أكدوا أنه أداة قوية لسرد قصصهم خارج اشتراطات الإعلام التقليدي

صُنّاع «بودكاست»: دبي منصة أساسية للصوت العربي الجديد

صورة

أكد صُنّاع «بودكاست»، إعلاميون وأصحاب منصات إنتاجية متخصصة، أنه مع توسع الاهتمام بتجارب «البودكاست»، في السنوات الأخيرة، تحولت هذه الصنّاعة إلى واحدة من أكثر الأنماط الإعلامية حضوراً وتأثيراً في العالم، بوصفها مساحة حرة للنقاش والتحليل، والسرد والتعبير وتبادل الخبرات الإنسانية، بعيداً عن قيود الوقت والرقابة الصارمة التي كثيراً ما تحكم وسائل الإعلام التقليدية، في الوقت الذي بدأ عدد كبير من صُنّاع المحتوى العرب إدراك أن هذه المساحة الإبداعية الحرة، يمكن أن تكون أداة قوية لسرد قصصهم بالشكل الذي يريدونه، وليس بالشكل الذي تقتضيه اشتراطات الإعلام التقليدي، وأجمع معظم صُنّاع «البودكاست» الذين التقتهم «الإمارات اليوم» أنه في قلب هذا الحراك اللافت، تبرز دبي كمنصة عربية أساسية لهذا الصوت العربي الجديد، من خلال ما تحتضنه من منصات واستوديوهات ومبادرات دعم بالجملة، وفي مقدمتها منصة «دبي بودفِست» التي باتت محطة سنوية تحتفي بيوم «البودكاست» العالمي، وتجمع تحت سقف واحد تجارب واعدة، التقطت الميكروفون، وبدأت من غرف تسجيل متواضعة في أحياء عربية متفرقة، لتنطلق في رواية قصص مشوقة، وطرح نقاشات بلا حدود، ونسج أشكال وعي جديدة وأنماط إعلام مغاير، بدأ يرسم خريطة «بودكاست» عربي جديد له منطقه وجمهوره، ومقومات نجاحاته وعثراته، وحتى صوته وأثره في الشارع العربي.

«خدمة نظيفة»

الإعلامية التونسية، راوية خضر، التي بدأت مسيرتها في الصحافة المكتوبة، ثم انتقلت إلى الإذاعة، قبل أن تجد في «البودكاست» مساحة أوسع لرواية قصص مجتمعها، واصفة هذا الانتقال بالقول: «لا شك أن تجربة الإذاعة هي التي دفعتني إلى (البودكاست)، باعتبار ما تتيحه للمقدم من فرصة ليروي القصة بطريقته الخاصة، لهذا أعتقد أنني نجحت في هذا الجزء في المزج بين شغفين، الكتابة والإذاعة»، وأضافت «خلال جائحة (كورونا) أطلقت أول برامجي تحت عنوان (خدمة نظيفة) من غرفة صغيرة، وبالاعتماد على هاتف ذكي».

وحول رؤيتها للمشهد العربي، ومدى تقبل الجمهور لـ«البودكاست»، أكدت راوية أن المنطقة العربية تشهد ضرباً من التأخر مقارنة بتجارب «البودكاست» العالمي، ولكنها تمشي اليوم بخطى ثابتة، قائلة: «لا شك أن الجميع أدرك أهمية (البودكاست) الذي يمكننا من خلاله رواية قصصنا كما نحب، لكننا مطالبون وبشكل مستمر في المقابل بتفادي أفخاخ ومطبات الاستسهال والتقليد، لهذا أدعو الجميع دوماً إلى توخي الدقة في اختيار الموضوعات المبتكرة التي تلامس اهتمامات الجمهور، وتعكس همومهم وقضاياهم، وأن تكون للمقدم بصمته وموضوعاته الخاصة».

رسائل هادفة

بين أحضان مدينة دبي، ولدت تجربة «البودكاستر» ورائدة الأعمال سارة عبدالرازق وريم محمود، التي سرعان ما تحولت من مبادرة فردية إلى خدمة احترافية، وذلك، بعد أن استطاعتا معاً تأسيس شركة متخصصة في إنتاج «البودكاست»، لقناعتهما بأنه سيشكل عنواناً رئيساً للإعلام الجديد، في الوقت الذي نجحت سارة في تقديم «البودكاست» الاجتماعي الناجح «حياتي في عشرة»، ومن بعده «المثلث الذهبي» الذي تتناول من خلاله ريادة الأعمال ورواد التواصل الاجتماعي في الإمارات ومصر، في الوقت الذي لم تخفِ لـ«الإمارات اليوم» قلقها من صرعات «الجدل» في «البودكاست»، قائلة: «لا شك أن لعبة إثارة الجدل أمر خطر، لأنها تجعل (البودكاست) يفقد قيمته، فمن يستطع الاستمرار في هذا المجال، يجب أن يكون لديه رسالة حقيقية، وألا يسعى إلى جمع للمشاهدات وإثارة الجدل على حساب المحتوى والمضمون»، متوجهة بالشكر إلى نادي دبي للصحافة على المجهود الجبار الذي يلعبه في دعم تجارب صُنّاع «البودكاست»، سواء من خلال اللقاءات أو تجارب الورش أو الفعاليات المخصصة التي يتيح تشارك الآراء، والاستفادة القصوى من رواد هذه الصنّاعة لتطوير رؤاهم.

محتوى صادق

أما الإعلامية المتخصصة في الإذاعة والتلفزيون، ريم محمود، التي عملت في إحدى الصحف المحلية قبل أن تشارك الناس عبر حلقات صوتية قصيرة من «بودكاست» «بره المألوف»، حكايات وأسئلة تخطر في بال الجميع، فأكدت أن «شرط النجاح في (البودكاست) يتمثل في تقديم محتوى صادق بطريقة تلقائية، وأعتقد أن هذا ما يختلف عن البرامج التي تخضع للسياسة الإعلامية للقناة، بينما (البودكاست) مختلف من ناحية حرية اتخاذ القرار، وتوجيه أسئلة بطرق أكثر عفوية وتلقائية».

وأكدت في المقابل أن «هناك نقصاً كبيراً في بودكاست (الرعب) في العالم العربي، ومجالات القانون عموماً، وكذلك المجال الفني، ففي الوقت الذي تتزاحم فيه وتتنوع البرامج الفنية على القنوات، لا نرى برامج (بودكاست) تروي محطات مسيرة الفنانين العرب وصولاً إلى الشهرة، كما نشهد في المجال الرياضي نقصاً ملحوظاً في استثمار الموضوعات والشخصيات الرياضية في تجارب (بودكاست)، مقارنة بالتركيز على مجال الأعمال ومختلف أنواع العلوم والثقافة».

قصص واقعية

على صعيد متصل، أكدت أروى دياب، صانعة المحتوى المعرفي، أن علاقتها بـ«البودكاست» بدأت من تجربة شخصية، تم خلالها استضافتها في إحدى حلقات «البودكاست» الخاصة، لطرح تجربتها الشخصية مع التنمر، الأمر الذي دفعها إلى اكتشاف قيمة وأثر رسائل «البودكاست» الذي أصبح اليوم «تريند» إعلامياً جديداً، يتكفل بطرح قضايا تهم جميع شرائح المجتمع، من خلال استضافة أشخاص من قلب الحدث، حيث أكدت أروى: «أشعر بأن (البودكاست) أضاف لنا تجربة مميزة ومعلومات أكثر، وأصبحت له بصمة عربية واضحة، خصوصاً أن مصدر قوته يكمن في تناوله أحداثاً من قلب الواقع، على عكس الكثير من الحوارات التلفزيونية المجهزة سلفاً، لهذا أتوقع لهذا الجنس الإعلامي مستقبلاً واعداً، فكلما كان أكثر تخصصاً نضج المحتوى، وزادت فائدته للناس».


أرشيف حي

من السعودية يأتي صوت الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي لمنصة «مايكس»، عبدالعزيز الهديان، حاملاً رؤية تنطلق من إيمانه بقوة الكلمة المسموعة، وذلك بعد اختار تحويل بوصلته من مجال الطاقة إلى الإعلام، وتأسيس منصة لتقديم المحتوى. قائلاً: «لقد اخترت (البودكاست) من منطلق إيماني بأن الكلمة المسموعة لها اليوم قوة لم تكن لها عبر التاريخ، وذلك بعد أن منحت التقنيات الحديثة الصوت فرصة جديدة، ليس لنقل الكلمات فحسب، وإنما للشعور والقصة كذلك، وأشياء أخرى لا ترتقي أحياناً إلى أن تُكتب، يتيحها التسجيل المحفوظ».

وحول ملامح واقع «البودكاست» العربي ومستقبله، رأى الهديان أن صُنّاع «البودكاست» قاموا اليوم بدورهم، وأثبتوا أن الجمهور يريد أن يسمع، وأن التحديات الكبرى اليوم لا تظل في الأفكا، بل في التشريعات، في ظل غياب شركات متخصصة في تحقيق الدخل والعلاقات العامة، وقال: «من ينتقد (البودكاست) من وجهة نظر المغزى والقيمة، أدعوه أولاً إلى أن يعيد النظر في اختياراته، إذ يمكن متابعة ضروب محتويات مختلفة، واختيار الأنسب، خصوصاً أن القيمة (وجهة نظر) شخصية متصلة عند البعض بعمق المحتوى، وعند البعض الآخر بالترفيه والضحك والكوميديا، أو الأدب والفكر أو حتى خدمة المجتمع، فالمستمع أو المشاهد في النهاية هو من يحدد القيمة الحقيقية».

تويتر