«الإدمان التلفزيوني».. متعة وقــــتية تعقـبها كآبة

كثرة مشاهدة التلفزيون تلغي أنشطة أخرى.

كثيراً ما ترتبط مشاهدة التلفاز بالفترات التي قد يقضيها المرء وحيداً، وعادة ما يلجأ بعض الناس إليه لقضاء بعض الوقت غير المخطط له مسبقاً، سواء خلال تناول وجبة، أو للبحث عما قد يرفّه عن النفس بين ساعات اليوم، أو قبل النوم، ونادرا ما يرتبط بفترات المرح والمتعة مع الآخرين، وبينما يراه بعضهم ملجأ في فترات الوحدة والملل أو الكآبة، يراه آخرون المسبب لها. وأثبتت دراسات عدة أن متعة المشاهدة الطويلة الوقتية تجلب بعدها كآبة طويلة المدى، مشيرة إلى أنها تلغي اهتمامات أخرى في حياة الإنسان، وتحرمه من متع أنشطة حياتية كالقراءة والرياضة والرحلات، وأكد اختصاصيون أن إدمان التلفاز يضر بالفرد ليس على المستوى المعنوي فحسب، بل على صحته بشكل عام. ويعدونه حيلة ومتنفسا رحباً للهروب من واقعهم الذي لا يريدون مواجهته.

بديل مضرّ
وقالت خبيرة العلاج بالطاقة، مهى نمور، إن «كل ما يقوم المرء باستهلاكه، يتحول إلى ذبذبات طاقة حية في جسم الإنسان، ومن هنا تأتي أهمية ما نتعرض إليه، فلا يمكننا ابتلاع كل ما نشتهيه، أو أن نستهلك النظر المفرط من خلال شاشات التلفاز، فكلما زاد الاستهلاك، زادت الطاقة في الجسم وبدأت بأذيته، والتي تعمل بديلا عن حاجات عاطفية، أو جنسية، أو مالية».

وأضافت أن «الاستهلاك المفرط للنظر عامة، سواء عبر مشاهدة التلفاز، أو شاشات الكمبيوتر، أو الكتب، أمر مضر»، مشددة على أن الشخص ينبغي أن يحاول التقليل من المشاهدة، وغربلة ما يود رؤيته، معللة ذلك بأن «كل ما يبصره الإنسان، يتحول إلى جزء منه».

ولفتت نمور إلى أن استهلاك كل شيء بشكل مفرط يؤثر في طاقة الجسم، «فمستهلك أفلام الرعب على سبيل المثال، يعكس عدوانية وطاقة غاضبة فيه، أما مستهلك الرسوم المتحركة حتى التخمة، فيتحول إلى هارب من الواقع».

وقالت اختصاصية علم نفس الأطفال، سميرة يعقوب، إن «مشاهدة التلفاز الطويلة بدأت تشغل الطفل العربي، وتحل محل أنشطة أخرى». ونصحت الآباء بأهمية التقليل من جلوس أطفالهم أمام التلفاز، ولفتت إلى أن «على الآباء تشجيع أطفالهم على ممارسة أنشطة حركية أخرى سواء داخل المنزل أو خارجه، من إقامة رحلات، أو استخدام الألعاب، أو ممارسة الرياضة، أو تنمية الهوايات المختلفة، يدوية أو بدنية كانت، أو عقلية».

وأوضحت أن من الأنشطة التي يمكن أن يشغل بها الآباء أبناءهم «القراءة، والأعمال الروتينية، أو حتى عبر مساعدة الأم، سواء مع الإخوة الأصغر عمراً، أو الطهو سويا، أو تنظيف المنزل وترتيبه، ويمكن تحديد أمسيات لممارسة أنشطة خاصة بالأسرة»، مشيرة إلى ان الأمر لا يؤثر فقط في تعلم الأطفال، بل في حالتهم الصحية والمعنوية أيضا.

وأضافت يعقوب، أن معدلات الأيض والاستقلاب في الجسم، عادة ما تميل إلى الانخفاض أثناء مشاهدة التلفاز، بمعدل أكبر من انخفاضها أوقات الراحة، ما يعني أن «حرق السعرات الحرارية في الجسم يكون بنسبة أقل خلال مشاهدته للتلفاز، مما يحرق خلال فترات الراحة والاسترخاء».

أقل سعادة
وحلل الباحثون في جامعة ميريلاند الأميركية في دراسة طويلة، بيانات المشاهدة لنحو 30 ألف شخص، في محاولة منهم للربط والكشف عن العلاقة بين السعادة ومدى التعرض للتلفاز وبرامجه، وفحصوا حالات السعادة وقلتها لدى الأفراد، عبر استطلاع عام بين عامي 1975 و2006 وتوصل الباحثون إلى أن «الأشخاص الذين يمكن وصفهم بالأكثر سعادة، كانوا أكثر ميلا للأنشطة الاجتماعية، وأكثر نشاطا خلالها، بالإضافة إلى وجدوهم في الفعاليات والأحداث العامة، وكانوا من الأشخاص الذين يقدمون على المشاركة في الانتخابات، وممن يقرأون الجرائد بشكل أكبر».

وفي المقابل، كان الأشخاص الذين وصفوا بالأقل سعادة، «يشاهدون التلفاز بشكل أكبر وبنسبة أعلى، وأكثر وضوحا خلال أوقات فراغهم، وهو ما تمت ملاحظته بشكل كبير من خلال ما سجله الأفراد المستطلعون في يومياتهم التي طلب منهم تعبئتها بما كانوا يؤدونه خلال اليوم».

وبين رئيس الدراسة، البروفيسور جون روبنسون، أن «هذه البيانات المثيرة للجدل، توضح أن التلفاز قد يوفر لمشاهديه، متعة قصيرة المدى، ولكن النتيجة تكون الضيق والاستياء على المدى الطويل»، منوهاً بأن «هناك استطلاعات رأي أخرى أعطت مشاهدة التلفاز درجات رضى قليلة، باعتباره نشاطا غير مرض أو ممتع بشكل كبير خلال أوقات الفراغ».

وأضاف أن «ما يريد المستطلعون قوله إنه على الرغم من أن التلفاز هو مضيعة عامة للوقت ونشاط غير ممتع، إلا أنني رأيت اليوم برنامجا جيدا بالفعل».

متعة قصيرة
وقارن روبنسون بين مشاهدة التلفاز كنشاط خلال وقت الفراغ، والأنشطة الاجتماعية والفردية الأخرى، والتي ترجح كفة تفضيل مشاهدة التلفاز، قائلا «ليس على مشاهدي التلفاز، ارتداء الملابس الأنيقة، أو البحث عن شريك لهم يشاركهم هذا النشاط مطلقا، أو التخطيط مسبقا، أو القيام بجهد أو طاقة أو عمل، أو حتى دفع المال»، ما يجعل مشاهدة التلفاز مزيجا لا يمكن قهره من المتعة الوقتية القصيرة المدى، وما يجعله حائز أوقات فراغ أكثر من نصف الأميركيين.

وبعد تحديد الباحثين لبيانات الاستطلاع وتحديد النواحي التعليمية، والاقتصادية، والعمرية، والحالة الاجتماعية، وعدد من النواحي الديمغرافية الأخرى، تمكن الباحثون من التوصل إلى أن الأشخاص غير السعداء، يشاهدون التلفاز بنسبة أكبر ممن وصفوا بأنهم سعداء جدا، تصل إلى 20٪، وتبقى الأسباب غير واضحة للباحثين حتى الآن، وما إذا كانت السعادة هي السبب وراء قلة أو زيادة مشاهدة التلفاز، أو ان المشاهدة الكثيرة للتلفاز هي التي تؤدي إلى عدم الشعور بالسعادة.

وبينت الدراسة أيضا، أن الأشخاص غير السعداء، كانوا أكثر ميلا لوجود وقت فراغ كبير لديهم، بنسبة 51٪ مقارنة للأشخاص الذين وصفوا بأنهم سعداء بنسبة 19٪، والذين يشعرون بأنهم ليس لديهم ما يكفي من الوقت بنسبة 35٪ مقابل 23٪.

مخدر المشاعر 
قال الباحث في جامعة ميريلاند الأميركية، البروفيسور ستيفن مارتن، الذي كان ضمن فريق حلل استطلاع آراء 30 ألف مشاهد للتلفاز إن «الأنشطة التي يمكن أن تتحول إلى إدمان، أنشطة تولد متعة وقتية، إلا أنها تتسبب بتعاسة وبؤس طويل الأمد»، مشيراً إلى أن «الأفراد الذين يعتبرون ضعيفين أمام الإدمان بشكل عام، يميلون إلى أن يكونوا بعيدين وغير مستفيدين من الأوقات الاجتماعية والشخصية المفيدة والمحببة، بينما يستحوذ التلفاز على رغباتهم، باعتباره الدواء المنوم والمخدر لهم ولمشاعرهم».

تويتر