فقدان التواصل بين الزوجــين.. طلاق صامت

انعدام التواصل ظاهرة انتشرت في بيوت عربية. أرشيفية

تتعدد أسباب الطلاق في الدول العربية عموماً، والخليجية خصوصاً، إلا أن هناك من الطلاق ما لا يصل إلى المحاكم أو الجهات الرسمية، بل يبقى صامتا ومخفيا بين جدران الأسرة الواحدة، لأسباب لا يكشف عنها الأزواج إلا بعد وصول حكاية «الأسرة السعيدة» إلى نهايتها «التعيسة»، وعلى الرغم من انتشار الدورات والندوات التي تناقش الحلول التي تعين على تخفيف انتشار تلك الظاهرة في الآونة الأخيرة، يرى العديد من الأزواج أن الاستماع ومناقشة المشكلات والحلول، ليس بصعوبة تطبيقها في الواقع، أو المقدرة على ترجمتها على تجاربهم الخاصة.

وأطلق اختصاصيون وخبراء مسمى «الطلاق العاطفي»، لذلك الشكل الجديد من الانفصال الصامت دون طلاق حقيقي، وهو الناتج عن انعدام التواصل بين الأزواج، والتي وصفها استشاري العلاقات الأسرية خليفة محمد المحرزي بكونها واحدة من «الظواهر الفتاكة في المجتمع، ومرض العصر الخطر الذي انتشر في معظم البيوت العربية خلال العقد الأخير»، مشيرا إلى أنه من المشكلات النفسية والاجتماعية التي تتزايد بشكل واضح في كل المجتمعات العربية.

نصائح

ينصح استشاري العلاقات الأسرية خليفة محمد المحرزي لمعالجة ظاهرة انعدام التواصل بين الزوجين بـنصائح عدة، منها:

عدم الاستسلام لمشاعر الجفاف السلبية داخل المنزل، والإصرار على محاربتها بجميع الوسائل الممكنة لكسر حاجز الصمت الموجود، والمبادرة العاطفية دائماً.

التخلص من أي مشاعر سلبية داخلية متراكمة عبر التفريغ العاطفي والحوار والتحدث مع الزوج.

إدراك دور المشاعر في تعزيز العلاقات الزوجية والحياة الأسرية المستقرة الهانئة، والحرص على استخدام العبارات الإيجابية وكلمات الثناء بشكل دائم.

التعرف بشكل مستفيض الى طبيعة الزوج، ومعرفة كل الجوانب النفسية والتغيرات السيكولوجية.

عدم تجاهل البيئة التي ترعرع فيها الشريك واحتمال عدم تعوده حيث نشأ على التعبير عما بداخله من مشاعر، خصوصاً لزوجته.

الجفاف العاطفي يأتي أحيانا نتيجة لظروف خارجية خارج بيت الزوجية كمشكلات عملية او مادية، وتؤثر في الرجل كثيرا، وأيضا مشكلات داخلية في البيت، وهذا يعتمد على الزوجة، وكيفيه تعاملها مع زوجها سلباً او ايجابياً.

عدم مقارنة الزوجة لحياتها بحياة أخريات فإنها إحدى الممارسات القاتلة التي تقدم عليها الزوجة.

إيجاد نقاط أو محطات مشتركة بين الشريكين، ومحاولة إنشاء طريقة جديدة تتناغم بينها المشاعر والاهتمامات، وتجنب التركيز على سيئات الشريك فقط.

الحذر من معاملة الزوج بالمثل في حال توقفه العاطفي أو توجيه الانتقاد بشكل مباشر فالزوج يحتاج مهما كان إلى الحب والحنان.

إخبار الزوج بشكل مباشر بأن مسؤوليته لا تنحصر فقط في توفير الدعم المادي للأسرة، بل عبر توفير الدعم المعنوي أيضا.

الاستماع بشكل جيد لكلمات الزوج دون مقاطعة، وترك المجال له للتعبير عما بداخله.

الامتناع عن إلقاء التهم على الزوج وتحميله مسؤولية تدهور العلاقة العاطفية.

تخصيص دوائر خاصة بالزوجين يمارسان من خلالها كل أنواع التقارب العاطفي والسلوكي والجسدي، بعيدا عن الدائرة الرئيسة والتي فيها الأبناء وغيرهم، والتي قد تشمل بعض النزهات أو دعوة احدهما الآخر إلى عشاء خاص أو سهرة لطيفة من دون مشاركة أحد.

وعرف محرزي الطلاق العاطفي بأنه «نقص حاد في شبكة العلاقات الاجتماعية والإنسانية بين الأزواج، ما يؤدي إلى فقر في التواصل الاجتماعي والإنساني، حيث تعاني معظم الأسر في مجتمعاتنا من الجفاف العاطفي بين أفراد الأسرة رغم استقرارها الظاهري، ويتضح هذا الفيروس العاطفي بمؤشر بارز وهو وفاة المشاعر العاطفية بين الزوجين، ووجود أفراد في البيوت كالغرباء».

وقام المحرزي بدراسة ميدانية على نحو 80 زوجة و66 زوجاً دام متوسط الزواج بينهم بين ثلاث إلى ست سنوات، بينما كان متوسط أعمارهم بين 24 عاما إلى 35 عاما، وأكد 88٪ منهم وجود «شرخ كبير في الممارسة العاطفية بعد مضي أشهر عدة من الزواج، كما أقر نحو 69٪ منهم بمرور العلاقة العاطفية بمرحلة موت سريري خلال فترة من مراحل حياتهم، وأكد نحو 77٪ منهم الشعور بالروتين والملل العاطفي».

وحيدة في العيد

وقالت سامية.م، (صيدلانية تعمل في احد المستشفيات في دبي، وأم لطفلة): «قضيت العيد وحيدة دون أدنى محاولة من زوجي في مباركتي في العيد»، على الرغم من أنني أحاول جاهدة إرضاءه في كل صغيرة وكبيرة، إلا أنني في الوقت ذاته، أطالب بحقوقي، وأشدد على ما يجب عليه القيام به، من مسؤوليات ومهام»، مضيفة «رغم أنني الزوجة والأم، إلا أنني أسهم في إعالة المنزل أكثر من زوجي، ومع ذلك يرفض تماما التعامل معي بأي شكل من الأشكال، سواء في الحديث، أو تناول الطعام، أو حتى معاونتي في تأدية مسؤوليات المنزل وطفلتنا».

وبينت سامية أن خوفها من فكرة الطلاق ليست بسبب خوفها من خسارة المعيل، كونها تسهم ماديا بالشكل الأكبر، موضحة «فكرة الخسارة بحد ذاتها ما يؤرقني، فأنا يمكنني بكل ثقة وصف نفسي بالزوجة المثالية، ولا أجد تصرفات زوجي معي منطقية، الأمر الذي يزعجني كثيرا، إلا أنني أبحث في عملي عن سلواي وعقاري المهدئ بعيدا عن موت علاقتي الزوجية».

الهجران العاطفي هو أيضا ما تعانيه أم علي من حتا التي قضت عيدها بعيدا عن زوجها الذي فضل أن يقضي عيده وحيدا خارج الدولة، بعيدا عن زوجته وأطفاله، بينما تؤكد أم علي أن العيد، «هو كسائر أيام العام، الذي أفتقد فيه وأطفالي الأب والزوج، ورب الأسرة المحب، فأنا ورغم زواجي أمام المجتمع وأسرتي وأسرته، إلا أنني أشعر فعليا بأنني مطلقة ووحيدة».

وقالت أم سالم «لو كنت مطلقة بالفعل، لشعرت بنوع من الارتياح كوني تمكنت من كسر ذلك القالب وحصلت على حريتي، على الرغم من أنها حرية قد لا أتمكن أو أرغب في ممارستها، بسبب المجتمع ونظرته، إلا أنها أفضل من شعوري المستمر بالوحدة الشديدة رغم ارتباطي بزوج حاضر غائب، وانتظاري الدائم له، وتوقعاتي المحطمة بتكرار أمام قسوة صمته وبعده»، مشيرة إلى أنها كانت سابقا تواجه إهماله وصمته بالصراخ والانفعال، مضيفة «انني الآن لا أجد مني سوى الصمت مقابل الصمت، والمزيد من البعد مقابل هجره لي».

الحقيقي أفضل

وأوضحت الاختصاصية النفسية سلمى نفوش من مركز ويلنيس الصحي في دبي، أن «اختصاصيين يسمون هذه الظاهرة من الطلاق، بالطلاق الصامت أو العاطفي»، مشيرة إلى أن الطلاق الحقيقي، أوضح من العاطفي، «فالأخير يدمر العلاقة ويميتها تدريجيا بالظنون والأفكار السلبية المتراكمة، بينما تكون الحياة وتفاصيلها واضحة في الطلاق الحقيقي»، إلا أنها في الوقت ذاته ترى أن الأزواج قد يتمكنون في الطلاق أو الانفصال الصامت أو العاطفي، من محاولة الإصلاح وإعادة الحياة إلى زواجهم، بعكس الطلاق الحقيقي.

وأضافت لـ«الإمارات اليوم» ان «الطلاق الصامت هو علامة من الزوج لزوجته أو العكس بأنها قامت بفعل جعله يقطع علاقته بها بطريقة لا تؤذيها أو تؤذي أطفالها، وفيها يعيشان معاً، ولكن لا حديث بينهما، ولا يدور بينهما أي أمر، مجرد وجود شكلي له»، وهو الأمر الذي توضح نفوش بأنه يخلق حاجزا نفسيا بين الطرفين، وغالبا ما تتفاوت ردود أفعال الزوجات أمام هذا الصمت والهجر التواصلي من قبل الزوج، سواء بالسكوت والكتمان، أو بالمصارحة، وهما الطريقتان اللتان تزيدان من البعد بين الزوجين، التي يمكن أن تصل في نهاية المطاف إلى الانفصال الرسمي.

ورأت أن هذه الحالة من الصمت بين الزوجين «تؤجج من المشاعر المتضاربة بين، خوف من خيانة الزوج، أو نية الطلاق المبطنة، أو الملل وعدم الرغبة في التواصل، ما يؤدي إلى المزيد من الافتراضات والتكهنات السلبية، من طلاق واقعي يتسبب في تشرد الزوجات والأطفال، إضافة إلى نظرة المجتمع الشرقي للمطلقة».

مؤشرات

وتتجلى ظاهرة الطلاق العاطفي برأي استشاري العلاقات الأسرية خليفة المحرزي في مؤشرات عدة، من أهمها «البعد عن الآخر بكلمات تثير العاطفة وعدم تداولها بشكل مستمر، والشعور بالملل نتيجة الروتين اليومي، ونمو مشاعر الإحباط وعدم الرضا التي يشعر بها كل طرف وإيجاد بديل عاطفي آخر وانشغال كل فرد من أفراد الأسرة بأموره الشخصية، وضعف التواصل الاجتماعي والعاطفي بين أفراد الأسرة، وعدم وجود أهداف مشتركة».

وأضاف أن لكل زواج مشكلاته ومعاناته من «هذا المرض المستشري، والذي تتفاوت شدته وحدته بتفاوت درجات الجفاف العاطفي»، والذي يفسره بافتقار الفرد لجانب من جوانب العلاقات الاجتماعية بدرجة بسيطة أو متوسطة «ينتهي بمبادرة بسيطة من الشريك، أما الأشد فهو الجفاف العاطفي الحاد، ويعني افتقار الفرد الشديد للعلاقات الاجتماعية والتواصل الاجتماعي الإيجابي مع الآخرين»، وهي النوعية التي يرى المحرزي أهمية «تحويلها إلى العناية المركزة من المستشارين الأسريين لإنقاذ ما يمكن تداركه، وهناك حالات زوجية انتهت فيها تقريبا المشاعر العاطفية بشكل نهائي».

ويعزو المحرزي السبب في استفحال هذه الظاهرة إلى الانشغال بالأمور العملية أو الأمور النفسية التي يمر بها الشخص «كالزوجة التي تنشغل بأبنائها أو زياراتها لأهلها ورفيقاتها، والزوج بعمله وأصحابه، خصوصاً مع غياب الثقافة الزوجية»، حيث يعاني الكثير من الأزواج ما أسماه بالأمية الأسرية، وعدم وجود دورات تربوية، وغياب أهداف للزواج أو عدم وضوحها وعدم تحمل أحد الزوجين المسؤولية، وعدم الاهتمام بالطرف الآخر وتجاهل مشاعره، والجهل في الاهتمام بتربية الأبناء وغياب الثقافة الجنسية وتراكم المشكلات الزوجية دون حل حتى يشعر الطرفان بثقلها وبروزها في حياتهم إلى جانب العلاقات العاطفية المتعددة والتي تلعب الدور الرئيس في توقف المشاعر بين الطرفين.

تويتر