الكذب.. تكتيك اجتماعي لا يُنجي من العواقب

تنتج عن كل كذبة يقترفها الشخص عاقبة ما. فوتوز دوت كوم

في أحيان كثيرة قد لا ينجح المرء في تفادي الكذب ولو يوماً واحداً، الأمر الذي قد يتحول غالباً إلى أحد الأمور التي لا تخضع للرقابة الذاتية أو حتى الاهتمام، وعلى الرغم من أن البعض قد يعتقد بأن الأمر مبالغ فيه، إلا أن الأفراد يكذبون ثلاث كذبات كل 10 دقائق في بداية علاقتهم، وتتفاوت هذه الكذبات بين الصغيرة مثل «لقد كنت أهم بالاتصال بك»، أو «تبدين أنحف»، والأخطر من ذلك مثل «سرك بأمان معي»، أو «وأنا أحبك أيضاً»، وهذا المعدل الذي توصل إليه البروفيسور في علم النفس في جامعة ماساتشوستس في أميركا روبرت فيلدمان، الذي قضى نحو 25 عاماً في محاولة لإثبات نظريته حول مدى كذب الإنسان، والتي اختتمت بكتاب بعنوان «الكذب في حياتك.. الطريقة لعيش علاقات صادقة».

وقد تضمن كتاب فيلدمان إثباتات حول أسباب كذب الإنسان، ومدى قدرة الإنسان على تغيير الوقائع أو تحويرها، والثمن أو الفوائد التي قد تأتي من مثل هذه الأنواع من التحوير، سواء كان تحت تصنيف «الكذبة البيضاء» أو الكذبات الخطيرة التي لا تغتفر، أو تلك التي تتفاوت بينهما، حيث يقول إن «أكثر ما أثار دهشتي في البحث، هو مدى انتشار وكثافة الكذب، الذي يحظى بمعدل تكرار أكبر بكثير مما توقعت، في الواقع، نحن نكذب بكثرة لدرجة لا نميز فيها حصوله».

وأوضح فيلدمان أن الكذب يبدأ في مراحل مبكرة من العمر، حيث نبدأ بحبك خيوط الكذب المتداخلة منذ سن الطفولة، وتحديداً بين عمر سنتين وثلاث سنوات، ومع مرور السنوات وكلما كبر الطفل، كبرت ونضجت معه طرق الكذب، الأمر الذي يصفه بأنه طريقة الأطفال للنجاة والتعايش في عالم الكبار، وعلى الرغم من أن بحث فيلدمان يُظهر أن الأشخاص المعروفين والناجحين في الحياة، هم ببساطة «كذابون جيدون»، وعلى الرغم من الامتيازات الاجتماعية التي تلازمهم، تنتج عن كل كذبة يقترفونها عاقبة ما، صغيرة كانت أو كبيرة، وسواء على من يقوم بالكذبة أو الآخر الموجهة إليه.

تكتيك اجتماعي
ويرى فيلدمان أن أسباب الكذب تتعدد «فنحن نكذب لأن الأمر ينجح دائماً، ولأن من حولنا يريدون أن يستمعوا إلى تلك الكذبات الصغيرة حول مظهرهم وأناقتهم وشخصياتهم، أو حيال مدى موافقتنا لهم في الرأي، وفي بعض الأحيان، نكذب لأننا نحصل على امتيازات تفوق الآخرين، كما أننا نكذب في محاولة لإقناع الآخرين بما نريد منهم تصديقه»، ومع تنوع أسباب الكذب يصفه فيلدمان بأنه «تكتيك اجتماعي» يستخدمه الأفراد للحصول عبره على مبتغاهم. ويعتقد فيلدمان، أن الكذب تطور مع تطور الحياة، وحاجة الإنسان للتعايش، وعلى الرغم من أننا نتعلم الكذب منذ الطفولة المبكرة، فإنه يمكن ملاحظة أن الكذب هو طريقة للعيش والبقاء حتى في مملكة الحيوان، فالحيوانات تكذب بطرق عديدة ومختلفة، مثل التمويه وتغيير اللون والشكل للحفاظ على الحياة وتفادي الموت، كما أن الحيوانات يمكن أن تكذب بطريقة أكثر تعقيداً وذكاءً، فاليراعات مثلاً، تبعث ضوءاً لجذب بقية اليراعات والحيوانات، التي تؤكل في نهاية الأمر، بينما تكذب الحيوانات الأكثر تطوراً وذكاءً مثل الشامبانزي والقردة، التي تقوم بكل أنواع الخداع، وهي طرق مفيدة للبقاء.

عواقب
وبعيداً عن الناحية الأخلاقية والدينية، يرى فيلدمان أن الكذب يعود بالضرر والسلبية على صاحب الكذبة، على الرغم من أن الكذب قد يوفر امتيازات اجتماعية، قد تجعل المرء يفكر «ما الرائع في قول الحقيقة إن كان الكذب يوفر فوائد اجتماعية لي؟»، إلا أن فيلدمان يعتقد أن الكذب تكتيك ذو حدين، «فإن بدأت علاقة بين شخصين وبنيت على الكذب، وهو ما أثبتته أبحاثي، فسيكذب المرء ثلاث كذبات كل 10 دقائق في الساعات الأولى من التعرف إلى الآخر»، إلا أنه يرى أن الكذبات يمكن أن تتطور وتكبر مثل كرة الثلج، مؤدية إلى كذبات أكبر وأخطر، «فعدم الصراحة يمكن أن يؤدي إلى نوع من عدم الأصالة ولبس قناع دائم في العلاقة، وأنا أعتقد أن أغلبنا يحتاج إلى العلاقات الحقيقية الصادقة، فنحن نريد أن نكون صادقين مع الآخرين، ونريد أن نكون دائماً على علم بمكانتنا الحقيقية في العلاقة، وما نعنيه بصدق للطرف الآخر»، موضحاً أنه «إن تعرض المرء للكذب بشكل مستمر، فإننا بذلك نحظى بانطباع خاطئ بماهية العلاقة أو جديتها، أو الطريق الذي تسلكه في النهاية، وفي بعض الأحيان، تقودنا تلك الكذبات إلى تشويش أكبر حول فهم ما نحن عليه، لأننا نحصل على انطباعات كاذبة من الآخرين حيال قدراتنا وسلبياتنا، فقول (أنت تقوم بعمل رائع) قد لا يكون بالضرورة أمراً حقيقياً، ما يعني أننا نقيم أنفسنا بطريقة غير دقيقة، وبناء على كذبة».

وحول أنواع الكذب التي يقدم عليها غالبية الأفراد بشكل عام، يبين فيلدمان، «عندما نكذب، فنحن غالباً ما نحاول بذلك أن نجعلهم يشعرون بشعور جيد حيال أنفسهم»، سواء عبر الموافقة على رأيهم، على الرغم من عدم الاقتناع به، أو إبداء الإعجاب بفستان أو حقيبة يد أو ربطة عنق، على الرغم من عدم جاذبيتها، كما أننا نكذب بهدف تسيير المحادثات بطريقة أكثر سهولة ويسراً، فعندما يذكر شخص مطعماً أو كتاباً قد تكذب وتقول إنك كنت هناك، أو إنك قرأت هذا الكتاب، أو إن الفيلم أعجبك، على الرغم من أنه لم يعجبك .

إضافة إلى ذلك النوع من الكذب يضيف فيلدمان نوعاً آخر، أكثر توجهاً إلى الذات، والذي يهدف إلى تجميل الذات وإظهارها بمظهر أكثر جاذبية وتباهياً، فقد يدعي أحدهم أنه سافر إلى أوروبا، أو أنه كان من المكرمين في تخرجه، حيث يشير فيلدمان إلى أن «أغلبنا يعتقد بأنه لا يقع تحت دائرة معدل الكذب الذي توصلت إليه، وبأننا نكذب لتعزيز معتقداتنا، أو أننا أذكى، أو أكثر مهارة، أو أفضل في قيادة السيارات، كل تلك الكذبات الصغيرة أو الآراء غير الواقعية عن الذات، هي المحرك الذي يعيننا على مرور اليوم بسهولة، وهي ببساطة آلية نستخدمها لتعزيز وحماية مظهرنا الخارجي ونظرتنا عن أنفسنا».

تويتر