خلال ورشة عمل نظمها نادي دبي للصحافة بالتعاون مع «جائزة المقال الإماراتي»

قيادات إعلامية إماراتية: المقال «رسالة وطنية» تتطلب وعياً سيكولوجياً وتواضعاً فكرياً

«الورشة » أكدت أن المقال الرصين يظل «البوصلة » الفكرية الأهم في عصر تدفق المعلومات. تصوير: دينيس مالاري

نجحت ورشة العمل المتخصصة، التي نظمها نادي دبي للصحافة، بالتعاون مع «جائزة المقال الإماراتي» تحت عنوان: «المقال الإماراتي من الفكرة إلى التأثير»، في إنتاج حراك فكري جديد، جمع كبار رموز العمل الإعلامي في الدولة، لاستعراض أدوات تطوير المقال الإماراتي، والارتقاء به من مجرد فكرة عابرة إلى أداة تأثير مجتمعي وقوة ناعمة عابرة للحدود، حيث أكد المشاركون أن المقال الرصين يظل «البوصلة» الفكرية الأهم في عصر تدفق المعلومات، شريطة أن يمتلك الكاتب أدوات التحليل، والعمق المعرفي، والقدرة على محاكاة وجدان المتلقي.

القوة الناعمة

وفي مداخلة ناقشت الرؤية الصحافية والمسؤولية الوطنية للمقال الإماراتي، قال رئيس تحرير صحيفة «الإمارات اليوم»، إبراهيم شكر الله: «المقال الناجح يتشابه مع الفيلم الناجح في قدرته على توليد شعور وجداني عميق، فلا يمكن أن تنتهي من قراءته دون أن يترك لديك أثراً من الفرح أو التساؤل، أما فكرته فيمكن أن تكون بسيطة، لكن معناها يجب أن يظل عميقاً ومؤثراً».

وشدد شكر الله على ضرورة فهم سيكولوجية المتلقي في مجتمع فريد ومتنوع كدولة الإمارات، موضحاً بالقول: «على الكاتب أن يستوعب المزاج العام لجمهوره المتعدد الثقافات ويتعايش مع اهتماماته ليخلق حالة من الارتباط الوثيق، ويتطلب هذا الأمر طبعاً ثقافة موسوعية تشمل السياسة والاقتصاد والذكاء الاصطناعي، والقدرة على (الإسقاط الذكي) وأستشهد هنا بتجربة الصحافي البريطاني مارتن صامويل، حين ربط خسارة إنجلترا الرياضية في كأس العالم 2010 بتفوق ألمانيا الصناعي والسياسي، ما جعل المقال أكثر تشويقاً وجذباً للاهتمام»، وحول منهجية الكتابة دافع شكر الله عن أهمية وقيمة تبسيط لغة وطروحات المقال، مؤكداً أن «المقال مسؤولية جسيمة، والمؤثر منه هو من يبتعد عن الحشو الإنشائي والعبارات الفضفاضة التي لا تضيف عمقاً، ويعتمد بدلاً من ذلك على الحجج المنطقية والأرقام المقنعة»، لافتاً إلى حيوية التوقيت وقدرة الكاتب على «اغتنام اللحظة أو صناعتها»، مختتماً بتأكيد قيمة التواضع المهني بالقول: «الصحافة تجبرنا على التواضع، والسعي المستمر إلى تحسين أدواتنا والتعلم من أخطائنا، وتوسيع مداركنا بالقراءة النهمة والاطلاع المستمر».

تقنيات الكتابة

من جانبه، استعرض الكاتب والإعلامي الإماراتي، علي عبيد الهاملي، خلاصة تجربته الممتدة نصف قرن، مستعيداً بداياته كهاوٍ على مقاعد الدراسة، وصولاً إلى العمل في كبريات المؤسسات الإعلامية، قائلاً: «طوال 50 عاماً، لم تكن الكتابة بالنسبة لي وظيفة، بل فكرة وحب يسعى الكاتب إلى إيصالهما للقارئ، وإذا لم يقتنع وجداني بالمقال ولم يعبر عن الفكرة بجمال ووضوح، لا أعتبره نصاً يستحق النشر».

وشدد الهاملي لـ«الإمارات اليوم» على قاعدة ذهبية في الكتابة، وهي الرشاقة، قائلاً: «أنا ضد الإسهاب والحشو، وأؤمن إيماناً مطلقاً بأن (إعادة الكتابة) أهم من الكتابة نفسها، فالمراجعة والتعديل ليسا مضيعة للوقت، بل استثمار في صقل الأسلوب للوصول إلى الصيغة الأفضل، إذ يجب أن يكون جسم المقال رشيقاً وجذاباً يغري بالقراءة، والأهم أن تترك الخاتمة أثراً يظل يلازم القارئ مثل ظله حتى بعد الانتهاء منه، هذه هي القوة الحقيقية للكلمة».

وحول واقع الأقلام الإماراتية الشابة، دحض الهاملي فكرة تراجع إقبال الشباب، قائلاً: «أجزم أن عدد الكُتاب الإماراتيين الشباب في صحفنا اليوم يفوق عدد المخضرمين، وتجاربهم ممتازة وواعدة»، مستشهداً بجائزة المقال الإماراتي التي تلقت أكثر من 100 مقال، معتبراً أن «هذا الحجم من المشاركات يدحض ادعاءات غياب الشباب عن المشهد».

حاجة مجتمعية

وفي سياق متصل، أكد الكاتب والإعلامي، محمد الحمادي، أن الكتابة الصحافية ليست مجرد ممارسة ترفيهية، بل حاجة مجتمعية ملحة، قائلاً لـ«الإمارات اليوم»: «عندما تكتب شيئاً يفيد المجتمع، فإنك تقدّم رسالة تهم أكبر شريحة من الناس، هنا تكمن أهمية تواصلنا مع الكُتاب الجدد لنقل تجربة عملية حول كيفية اختيار الفكرة الصحيحة والمساحة التي تجعل المقال مؤثراً ومتصلاً بالجمهور بشكل صحيح».

وأضاف الحمادي، موضحاً دور المؤسسات وتحديات الواقع الرقمي: «الإعلام في الإمارات يحتاج اليوم إلى تشجيع الكُتاب الشباب وخلق مساحات أكبر لتجاربهم، لأن الرأي أصبح مهماً جداً، وإيجاد كُتاب رأي إماراتيين يُمثّل أولوية استراتيجية»، متابعاً: «على الرغم مما يُشاع عن تراجع القراءة بسبب وسائل التواصل، فإن المقال الرصين لايزال يفرض نفسه عالمياً، والجمهور يبحث دائماً عن المقالة المفيدة، لذا نشجع الشباب على استكمال هذه الرحلة الشائقة والبدء من حيث انتهينا نحن».


محطة مهمة

أكد أستاذ العلوم السياسية رئيس مجلس أمناء «جائزة المقال الإماراتي»، الدكتور عبدالخالق عبدالله، أن عقد سلسلة من ورش العمل المتخصصة يُشكّل محطة مهمة في سياق تطوير أدب المقال في الإمارات، قائلاً: «هذه الورشة هي الأولى من نوعها في سياق بروز وتطور المقال الوطني، وتسعى إلى التعريف بالمقال وأنواعه ودوره في صناعة الوعي المجتمعي، وتشكيل الرأي العام تجاه موضوعات وطنية معاصرة»، وأضاف: «تتوجه هذه السلسلة من ورش العمل بشكل خاص إلى المواهب الشابة من طلبة الإعلام والاتصال، والمهتمين بكتابة المقال الصحافي والعمود اليومي، ووضعت الورشة أهدافاً عملية مركزة، من بينها كيفية نضوج فكرة المقال، وإتقان كتابته، وإعداده للنشر، والتدريب على إنتاج كل فقرة من فقراته خلال ورشة العمل بلغة عربية سليمة وواضحة».


منصة استراتيجية

أكدت مديرة نادي دبي للصحافة، مريم الملا، أن الورشة جاءت في إطار جهود نادي دبي للصحافة، والتزامه بدعم المواهب الواعدة، لرفد المؤسسات الإعلامية بكُتاب مؤهلين، قائلة: «مستمرون في سعينا إلى إثراء المشهد الثقافي والإعلامي ودعم تجربة (جائزة المقال الإماراتي) بكتّاب مقال متمكّنين، وكفاءات مؤهلة، تكون جزءاً من النهضة الإماراتية، ومن جهود تعزيز منظومة العمل الإعلامي في الإمارات، وذلك عبر تجربة هذه الورشة وسلسلة من الورش واللقاءات والفعاليات ذات الصلة»، مشيرة إلى أن النادي يعمل مع نخبة من القيادات الإعلامية في الدولة لتقديم نماذج من تجاربهم الحية للشباب من الطلبة والمهتمين بالكتابة الصحافية، والسرد والتحليل والرأي.

تويتر