ألحانه تنبض بـ «العربية» والأمل بين جنبات مكتبة محمد بن راشد

مارسيل خليفة على عوده في دبي: سنظل نغني

صورة

«هل من مكان اليوم للشعر والموسيقى واللغة وسط هذا المشهد المرعب من الدمار والأنقاض والركام؟ وبعد عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى واللاجئين، من يستطيع أن يكتب قصيدة أو يغني، وهو يعيش الموت، فذلك هو الخلاص».. بهذه الكلمات استهل الفنان مارسيل خليفة الجلسة الحوارية الثقافية التي نظمت، أخيراً، في مكتبة محمد بن راشد في دبي تحت عنوان «ألحان تنبض بالعربية»، احتفاء باليوم العالمي للغة العربية الذي يصادف 18 الجاري.

وقال مارسيل، خلال الجلسة التي لم تخلُ من الغناء، حيث عزف الفنان اللبناني على عوده وغنى بعض أعماله الشهيرة، إن «اللغة والشعر هما الخلاص من سوء الواقع وعجز الحقيقة، كل أغنية وقصيدة تكتب الآن هي شمس تعيدنا إلى الحياة وتنقذنا، وهي انتصار على الموت»، مؤكداً أن حضوره الجلسة ينبع من وجود الأمل في هذا الزمن، وكذلك لدعم أهل فلسطين ولبنان.

وألقى في بداية الجلسة الحوارية التي أدارتها الروائية الإماراتية، ريم الكمالي، كلمة تحدث فيها عن اللغة العربية وأهميتها عند أهلها، وكيف عبروا من خلالها عن صور متعددة وتغنوا بالحبيبة، مشدداً على أهمية الشعر في مسيرته، مستدلاً بالعديد من القصائد التي غناها، ومنها «أنا يوسف يا أبي»، و«أندلس الحب»، ليصل إلى «الجدارية» التي أعلن أنه شارف على الانتهاء منها.

وكشف مارسيل عن أن أقرب قصيدة إلى قلبه هي «أحن إلى خبز أمي»، موضحاً أن هذه القصيدة تعنيه كثيراً، لأن أمه كانت الداعم الأول لموهبته، والسبب وراء تعلمه الموسيقى ودخوله الفن، بخلاف أبيه الذي كان يمتلك نظرة كلاسيكية ويريده أن يصبح محامياً أو طبيباً، إذ إن والدته لاحظت موهبته بالموسيقى من خلال الطرق على الطاولة وأواني المطبخ، وأصرت على شراء آلة موسيقية له، ودرّسته عند أستاذ للموسيقى أدرك موهبته، واقترح عليها تسجيله في معهد موسيقي، معبراً بحرقة عن مفارقة أمه الحياة عن عُمر صغير، وقبل أن تسمع القصيدة والأغنية، ولهذا فهي عزيزة على قلبه.

أما أغنية «منتصب القامة أمشي»، للشاعر سميح القاسم، فنوه بأنه لحنها على مقام الرست، لارتباطها بفترة قاسية وهي فترة اجتياح بيروت في الثمانينات من القرن الماضي، وارتأى تقديمها بأسلوب مختلف عن الأغنيات الوطنية التي تلحن كأناشيد عسكرية، ولذا باتت شبيهة بالموشح والأهزوجة، وتحولت إلى نشيد عربي يُغنى في كل الأماكن.

وشكلت العلاقة بين مارسيل خليفة والشاعر الراحل محمود درويش أساساً في مسيرة الأول الفنية، واستذكر علاقته به منذ بدء تلحين قصائده قبل أن يتعرف إليه، مروراً بلحظات لقائه الأولى ومعاتبة درويش له على تلحين القصائد من دون الرجوع إليه أو أخذ الإذن، ونشوء الصداقة بينهما بعد ذلك، وصولاً لوداعه الأخير في عمّان.

وقال مارسيل إنه انتهى من تحضير «الجدارية» التي تشتمل على أكثر من 100 صفحة شعرية وتتضمن عوالم كثيرة، ومنها الحياة والموت، فيما فنياً تشتمل على الأوركسترا والكورال، وحين تقدم على المسرح سيكون فيها نوع من العرض الأدائي، منوهاً بأنه تمت الاستعانة بصوت محمود درويش كراو يدخل ضمن نسيج العمل. ووصف «الجدارية» بالعمل العظيم لقصيدة عظيمة، والتي استغرق إنجازها عامين.

وعن الارتباط بين الشعر والموسيقى، رأى أن القصيدة عندما تتحول إلى أغنية تصبح أقرب إلى الناس، فالجمهور من خلال الموسيقى يردد أغنيات صعبة، كما أن الموسيقى استفادت من جمال الشعر وإيقاعه، فيما الشعر استفاد من الموسيقى بالاقتراب من الجمهور.

وتناول مارسيل جماليات الإرث الخليجي في الأهازيج القديمة، وقال: «هناك تراث في العالم العربي مهم جداً، سواء في المشرق أو المغرب أو بلاد الشام أو حتى الخليج، وقد استمعت إلى الأغاني الخليجية الخاصة بصيد اللؤلؤ، لاسيما التي كانت تغنى خلال انطلاق الرحلة والانتظار والعودة، وهناك تراث غني لم يتم العمل عليه، ويمكن إعادة تجديد تلك الذاكرة الأساسية في هذا المكان، وبالطبع سيتم إنتاج أعمال فنية مبهرة».

وعزف مارسيل خليفة على العود وغنى بعض أعماله الشهيرة، ومنها «يطير الحمام» التي طلب من الحضور مشاركته غنائها، كما قدم مجموعة أخرى من قصائد محمود درويش ومنها «ريتا والبندقية»، و«في البال أغنية» و«أحن إلى خبز أمي»، ولاقت الأغنيات التي قدمها تفاعلاً كبيراً من الحضور، الذين طلبوا منه أداء المزيد من الأغنيات الشهيرة التي مازالت محفورة في الذاكرة والوجدان.


الإحساس الإنساني.. مختلف

قال الفنان مارسيل خليفة إنه لا يخشى تأثيرات الذكاء الاصطناعي في العديد من المجالات، خصوصاً في الموسيقى، مشيراً إلى أنها عمل يتطلب الموهبة، فيما الذكاء الاصطناعي يقوم بابتكار أشياء قائمة على بيانات يمتلكها، ووصفه بالأداة المساعدة في التسجيل والتقنيات، ولكن لا يمكنه تأليف موسيقى وقصيدة تصل إلى الإبداع البشري.

وأضاف أن الخطأ الإنساني جزء أساسي وجميل من العملية الفنية، مستذكراً حبه منذ صغره للأخطاء اللغوية التي دفعته لتطوير لغته، مؤكداً أن الآلات والذكاء الاصطناعي لن يستطيعا أن يحلا محل الإحساس والتصور الإنساني في الفن.

مارسيل خليفة:

• «أحن إلى خبز أمي» أقرب قصيدة إلى قلبي، فوالدتي كانت الداعم الأول لموهبتي.

• كل أغنية وقصيدة تكتب الآن هي شمس تعيدنا إلى الحياة.. وهي انتصار على الموت.

تويتر