المهارات الاجتماعية للطفل.. مؤشر لنجاح مستقبلي

للأطفال حياة اجتماعية خاصة بهم. أرشيفية

تعتبر المهارات الاجتماعية والقدرة على الاندماج مع الآخرين والتفاعل معهم بمرونة وفاعلية من الصفات الإيجابية المهمة التي عادة ما تُعد المحك الرئيس لحياة أفضل للإنسان، سواء في الطفولة أو في الحياة الشخصية عامة، وفي الحياة العملية خاصة، ما يجعلها أحد المواصفات التي بدأت الدراسات في التركيز عليها وتطويرها لدى الأطفال.

وكشفت دراسات عدة عن أن أفضل الطرق للتنبؤ بمدى تكيّف الطفل في المستقبل مع حياته ونجاحه فيها، لم تكن نتائجه في اختبارات الذكاء، أو معدل نجاحه العلمي، بل هي عبر مدى مرونته وقدرته على الاندماج مع الآخرين، لتتحول إلى المؤشر الأفضل للتنبؤ بنجاح المرء في حياته المستقبلية.

وبينت مديرة مركز «شايلد كير» في دبي، سامنثا راولي، أن تعلّم المهارات الاجتماعية يبدأ منذ الولادة، وقالت «نحن نولد اجتماعيين، مع الحاجة للتفاعل، حيث يبدأ الأمر مع الطفل عبر تواصله واندماجه مع والديه، ليوسع هذا التواصل الاجتماعي حتى يصل إلى إخوته وأقرانه وأصدقائه أثناء اللعب، وتدريجياً بعد دخوله إلى المدرسة، حيث يتحول إلى جزء من مجتمع كبير».

علاقات إيجابية

وعرفت راولي الكفاءة الاجتماعية بأنها «القدرة على تكوين علاقات إيجابية مع الأفراد، والارتباط والالتزام مع الآخرين بشكل جيد، كما تتضمن القدرة العاطفية على التعاطي مع السلبيات والإيجابيات في الحياة»، وأوضحت أن هذه المهارات يتم تعلّمها مع الوقت، وتحتاج إلى زمن حتى تنضج وتتطور بالشكل الصحيح، كما أنها تتغير مع مرور الزمن على حياة المرء.

وكشفت دراسة أسترالية، أخيراً، عن أن للأطفال الرضع حياتهم الاجتماعية الخاصة بهم التي يستمتعون خلالها بالتفاعل الاجتماعي الجماعي، بالفاعلية والنجاح الذي يتفاعلون فيهما مع أمهاتهم، وهي الدراسة التي ترأسها البروفيسور في علم النفس، بين برادلي، من جامعة تشارلز سترت في أستراليا، التي يعتقد بأنها يمكن أن تحقق ثورة في المبادئ الأساسية التي تقام عليها مراكز رعاية الأطفال، إذ قام برادلي وفريقه بمراقبة أربع مجموعات لأطفال يبلغون تسعة أشهر، في كل من نيو ساوث ويلز وبريطانيا، ووجد الفريق أن الرضع لهم «دماغ اجتماعي» لا يركز فقط على أمهاتهم، بل على الحياة الاجتماعية في الجماعات من أقرانهم أيضاً.

وخلال فترة الدراسة والمراقبة استطاع الفريق ملاحظة قدرة تواصل الرضيع الواحد مع أكثر من طفل واحد آخر في الوقت نفسه، كما أظهروا مشاعر مثل الغيرة، والكرم، والشمولية، وقال برادلي ان «الأطفال يطورون تفسيراتهم ومعانيهم الخاصة بهم عبر التفاعل الجماعي مع أقرانهم، كما يمكنهم أن يلاحظوا إن كان أحد أعضاء المجموعة يتصرف بطريقة مختلفة عن البقية، ليبدأوا بأخذ أدوارهم في الجماعة، على سبيل المثال، دور القائد أو التابع»، موضحاً أن الطفل الذي لديه أم تعاني الكآبة والحزن عادة ما يميل إلى الانسحاب والانعزال، إلا أنه وبعد وضعه مع مجموعة من الأطفال الآخرين ستجده يتفاعل ويندمج كحال أي طفل آخر».

تواصل عاطفي

وأكدت راولي صحة هذه الدراسة، وقالت «عادة ما تلاحظ ما يبدو تواصلاً عاطفياً بين الأطفال، يتطور في ما بين بعضهم بعضاً، فمن بين الحالات التي تابعتها الطفلة مثلاً الطفلة جويل البالغة من العمر 10 أشهر، وإيزابيل البالغة من العمر 11 شهراً، اللتين عادة ما أجدهم تمسك كل واحدة منهما بيد الأخرى خلال تناولهما للطعام». وأضافت أن الرضع «يظهرون الغيرة بالتأكيد، فغالباً ما نلاحظ سلوكيات تدل على ذلك في مواقف معنية، ينتج عنها دفع أو لمس، أو تقليد طفل لآخر».

وأفادت بأن سلوكيات الطفل تتفاوت وتتأثر بعدد من العوامل، منها «الخلفية الحضارية، والأنماط والعادات العائلية، بالإضافة إلى شخصية الطفل أو مزاجيته، وأحداث معينة تحدث في حياته، وهي جميعاً تحدد مدى مهارة الطفل اجتماعياً».

ولفتت إلى أن هناك عدداً من المعايير التي يجب على الأم ملاحظتها في الطفل، وأسئلة يجب أن تطرحها على نفسها، من أهمها «مدى إظهار الطفل للتعاطف، ومدى تعاونه مع الآخرين، ومدى تعبيره عن احتياجاته والدفاع عن نفسه، ومدى إظهاره للاهتمام لما يجري حوله من أحداث، وتعلمه عادات اجتماعية جماعية، وقدرته على أن يكون جزءاً من مجموعة، وقدرته على حل المشكلات كجزء من مجموعة».

وأضافت سامنثا راولي أن من بين الأمور التي يجب على الأم الانتباه إليها في طفلها «إظهاره لحس الاستقلالية، ومدى تقبله وتعامله مع الرفض أو سلبية الآخرين، أو المشكلات، بالإضافة إلى حسّ المسؤولية لديه، وقدرته على التحكم الذاتي، وقدرته على تهدئة نفسه وتخفيف التوتر عنها»، مشيرة إلى أن المشكلات الاجتماعية عادة لا تظهر إلا بعد دخول الطفل إلى المدرسة، حيث يمكن ملاحظة مهاراته الاجتماعية عبر مدى تكوينه للصداقات، وتقبله لأقرانه وتقبلهم له، التي تعد أمراً مهما خلال فترة الدراسة.

تويتر