خمس قواعد بسيطة لتجنّب آلام الظهر
يعاني معظم الناس من آلام الظهر في مرحلة ما من حياتهم. وغالباً ما تخف هذه الآلام خلال بضعة أسابيع، لكن تكرارها قد يكون منهكاً، ويحوّل الأنشطة اليومية البسيطة إلى عبء حقيقي.
ويعود ذلك إلى أن العمود الفقري لا يرتبط فقط بالقفص الصدري وعظام الحوض، بل يتصل أيضاً بشبكة معقّدة من الأوتار والأربطة والغضاريف والعضلات والأعصاب. لذلك، فإن أي خلل في أحد هذه المكوّنات قد يؤدي إلى الشعور بألم في الظهر.
في ما يلي خمس نقاط إرشادية قد يجدها أشخاص من مختلف الأعمار مفيدة للوقاية من آلام الظهر والتعامل معها.
1- علوي أم سفلي؟
من المتوقع أن يرتفع عدد الأشخاص الذين يعانون من آلام أسفل الظهر المزمنة بأكثر من الثلث خلال الثلاثين عاماً الممتدة حتى عام 2050، وفقاً لأحدث نسخة من دراسة العبء العالمي للأمراض، التي أعدّها باحثون من معهد القياسات الصحية والتقييم في كلية الطب بجامعة واشنطن في الولايات المتحدة.
وبحلول ذلك الوقت، سيعاني أكثر من شخص واحد من كل عشرة أشخاص حول العالم من هذه الحالة.
وبحسب الدراسة، لا تتفوّق على آلام أسفل الظهر من حيث العبء الصحي العالمي سوى السكتات الدماغية، وأمراض القلب والرئة، إضافةً إلى السكري والحالات الصحية التي تصيب حديثي الولادة.
ورغم أن أسفل الظهريُعدّ مصدراً أكثر شيوعاً للألم، نظراً لدوره في دعم معظم الحركات وتحمله قدراً أكبر من الضغط، فإن أعلى الظهر - ولا سيما منطقتي الرقبة والكتفين - قد يكون أيضاً سبباً لمعاناة ملموسة لدى كثيرين.
2- التشخيص قبل العلاج
يُعدّ المبدأ الطبي القائم على التشخيص قبل العلاج مهماً بشكل خاص في حالات آلام الظهر، نظراً لكثرة الأسباب المحتملة، وهو ما يعني في المقابل عدم وجود فحص تشخيصي واحد حاسم.
وعادةً ما يسعى الأطباء أولاً إلى استبعاد الحالات التي قد تهدّد الحياة، مثل أمراض المرارة أو الكلى أو بعض أنواع السرطان. وغالباً ما يعتمد التشخيص على الفحص السريري، إلى جانب مراجعة التاريخ الطبي للمريض.
ويمكن لفحوص الدم أن تكشف عن وجود سرطان أو التهابات، قد تؤدي إلى تلف الغضاريف والتسبب في التهاب المفاصل.
كما قد تكون هناك حاجة إلى فحوص تصويرية لمزيد من التأكيد، مثل الأشعة السينية، أو التصوير المقطعي المحوسب، أو الموجات فوق الصوتية، أو التصوير بالرنين المغناطيسي، لفحص المفاصل أو العظام أو الأقراص الفقرية أو الأعضاء أو الأنسجة الرخوة.
وتظهر معظم آلام الظهر على شكل وجع خفيف وتيبّس، لكن تمزّق العضلات أو الأربطة قد يسبّب ألماً حاداً ومفاجئاً. أمّا الألم الذي يمتد إلى الأرداف والساقين، ويصاحبه شعور بالوخز أو الخدر في تلك المناطق، فقد يكون مؤشراً على مشكلة عصبية.
ويمكن أيضاً لاختبارات التخطيط الكهربائي للعضلات، التي تحلّل النشاط الكهربائي في العضلات، أن تميّز بين اضطرابات العضلات واضطرابات الأعصاب.
وينطبق هذا النهج التشخيصي على البالغين والأطفال على حدّ سواء.
وتشرح الدكتورة أرينا ديسوزا، وهي جرّاحة متخصّصة في العمود الفقري عملت سابقاً كطبيبة أطفال في الهند وإنجلترا، وتعمل حالياً في ألمانيا، لهيئة الإذاعة البريطانية ما الذي تبحث عنه عندما يحضر الأهل بأطفالهم للفحص.
وتقول: "الأطفال يقفزون ويتحرّكون طوال الوقت، لذلك أحتاج إلى معرفة: هل تعرّضوا لإصابات خلال هذه الأنشطة؟ هل لديهم عيوب خفيّة في الجهاز العضلي الهيكلي؟ هل يعاني الوالدان أيضاً من آلام في الظهر؟ هل يتّبعون نظاماً غذائياً متوازناً؟"
وتضيف: "سمعنا كثيراً عن آلام النمو في الركبتين والساقين، لكن في بعض الأحيان قد تظهر هذه الآلام في الظهر أيضاً، لأن العمود الفقري لدى الطفل قد يزداد طوله أحياناً بوتيرة أسرع بكثير من بقية العظام."
3- العقل السليم في الجسم السليم
يقول خبراء إن تعافي بعض المرضى قد يتوقف ببساطة بسبب الخوف من عودة آلام الظهر.
ويشرح آدم سيو، مدير مركز داون تو يو للصحة والرفاه في إنجلترا، في حديثه إلى خدمة أخبار بي بي سي العالمية: "القلق من التعرّض للألم مجدداً يؤثّر في ثقة المرضى باستخدام ظهورهم، حتى في غياب أي مشاكل في العمود الفقري أو العضلات. هذا الخوف يجعلهم أقل نشاطاً، وبعضهم يتوقف حتى عن ممارسة الأنشطة التي يستمتع بها".
من جانبه، يقول مارك هانكوك، أستاذ العلاج الفيزيائي في جامعة ماكواري في أستراليا، في حديثه إلى بي بي سي: "بعض المرضى يخشون إلى حدٍّ كبير إلحاق الضرر بظهورهم، فينسحبون من الحياة الاجتماعية. وعندما تجتمع الضغوط الاجتماعية، والقلق من الألم، وتهيج بسيط في الظهر، تتحوّل المسألة فجأةً إلى مشكلة كبيرة جداً. وقد أدّى ذلك إلى اعتماد نهج أكثر شمولية في التعامل مع آلام الظهر".
ويضيف هانكوك: "جميع الإرشادات المعتمدة حول العالم تتحدّث اليوم عن ضرورة معالجة العوامل الجسدية والنفسية والاجتماعية معاً. ويتيح العلاج الوظيفي المعرفي للمرضى التفاعل مع المعالجين لفهم مجموعة العوامل التي تسهم في الشعور بالألم. وبعد ذلك، يمكن وضع خطة تتضمّن حلولاً عملية تساعدهم على العودة تدريجياً إلى الأنشطة التي يحبّونها. وإذا لزم الأمر، يعمل المعالجون مع المرضى أيضاً على إدخال تغييرات على نمط حياتهم".
4- واصل الحركة
إلى جانب الخوف من تفاقم الألم المتكرر، يعتقد بعض المرضى أن الراحة قد تساعد على التعافي. لكن، بحسب الجمعية البريطانية لجراحي العمود الفقري، فإن الحفاظ على الحركة هو العامل الأساسي للحد من آلام الظهر، وتشير جميع الأبحاث خلال السنوات العشر الماضية إلى أن الراحة قد تطيل مدة التعافي.
ويقول آدم سيو: "يتكوّن العمود الفقري، المؤلّف من عظام فردية تعرف بالفقرات، من انحناءات طبيعية في أقسامه المختلفة. وتساعد هذه الانحناءات العمود الفقري على تحمّل وزن الجسم وحركاته. والفقرات الأربع والعشرون العلوية مرنة، وترتبط ببعضها من الخلف عبر مفاصل وجهية، وبين كل فقرة وأخرى يوجد قرص بين الفقرات. ولتجنّب إضعاف هذه البنية الطبيعية ووظيفة القرص في امتصاص الصدمات، من الضروري عدم البقاء في وضعية واحدة لفترة طويلة، سواء الجلوس، أو الانحناء، أو الوقوف".
لكن نمط الحياة الحديث، بما يشمله من أعمال مكتبية، وألعاب إلكترونية، والقراءة، ومتابعة المحتوى عبر الإنترنت، يتّسم في الغالب بقلة الحركة.
ورغم أن الموظفين في المكاتب يمكنهم أخذ فواصل من الشاشات أو استخدام السلالم للحفاظ على النشاط، فإن هذه الخيارات غير متاحة لكثير من المهن الأخرى.
ويضيف سيو: "إذا كنت تقود شاحنة، حاول القيام ببعض تمارين التمدد أثناء الجلوس في زحمة السير. أما عمّال البناء الذين يتعاملون مع رفع الأوزان الثقيلة، فعليهم الالتزام بإرشادات السلامة لتجنّب الإصابات، واستشارة اختصاصيي العلاج الفيزيائي للحصول على تمارين مخصّصة".
5- يمكن أن يسبّب الحمل أيضاً آلاماً في الظهر، حتى في مراحله المبكرة.
فبعد حدوث الحمل بوقت قصير، يزداد إفراز هرمون الريلاكسين، وهو هرمون يعمل على إرخاء أربطة الحوض وتليين عنق الرحم استعداداً للولادة، لكنه قد يؤدي أيضاً إلى إرخاء الأنسجة الضامّة والمفاصل في العمود الفقري، ما يسبّب شعوراً بعدم الارتياح في أسفل الظهر.
ومع نمو الجنين، تواجه النساء الحوامل تغيّرات كبيرة في وضعية الجسم وتوزيع الوزن، إضافةً إلى ضغوط جسدية ونفسية متزايدة.
في ما يلي بعض النصائح التي قد تساعد في تخفيف الألم:
- عند الالتفاف، حاولي تحريك القدمين بدلاً من لفّ العمود الفقري
- ارتدي أحذية تساعد على توزيع الوزن بشكل متوازن
- يمكن لوسائد دعم الحوامل وفرشة نوم جيدة أن تساعدا في الحصول على قدر كافٍ من الراحة
متى يمكن اللجوء إلى مسكّنات الألم؟
يقول آدم سيو: "في المرحلة الأولى، لا بأس بتناول مسكّنات الألم أو الأدوية المضادّة للالتهاب المتوافرة من دون وصفة طبية، للمساعدة على الاستمرار في الحركة. لكن إذا كنت تعتمد فقط على هذه الأدوية لأسابيع عدة أو لفترة أطول، من دون معالجة السبب الحقيقي للألم المستمر، فأنت في الواقع تكتفي بإخفاء المشكلة. للأسف، أرى أحياناً مرضى يتناولون الأدوية منذ سنوات."
ويرى بعض الأشخاص أن تخفيف الإحساس بالألم قد يزيد من تفاقم السبب الأساسي لآلام الظهر، غير أن الجمعية البريطانية لجراحي العمود الفقري تؤكد أن هذا الاعتقاد غير صحيح.
وتقول الجمعية: "يمتلك الجسم ردود فعل وقائية قوية جداً، ولا تؤدي المسكّنات البسيطة إلى إلغائها. ويمكن تشبيه الأمر بعدم القدرة على وضع اليد في ماء مغلي لمجرد تناول مسكّنات عادية، وبالمثل فإن الحركة بعد تناول مسكّنات بسيطة لا تعني إلحاق ضرر بالظهر. وإذا كانت لديك أي مخاوف بشأن تناول هذا النوع من الأدوية، فمن الأفضل مناقشتها مع الصيدلي."
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news