعترف فادي تصلق (30 عاماً) موظف تسويق، بانه يبكي على فلسطين والعراق والاطفال المقهورين والمظلومين والمحاصرين، «لا أستطيع أن أخفي دموعي امام احد، واشعر بان دموعي كفارة عن عجزي عن فعل اي شيء».

اما مهدي العلي (48 عاماً) يبكي عند محاسبة نفسه على أخطاء اقترفها، «أبكي كثيراً حين أتذكر موقفاً ظلمت فيه انساناً او ضحكت فيه على فتاة، موهماً إياها بحبي لها، إلا انني تغيرت بعد فوات الاوان وبعد ان اصبح لدي عدد من الابناء، لكن بكائي يكون خاصاً جداً ولا أظهره امام الناس أبداً».

 حسد

بعد أن جرب المهندس خالد خليل (34 عاماً) البكاء حسد جميع نساء العالم لتمتعهن بهذه القدرة التي تزيح عن النفس ثقلاً كبيراً. وأوضح أن الموقف الذي أبكاه كان وفاة والده الذي كان متعلقاً به إلى درجة كبيرة. الفكرة ذاتها أيدها قاسم بن حزيني (40 عاماً) الذي يحسد النساء على قدرتهن على البكاء. وقال: «هذا شيء افتقده، فأنا لا أبكي ابداً حتى لو مع نفسي». ‏

تويتر