العكشة: مشروع توثيق البتراء يطيل عمرها

طلال العكشة المختص في الكيمياء حائز على جائزة رولكس عن مشروعه. من المصدر

تُعد البتراء من المواقع السياحية المهمة في الأردن التي تجذب السياح من مختلف أنحاء العالم، لتميزها ولتمثيلها حضارة صقلت بالصخر، وحافظت على تميزها على مر السنين، وحازت المرتبة الثانية بين عجائب الدنيا السبع. وأمام العناصر الطبيعية كالرياح والأمطار والزلازل والفيضانات التي تهدد وجود مواقع أثرية عالمية، حذّر الأستاذ الجامعي الدكتور طلال العكشة، الذي حاز جائزة رولكس عن مشروعه الذي يتمثل في توثيق البتراء من اجل حمايتها، من تحول المدينة التاريخية الى جبل من الرمل، بفعل تأثيرات الطبيعة وتسرّب المياه المالحة إلى صخور في هذا المعلم التاريخي المهم، مؤكداً ان التوثيق يفيد في أعمال الصيانة التي تطيل عمر البتراء، كما انها تساعد على ترميم أو إعادة بناء المعالم في حال تم فقدان بعضها بسبب عوامل الطبيعة.

أسباب ودوافع

وقال العكشة عن سبب اختياره العمل على موقع البتراء «إن تميز موقع البتراء، وإتقان النحت في الصخر فيه، يعتبر من المناظر المذهلة التي جذبتني كثيراً، وعلى الرغم من جمال الموقع إلا أن هناك خطراً عليه من تأثير الطبيعة، كالرياح والأمطار والزلازل والفيضانات الموسمية»، مضيفاً أن تلك التغيرات يمكن أن تؤثر في البتراء، وتفقد المعلم التاريخي بعض جماله مع مرور السنين.

وأوضح أن «تأثير هذه العوامل يكون بطيئاً، لذا تشكلت لدي قناعة بأنه يمكنني المساهمة في دراسة البتراء، وكيفية الحفاظ عليها، على الرغم من اني كنت مدركاً منذ البداية ان الدراسة تحتاج الى اختصاصات كثيرة ومتنوعة تتعدى اختصاصي الذي هو الكيمياء». وهذه القناعة دفعت العكشة إلى «إجراء اتصالات مع جيولوجيين وعلماء آثار، وإلى البحث عن التمويل اللازم للتوثيق، ما جعل سير العمل متقطعاً».

وأضاف عن الأسباب الأخرى التي دفعته الى القيام بالمشروع «شعرت أن الاختصاص الذي تخصصت فيه وهو الكيمياء وتفاعل الضوء مع المادة، ليس له الأثر الكبير في بلدي، وبالتالي عندما زرت البتراء شعرت ان العمل على توثيقها سيكون اكثر إفادة». وبين أن «هناك أيضاً سبباً شخصياً بحتاً، اذ انه عندما اعيد اكتشاف البتراء مع الرحالة السويسري، ظهر ان هناك فئة من الناس كانوا يسكنون ضيعا قريبة من البتراء ورحلوا وتركوا هذه القرى الى الشمال، واجدادي هم من هذه المنطقة، وهذا يمثل بالنسبة إلي العودة الى الجذور».

وشرح العكشة كيفية حدوث التغيرات التي ستتعرض لها البتراء، قائلاً «إن الصخر مكون من مسام، وحبيبات مجموعة مع مواد إسمنتية، وهذه الأحجار تختلف خصائصها باختلاف عجينتها، وأحجار البتراء تتميز بوجود الكثير من المسامات داخلها التي تسمح بدخول المياه الى الحجر، ما يؤدي الى إذابة الأملاح، ما يضعف الصخر».

وذكر أن المياه التي تتنقل في الصخر «تتبخر او تتجمد حسب عوامل المناخ، ما يضعف الصخر. وأن هذه العملية تحتاج الى آلاف السنين، وعلينا ان نتوقع تحول البتراء الى جبل من الرمل»، لافتاً إلى أن «الطبيعة قوية ولا يمكننا ان نتحداها، لذا فعملنا الأساس يكون بالمحافظة على هذه الصخور لمدة أطول، علماً بأنها مهمة صعبة جداً».

خطوات المشروع

وأوضح العكشة أن لمشروعه خطوات عدة، ويحتاج إلى دعم وعناصر مدربة، موضحاً أن «عملية الصيانة والترميم تتطلب دراسات علمية وتوثيقا لتوفير المعلومات المهمة للبدء بعمل الصيانة التي هي ليست بالأمر السهل في موقع يتوافر فيه بين 2500 و3500 معلم».

وقال «تحتاج الصيانة الى عنصر بشري مدرب بشكل جيد، وجمع المعلومات المتوافرة في مكان واحد، يسهل على الباحثين الحصول على المعلومات للقيام بأعمال الصيانة؛ كون التوثيق مطلبا رئيسا لذلك». وشبّه المشكلات التي تتعرض لها الصخور بالمرض داخل الإنسان «فكما ان المرض يتطلب التشخيص، ثم الفحوص بعدها العلاج، كذلك الحجر، إذ يجب البدء بالقياسات وجمع المعلومات قبل اخذ اي اجراءات خاصة بأعمال الصيانة».

وشرح العكشة الدور الذي يؤديه التوثيق «ويتعدى جمع المعلومات ليمتد الى حفظ الذاكرة والمحافظة على التراث والتاريخ، ويضع الاصبع على الخلل، بالإضافة إلى انه يفيد في إعادة بناء ما نفقده في حال تم فقد أي معلم». مضيفاً أن عملية التوثيق «تساعد على رسم الخرائط التي ترشد السائحين الى الأماكن الخطرة التي لا يمكنهم زيارتها وحدهم».

وقال عن إمكانية أن يتعدى مشروع التوثيق إلى الدخول في مجال أعمال الصيانة «هذا وارد؛ كوني أنجزت توثيق 2500 معلم، وبالتالي اعتقد انه يتبقى لدينا بين 500 و1000 معلم، لذا علي استكمال هذه العملية اولاً»، مشيراً إلى أنه سيتم وضع المعلومات على الموقع الإلكتروني.

وأضاف عن الخطوات اللاحقة «أخطط للبدء بقياس نسبة الأملاح داخل الصخر، لأن الملح مع الماء هو الذي يؤدي الى الخراب، لذا عليّ أن اتابع هذه المهمة، بالإضافة الى أني سأعمد الى التوثيق بالأبعاد الثلاثية، كي نتمكن من قياس المعلم وتصوير كيفية اعادة بنائه بأقرب صورة ممكنة للشكل الذي كان عليه حين بني للمرة الأولى».

الجائزة

ولفت العكشة الى ان «الحصول على إحدى جوائز رولكس الأولى يعطي المشروع صدقية، ويفيد في اكمال المشروع من خلال المال». وقال عن التجربة التي خاضها، وعن الذي يعيشه اثناء العمل، «أشعر بالمتعة التي تشعرني كأنني سائح دائم في بلدي، وهذا يزيد من متعة العمل، ويفهمني الحضارة أكثر».

ورأى أن الصعوبات التي يواجهها تتلخص في «عدم قدرة الشخص او الفريق ايفاء البتراء حقها، كون هذا المعلم كبيراً جداً وليس سهلاً ان يعمل عليه، او يصل الى فهم كامل لحقائقه وحده».

مدينة صخرية 

تعد البتراء من المواقع السياحية المهمة ليس في الأردن فحسب، بل في العالم. واسمها مستمد من طبيعتها، فهي مدينة كاملة منحوتة بالصخر الوردي اللون، وبتراء تعني الصخر في اللغة اليونانية، وبنيت على يد الانباط عام 400 قبل الميلاد. وبالقرب منها يوجد جبل هارون والينابيع السبعة التي فجرها النبي موسى حين ضرب الصخر بعصاه.

تويتر