«غسيل مخ» تهوي بآمـــال «مســــــــرح رأس الخيمة»

حضور فني لافت تمثّل في حرص عدد كبير من الفنانين على حضور عروض ثالث أيام مهرجان دبي لمسرح الشباب، تناقض بشكل صارخ مع تواضع فني ملحوظ على خشبة مسرح ندوة الثقافة والعلوم، كان أبرز ملامح ثالث أيام مهرجان دبي لمسرح الشباب، الذي استقبل أول من أمس شباب مسرح رأس الخيمة الوطني في مسرحية «غسيل مخ»، مستسلمين لقاعدة «أن نحضر المهرجان بأي شكل أفضل ألف مرة من أن نغيب». وتجسدت إشكالات «غسيل مخ» في معظم تفاصيل العمل، منذ اللحظة الأولى التي انكشف فيها المسرح عن ديكور شديد التواضع ومساحة فضاء يشغلها سرير وأريكتان وشنطة سفر، وظهر باب تناقض بلمعانه مع حالات الجمود التي عكستها ملامح الشخوص، فضلاً عن «شنطة سفر» انشغل بها أحد الممثلين الرئيسين الثلاثة الذين حاولوا إيصال الرؤية الإخراجية لمبارك خميس.

صراعات

«السفر» بشقه السلبي في معادل موضوعي لمواقف التخلي عن المسؤولية، سواء كانت تجاه الوطن أو الأهل او حتى الذات، هو ما أراد خميس الخوض في دقائقه، عبر الغوص في أعماق صراعات شخوص ثلاثة، وليس الشخصية الوحيدة صاحبة قرار السفر فقط وهو «نبيل» الذي أدى دوره الشاب ماجد الصوري، الذي تمسكت بوجوده أخته الوحيدة «مريم»، وخال بدا جسدياً ونفسياً عاجزاً عن ردع جموح ابن أخته اليتيم، على الرغم من تأكده من أن انحرافات سلوكية خطيرة تقف وراء رغبة أحد أفراد الأسرة في تعميق الإحساس بالفقد الذي تعيشه أصلاً جراء حالة اليتم المعاشة. وكان التأكيد على تفصيل ما أحد أدوات خميس الناجحة، فالأسرة اليتيمة تتعرض لفرض مزيد من مشاعر الفقد في سفر شابّها الوحيد، والانحراف السلوكي لـ«نبيل» ممتد بدرجات متفاوتة لدى الخال، وحتى هذا الانحراف موجود أيضاً في شخصية ثانوية هو «سعد» صديق نبيل. وعندما بدأت خيوط الحدث في التكشف، آثر المخرج إيصال المشهد النهائي لنا عبر حوارات شارك فيها عدد غير قليل من الممثلين الذين أدوا أدوار رجال الأمن، على الرغم من عدم واقعيته، على أن أسلوب خميس في التأكيد على رسالته كان مفيداً من ناحية وضوحها. وقد تحول هذا الوضوح في مفاصل كثيرة إلى نمط خطابي واختزال لخلاصة مواقف، بصيغة يكاد الممثل يتوجه عبرها بشكل مباشر إلى الجمهور، في وقت الذي لم يستثمر المخرج أحداث مثلت ذروة تطور الحدث المسرحي، مثل اعتداء نبيل المصر على السفر على خاله وأيضاً أخته، ما شكل إخفاقاً أيضاً لعنصر الموسيقى التي جاءت تلفزيونية أكثر من كونها مسرحية، تحملنا داخل الدلالات النفسية العميقة للشخوص، في مواقف بعينها، وحتى الملمح الكوميدي الوحيد في «غسيل مخ» الذي كان عبرمقولات لفظية للخال، لم يتم الاشتغال عليه بشكل جيد، وجاء على نحو مصطنع ولّد مزيداً من الانفصال بين الممثلين والجمهور الذي كان شديد التفاعل مع أي إشارات كوميدية في المسرحيتين اللتين استضافتهما الخشبة نفسها في مستهل المهرجان.

ويحسب للمخرج في السياق اختياره موضوعاً على تماس مباشر بالشباب، وهو «السفر»، ومحاولات ما سماه بـ«غسيل المخ» من قبل آخرين لا يريدون خيراً بهذا المجتمع، فيسعون إلى إيقاع الشباب في حبالهم الخطرة، وبشكل خاص في ما يتعلق بالمخدرات التي أتى على ذكرها بشكل صريح في العمل الذي تأثر كثيراً بسرعة إنجازه من أجل اللحاق بعروض المهرجان.

وكانت عيون مؤسسة دبي للإعلام حاضرة في متابعة العرض الدرامي عبر المخرج والمنتج حسين المناعي الذي اصطحبه أيضاً الزميل سعيد الشقصي، وأكد الأول أن هناك حالة تدقيق شديدة في ما يدور على خشبة مسرح ندوة الثقافة والعلوم في أثناء مهرجان دبي لمسرح الشباب، من أجل توفير الفرصة للعناصر الأكثر إجادة في أن تكون حاضرة بما يتلاءم مع إمكاناتها الفنية في أعمال تلفزيونية مقبلة لـ«دبي للإعلام»، مؤكداً أن عمله يتشارك مع أعمال لجان أخرى، تسعى إلى رفد ساحة الدراما المحلية بجهود الموهوبين الجدد، لافتاً إلى أن «مؤسسة دبي للإعلام» هي الشريك الإعلامي الحصري للحدث.

ندوة

وغابت عن الندوة التطبيقية التي أدارها خليفة التخلوفة مؤلفة المسرحية إلهام إبراهيم بوخليف، ونوه التخلوفة بأن الغياب لظروف شخصية، وفضل المخرج مبارك خميس الانسحاب عقب تلقي مداخلات من الحضور، مكتفياً بتوجيه كلمة شكر مختزلة لفريق عمل المسرحية .

ولم يمنع الانتقاد الحاد الذي ألمح التخلوفة إلى أهمية عدم اللجوء إليه مع «غسيل مخ» الفنان مرعي الحليان من تأكيده على أن «الندوة التطبيقية يجب أن تناقش بصراحة شديدة إيجابيات وسلبيات العمل، من دون أن تكون مجرد عبارة (ما قصرتم) هي الثمرة الوحيدة للآراء». وأكد أن مسرح رأس الخيمة الوطني وقع تحت ضغوط كثيرة من أجل الاستجابة لحرص هيئة دبي للثقافة على وجوده في الحدث المهرجاني، وأبدى ملاحظات نقدية حول التمهيد للحدث المسرحي، ومشكلات توظيف الإضاءة على نحو يوحي بالزمن المسرحي، فضلاً عن عدم واقعية بعض الأحداث، مثل مشهد دخول أفراد الأمن واقتحامهم المنزل بسبب قضية خطيرة تتعلق بالإتجار في المخدرات، من دون أن يكون سلوكهم منسجماً مع خطورة القضية، وهو أمر رده إلى نقص المعلومات لدى المخرج الذي حرص على الشد على يديه وفرقته في الوقت نفسه .

وحرص الناقد يحيى الحاج على التأكيد على دور مسرح رأس الخيمة الوطني في رفد الساحة المسرحية بدماء جديدة، وكان هناك تنويه نقدي مهم بأن العمل ثمرة تبرع من كامل أعضائه الذين لم يتقاضوا أي مقابل مادي، نظير اشتراكهم في «غسيل مخ». واعتبرت الفنانة الصاعدة فضة أن بعض المشاركات الأدائية جاءت ضعيفة، وجاءت على ما يبدو لمجرد الاشتراك في الحدث المهرجاني.

و في المقابل، أبدى المخرج محمد صالح والناقد المسرحي ناجي وناس، إعجابهما بالعمل، وبشكل خاص، في ضوء سياقيه الإبداعي والاجتماعي. وكانت أبرز لاحظات الدكتور محمد يوسف حول مزيد من تحري الدقة في ما يتعلق بالسياق البصري، والحرص على إقناع المشاهد بواقع ما يدور على الخشبة. وأوضح أن العمل في حال شمله بخبرات وتوجيهات مخضرمي مسرح رأس الخيمة سيخرج على جمهوره بسوية فنية أفضل بكثير من التي ظهر بها في عرضه الأول. وأشاد رئيس المهرجان عمر غباش بحرص المخرج المستمر على المشاركة في المهرجان، ولفت إلى أن عنصر الإضاءة اقترب من مفهوم الإنارة، أكثر من كونه إضاءة فنية. وأشار أيضأً إلى إشكالية المباشرة الشديدة في الطرح التي وقع فيها العمل .

 
لقاءات خاصة

ليست هنا سجادة حمراء، أو ممثلون يشترطون إقامة فندقية خاصة تتبعها «مكافآت» لا يُعلن عنها.. ورحلات تسوق وسياحة واستجمام تبعدهم عن التواصل مع حضور الحدث المهرجاني، بل عرض فني يتلوه لقاءاتثنائية وثلاثية وأكثر، يتطرق فيها المنتمون إلى الوسط المسرحي لأحاديث كثيرة، يتعلق بعضها بعروض الشباب، وأخرى حول أدوار يرشح لها بعضهم في الأعمال التلفزيونية الحديثة، أو حتى تتجه بعضها لمناحٍ أكثر ذاتية، لكن سياقها العام كان بأصوات مرتفعة بعيدة عن التي قد تحضر في كواليس المهرجانات السينمائية، وكأن الاختلاف الشديد بين الأداءين المسرحي والسينمائي متبوع أيضاً باختلاف ملامح مهرجانات كل منهم.

الحرص الشديد على إبداء الرأيين الفني والنقدي في العمل المسرحي، بعيداً عن إعلاء دبلوماسية التصريحات، والشد على أيدي المتعثر، وإسداء النصح من المخضرمين إلى الجيل الشاب، فضلاً عن الإشادة بالمجيدين منهم، وتبني أعمالهم في المحافل الدولية، مسلك يرصد يومياً في كواليس مهرجان مسرح الشباب، على نحو يؤكد أن حالة الحراك التي تتم الآن على ساحته، في سبيلها لاستيلاد مرحلة أكثر نضجاً ونشاطاً للمسرح المحلي الذي يعد الرافد الرئيس أيضاً للدراما التلفزيونية.



غزلان

تحمل المذيعة غزلان ميكرفون «سما دبي»، وتستثمر أجواء ما بعد العرض للخروج بلقاءات حصرية مع ضيوف الحدث ورواده، من أجل إنجاز تقرير مدته ساعتان يبث يومياً على شاشة «سما دبي»، مستعرضاً يوميات مهرجان مسرح الشباب الذي أنعش خور دبي من جهة الممزر، وتحديداً مسرح ندوة الثقافة والعلوم، بحدث ثقافي يصل يومياً بين المبدع والجمهور والمنتمين إلى الوسط المسرحي في جو استثنائي، بعدما ودع انعقاده في حر أغسطس.

وأعربت غزلان التي تتفرغ لتغطية الحدث عن سعادتها بخوض تجربة التغطية الإخبارية التي تأخذ شكل التقرير اليومي، ولفتت إلى أنها تبذل مجهوداً كبيراً للتوفيق بين مهنية العمل والحرص على عدم تفويت الجانب الخبري، والاستمتاع الذاتي بالعروض اليومية بالنسبة لها وأسرة التقرير في الوقت نفسه.



حمد وعلي



حمد وعلي أصغر فردين يحرصان يومياً على حضور مسرحيات المهرجان، بل ويشاركان أيضاً في فعاليات الندوة التطبيقية، كمستمعين فقط بكل تأكيد، من دون أن يثيرا أي إزعاج، ما ينم عن أنهما على دراية بضرورة وأهمية الإنصات للحدث المسرحي وتحليله.

ووراء الحضور الثابت لحمد وعلي حقيقة أن والدهما هو مدير الفنون الأدائية في هيئة دبي للثقافة ومدير العلاقات الإعلامية في مسرح دبي الشعبي الزميل ياسر القرقاوي . ووالدتهما هي الفنانة فاطمة البلوشي التي كتنت قد اشتركت في بطولة أول فيلم سينمائي إماراتي «حلم».


تويتر