أول عازفة تشيلو إماراتية تحمل اسم بلادها إلى المسارح العالمية

إلهام المرزوقي: الجمع بين المحاماة والموسيقى لا يحدث إلا في الإمارات

مسيرة المرزوقي على المسارح العالمية أتاحت لها العمل إلى جانب كبار النجوم. تصوير: إريك أرازاس

من معهد والدتها الموسيقي في أبوظبي، انطلقت إلهام المرزوقي في رحلتها لتصبح أول عازفة تشيلو إماراتية محترفة تمثل الإمارات على المسارح العالمية، وفي الوقت نفسه تمارس عملها كمحامية وهو ما وصفته بأنه «ما كان ليحدث لو لم تكن في الإمارات»، فالجمع بين الموسيقى والقانون والنجاح فيهما لم يكن ممكناً خارج الإمارات التي تتيح لمواطنيها تحقيق طموحاتهم في مختلف المجالات.

وأوضحت المرزوقي لـ«الإمارات اليوم»، أن بدايتها في عالم الموسيقى كانت مع آلة البيانو، إذ التحقت منذ صغرها بمعهد والدتها الموسيقي في أبوظبي، حيث تفتّح هناك شغفها بالموسيقى، قبل أن تترك البيانو وتتجه إلى آلة التشيلو.

وأضافت: «منذ أن بدأت تعلم العزف منحتني الموسيقى فكراً مختلفاً ووجداناً مغايراً، وأدركت مبكراً كيف يمكن للموسيقى أن تُعيد تشكيل طريقة التفكير والإحساس. ومع الوقت، أدركت أنني لا أنتمي للعزف المنفرد فقط، بل إلى العالم الذي يتنفس فيه الجميع معاً: الأوركسترا. وكنت أميل إلى الأصوات العميقة الدافئة، وحين سمعت التشيلو لأول مرة، شعرت كأن الآلة تعرفني من قبل، وأن صوتها يشبه صوت الإنسان حين يتكلم من قلبه، ومن هنا كانت البداية لأصبح أول عازفة تشيلو إماراتية محترفة تمثل الإمارات على المسارح العالمية كصوت فاعل داخل جسد الأوركسترا».

بين نجوم العالم

مسيرة المرزوقي على المسارح العالمية أتاحت لها العمل إلى جانب كبار النجوم، وهو ما منحها تجارب وخبرات لا تتاح للكثيرين، عن هذه التجارب قالت: «كل تجربة من تلك التجارب تركت في داخلي أثراً مختلفاً، فالوقوف إلى جانب أندريا بوتشيلي علّمني أن القوة يمكن أن تتجلى في الهدوء، وأن الحضور لا يحتاج إلى الضجيج ليصبح نافذاً. ومع هيربي هانكوك أدركت أن الموسيقى فضاء مفتوح لا تحكمه حدود، إنها أرقى أشكال التواصل الإنساني. أما تان دان فقد أعاد تشكيل علاقتي بالصوت ذاته، فهو يتعامل معه كعمارة سمعية تُبنى طبقةً فوق طبقة لتروي سرداً كاملاً. في حين كان العمل مع بيونسيه درساً في الانضباط والدقة والتركيز، جميع تفاصيل الأداء بداية من الطاقة وصولاً إلى التناغم الجماعي، ما أظهر لي ما يمكن أن تصنعه المرأة عندما تُبدع في إطار جماعي. تلك اللحظات مجتمعة صقلتني فنياً، وأيقنت من خلالها أن الفنان الحقيقي لا يكفّ عن التعلم».

وأعربت المرزوقي عن أملها في تمثيل دولة الإمارات في المحافل الدولية، وإثبات قدرة الفنان الإماراتي على مجاراة الفنانين من الصفوف الأولى حول العالم. وفي الوقت ذاته، تسعى إلى تطوير لغتها الفنية واستكشاف مسارات جديدة، والعمل عبر أنماط موسيقية متعددة، من السيمفوني إلى العربي والمعاصر وصولاً إلى البوب، حتى لا تكون حبيسة نمط واحد، موضحة أن هذا التنوّع صقلها ومنحها قدرة على العبور بين العوالم الموسيقية من دون أن تفقد صوتها أو هويتها، وهو المسار الذي تودّ مواصلته وبدء العمل على إنتاجات موسيقية جديدة، ولا سيما في أعمال الأفلام والمشاريع التي تزاوج بين الإرث الموسيقي والرؤى المتعددة.

وأشارت المرزوقي إلى أنها شاركت الشهر الماضي في حفل كبير أقيم في كارنيجي هول، بالتعاون مع مدرسة رينا صوفيا للموسيقى، بقيادة أندريس أوروزكو إسترادا، ضمن برنامج مهرجان أبوظبي في الخارج، وهو ما يمثل لها شرفاً كبيراً أن تحمل اسم دولة الإمارات على أحد أهم المسارح العالمية، وأن تكون جزءاً من هذا التعاون الاستثنائي، مشيرة إلى أن البرنامج تضمن «سيمفونية العالم الجديد» لدفورجاك، و«سوِت إيبيريا إل بويرتو» لألبينيز، و«كونشرتو الكمان» لباربر (العمل رقم 14) بمشاركة عازف الكمان رينو كابوسون، و«إنترميديو من حفل زفاف لويس ألونسو» لجيمينيز. وكل عمل من هذه الأعمال يحمل حكاية موسيقية نابضة باللون والطاقة، ما شكّل أمسية موسيقية رائعة. كما أعربت عن تقديرها لمجموعة أبوظبي للثقافة والفنون ومهرجان أبوظبي لدورهما في تنظيم هذا الحفل، وفي دعم الفنانين الإماراتيين وتوفير منصات متميزة لتقديم أعمالهم أمام الجمهور العالمي.

الموسيقى والقانون

واعتبرت إلهام المرزوقي أن نجاحها في الجمع بين الموسيقى والقانون على نحو احترافي، يرجع بشكل رئيس إلى وجودها في دولة الإمارات. وقالت: «لا أظن أن ذلك كان ممكناً خارج الإمارات فهذه البلاد تتيح لمواطنيها ملاحقة طموحاتهم حتى حين تكون غير تقليدية. فعملي كمحامية يُغذّي مساري الفني، إذ يتركز في مجالي الترفيه والرياضة، وهو ما يجعله على تماس مباشر مع الإبداع والأداء ويمنحه بُعداً أعمق». ومع ذلك، تضيف المرزوقي «فإن تحقيق التوازن بين المسارين ليس أمراً يسيراً، فهو يتطلب إدارة دقيقة للوقت، والقدرة على التفويض، لأن محاولة القيام بكل شيء ذاتياً تقود إلى الإرهاق الحتمي. وفوق ذلك كله، أنا زوجة وأم وأخت وابنة، وهذه الأدوار ليست هوامش، بل عناصر تكوين أساسية تؤثر في نظرتي للفن وللحياة وتنعكس في طريقة حضوري على المسرح وخارجه. في الوقت نفسه أنا محظوظة بوجود عائلة كانت منذ البداية دعامة أساسية، ومازالت حتى اليوم تمنحني السند المعنوي الذي أحتاج إليه للاستمرار بثبات»، مشيرة إلى أن الجمع بين مسارين مهنيين متباينين، القانون والموسيقى، من أكبر التحديات التي مرت بها، لما يتطلبه ذلك من الالتزام بالتدريب والعروض، والانضباط بشكل كبير إلى جانب الاستعداد دائماً لإعادة ترتيب الأولويات.


تشكيل المشهد الموسيقي في الإمارات

قالت عازفة التشيلو الإماراتية إلهام المرزوقي، إن الموسيقى الكلاسيكية شهدت نمواً ملحوظاً في الإمارات خلال السنوات القليلة الماضية، بفضل ما يتوافر لها من دعم مناسب، وتدريب جاد، وفرص حقيقية للعزف على مسارح رئيسة. ولذلك لم يعد الموسيقيون الإماراتيون يشاركون فقط، بل يُشكلون المشهد الموسيقي ويبتكرون أسلوبهم الخاص، مضيفة: «كان من المذهل مشاهدة هذا التقدم وأن أكون جزءاً منه بنفسي. فعندما بدأت، لم تكن هناك مساحات كثيرة للموسيقيين الإماراتيين للتعلم أو العزف أو إيصال صوتهم إلى هذا المستوى، أما الآن بفضل جهود مختلف الجهات المسؤولة بدأ هذا الوضع يتغير بشكل ملموس وواضح».

تويتر