الثلاسيميا.. مرض يحتاج إلى المساندة الاجتماعية

العناية النفسية مهمة لتقبل المرض.                      تصوير: زافيير ويلسون

يعد مرض الثلاسيميا من أكثر الأمراض التي تسبب معاناة للمرضى بسبب نمط العلاج المستمر والمتمثل بالحاجة إلى نقل الدم بصفة دورية، أي مرة كل أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، بالإضافة إلى الحاجة لتقليص نسبة الحديد في الدم من خلال الحبوب أو الإبرة التي توضع تحت الجلد لمدة 12 ساعة يومياً. وما يمكن الإشارة إليه هو الحالة النفسية التي يمر بها المرضى والتي قد تقود بعضهم إلى رفض العلاج والتوقف عن أخذ الدم، لهذا تعتبر النشاطات الترفيهية والمساندة الاجتماعية من قبل المجتمع والمحيطين من أهم نقاط تعايش المريض مع حالته الصحية.

وقالت المصابة بالثلاسيميا سارة البلوشي، «بدأت أشعر أني مختلفة عن غيري من الأطفال عند بلوغي سن السابعة، حيث بدأت وقتها ألاحظ أني أحتاج لزيارة المستشفى كل فترة لنقل الدم، وأني أضع الإبرة تحت الجلد يومياً، وهذا يمنعني من الخروج مساءً أو اللعب كغيري من الأطفال».

وتابعت البلوشي، «انتقلت إلى المعالجة بالحبوب لتقليص الحديد بدلاً من الإبرة، وهذا خفف عني الكثير من المتاعب، وبت أعيش حياة طبيعية، حيث أصبح يمكنني أن أسافر وحدي، وكذلك اليوم أدرس في الجامعة ولم يعد المرض عائقاً لي، لاسيما أني مررت بفترة كنت أرفض فيها العلاج والذهاب إلى المدرسة، بالإضافة إلى أن الدعم الذي تلقيته من المركز والمحيط ساعدني على تقبل المرض».

مصاحبة المرض

أما المواطنة عبير الوالي، فلفتت إلى أن المرض كبر معها منذ الطفولة، وكانت تعاني من الشحوب والاصفرار وفقدان الشهية، لأنها لم تكن مهتمة بالأدوية.

وتابعت الوالي التي لديها إخوة مصابون أيضاً بالثلاسيميا، «بعد فترة عرفت المرض فعلياً وأدركت أنه سيصاحبني طوال العمر، وبالتالي عليّ أن أهتم بنفسي». وأوضحت متابعتها للعلاج بالقول، «كنا نتشارك الألم في المنزل، كما أننا نشجع بعضنا بعضاً على تقليص نسبة الحديد في الدم، وكنا ندخل منافسة لتقليص الحديد»، لافتة إلى أنها في البداية شعرت بأن المرض سيشكل عائقاً في حياتها، ولكن اليوم لا تشعر بأي فرق بينها وبين أي شخص عادي.

من جهتها، أكدت أم محمد أن «الألم الحقيقي يكون عند الأهل، لأن الأطفال لا يعون كثيراً معنى المرض في صغرهم، وبالتالي ليس من السهل على الأهل تقبل الأمر، ففي البداية كان سهلاً تقبل إصابة ابنتي الأولى، ولكني لم استطع تقبل إصابة طفلتي الثانية، كما أنني رفضت إعطاءها العلاج في البداية».

ومارست أم محمد مهنة التمريض في المنزل، فقد كانت تعطي أطفالها الإبر وتشرف على إعطائهم الأدوية بصفة يومية.

من جهته، أكد منسق مركز الثلاسيميا والاختصاصي في أمراض الدم الوراثية، الدكتور عصام ضهير، أن «الثلاسيميا هو فقر الدم الوراثي، وكان يعرف في القدم بأنه فقر دم البحر المتوسط، وذلك بسبب انتشاره بكثرة في المنطقة، ولكن هذا لا يعني عدم وجوده في مناطق أخرى». وأضاف، «هناك نوعان من الثلاسيميا، (ألفا ثلاسيميا) وهو ليس خطيراً، فيما «الفيتا ثلاسيميا» هو الأصعب، كونه يوجد لدى صنفين، المصاب وحامل الصفة الوراثية للمرض، وبالتالي فإن المشكلة الأساسية التي تواجهنا هي مع حاملي الصفة الوراثية للمرض، إذ تملك دولة الإمارات أعلى النسب في حاملي الصفة، الذين تصل نسبتهم إلى 8.5٪ من مواطنين ومقيمين حاملين للصفة».

ولفت ضهير إلى أن معظم الوافدين في الإمارات هم من البلدان التي ينتشر فيها المرض كآسيا وبلاد الشام، لذا فإن المشكلة الأساسية هي في معرفة حاملي الصفة الوراثية، كونهم لا يعانون أية أعراض.

 
نشاطات ترفيهية

 انطلاقاً من أهمية الترفيه في حياة مرضى الثلاسيميا زارت أخير مركز الثلاسيميا في مستشفى الوصل في دبي، رئيس مجلس إدارة مؤسسة تحقيق أمنية الشيخة شيخة بنت سيف بن محمد آل نهيان، حيث قامت بجولة على المركز، عرّفها خلالها الدكتور عصام ضهير إلى الأساليب الحديثة المتبعة في علاج المرضى، موضحاً أهمية العناية النفسية للمرضى، لاسيما الأطفال، إذ من الضروري أن يتزامن نقل الدم الذي يخضع له المريض كل أسبوعين أو ثلاثة مع الترفيه لدعم المرضى وتحفيزهم على الاهتمام بأخذ الدواء ولتجنيبهم الشعور بالمرض والعجز. وقد ترافقت زيارة الشيخة إلى المركز مع العديد من النشطات الترفيهية المخصصة للأطفال، حيث تم إحضار شخصية كرتونية ومهرج إلى المستشفى للترفيه عن الأطفال، كما ختمت الشيخة زيارتها بتقديم الهدايا المقدمة من هامليز للذين كانوا في المركز يخضعون لعملية نقل الدم.

أعراض محددة

ويواجه مرضى الثلاسيميا، وفقاً لضهير، أعراضاً محددة كقلة الحركة وفقدان الشهية، وبالتالي تبدأ الأم بملاحظة هذه الأعراض عندما يكون الطفل في الشهر الثامن تقريباً. ونوه ضهير إلى أن طبيب الأطفال غالباً ما يكتشف انخفاض نسبة الهيموغلوبين من خلال فحص الدم، وبعدها تجرى الفحوص الخاصة بالثلاسيميا، لافتاً إلى أن فحص الزواج منذ عامين بدأ يتضمن فحص الثلاسيميا لمعرفة حاملي الصفة لمنع انتشار المرض.

وأوضح ضهير أن «المأساة الحقيقية تبدأ حين يرفض الأهل تقبل مرض الطفل، وبالتالي فإن عملنا الأساسي يكون مع الأهل بعد تشخيص المرض، لأننا ننقلهم من مرحلة الرفض إلى القبول ليتعايشوا مع أولادهم، وليوفروا لهم العلاج في المنزل، وكذلك يحتاجون لنقل الدم المستمر.

وأضاف أن «تعرض المريض لنقل الدم المستمر يؤدي إلى ترسب الحديد في القلب والكبد والغدد، ما يؤدي إلى تأخر في النمو والبلوغ، وأحياناً قصور في وظائف القلب، وأحياناً يظهر قصور في البنكرياس وبالتالي تصبح لديهم معاناة من مرض السكر، ولهذا يجب أن يخضع المريض لعلاج لتخفيض نسبة الحديد.

وأكد دكتور ضهير أن العمر الافتراضي لمرضى الثلاسيميا كان يحدد بـ 16 سنة، ولكن اليوم لا يوجد تحديد للعمر، لأن المريض أصبح يعيش حياة طبيعية.

وأشار ضهير إلى أهمية الفحص قبل الزواج، ولكن ليس أن يكون قبل الزواج بثلاثة أيام، لأنه غالبا ما يرفض الطرفان إلغاء الزواج، باعتبار أنه تمت دعوة الناس، وقد أُشهر توقيت العرس، وبالتالي ليس من السهل أن يتخلى الخاطب عن مخطوبته ويسبب لها الإحراج، لافتاً إلى وجوب إجراء فحص الثلاسيميا في عمر صغير، وذلك ليتم التأكد من حاملي الصفة. أما بعد الزواج ففي حال كان الثنائي يحمل الصفة الوراثية للمرض، فهناك احتمال بنسبة 25٪ أن يكون الأطفال مصابين، و50٪ أن يكونوا حاملين للصفة، وبالتالي 25٪ أطفالاً أصحاء.

ولفت ضهير إلى أنه «من الناحية الطبية يمكن تشخيص إصابة الجنين في الفترة بين الأسبوع العاشر والأسبوع 16 من الحمل، وعادة في كل العالم إن كان الجنين مصاباً فإنه يُجهض، لذا من الضروري أن تكون هناك جهة موثقة وقانونية في الإمارات تؤكد إباحة أو منع الإجهاض، لأن هناك تناقضاً بين التشريع والقانون، فبعض الفتاوى تبيح إجهاض المصاب، والقانون يجرّمه».

تطور العلاج

وأكد دكتور ضهير تطور علاج ترسب الحديد في الدم، حيث تتوافر اليوم الحبوب التي يجب أن يأخذها المرضى بصفة يومية، بدلاً من وضع الإبرة لمدة 12 ساعة، لافتاً إلى توافر الحبوب في مركز الثلاسيميا في دبي، علماً بأن مشكلتها الوحيدة هي وجود بعض الأجسام التي لا تتقبلها. وكما أشار دكتور ضهير «هناك تطور في علاج ترسب الحديد في الدم، فمركز الثلاسيميا في دبي غيّر مفهوم العلاج، وبالتالي يمكن للأطفال أن يلعبوا أثناء نقل الدم، كما أن الموظفين يتابعون عملهم عبر الإنترنت، وذلك كي نعطي المريض فرصة ليتعايش مع المرض ليعتمد على نفسه». أما المضاعفات التي قد تنتج عن عدم نقل الدم الذي يحتاجه المريض فهي نقصان الهيموغلوبين، كون مريض الثلاسيميا يفقد كل أسبوع غراماً من الهيموغلوبين، وبالتالي يجب أن يبقى معدله فوق 9.5 كي لا يؤدي انخفاضه إلى هبوط في القلب.
تويتر