فنانون شباب يطالبون بمزيد من الدعم.. وأصحاب خبرات يؤكدون أن الموهبة الحقيقية تفرض نفسها

أصوات واعدة «حبيسة التمني»: الأغنية الإماراتية الخاسر الأكبر

صورة

بين التوق للإعلان عن أصواتهم، وعقبات الساحة الفنية، تظل أحلام عدد من المواهب الإماراتية الشابة في ميدان الغناء حبيسة التمني ورهينة الفرصة التي لا تتوافر من وجهة نظر العديد منهم، إذ يرون أن الاستوديهات والمسارح الكبرى وشركات الإنتاج مازالت تبحث عن الأسماء الرنانة التي لم تعد بحاجة إلى مساندة ودعم، على خلاف من هم في بداية الطريق، مؤكدين لـ«الإمارات اليوم» أن الأغنية الإماراتية هي الخاسر الأكبر بسبب عدد تجديد دمائها بالتجارب المختلفة، والتي يحملها الجيل الشاب من «عيال البلاد» الذي ينتظر كثيرون منهم فرصة للنجاح والانتشار.

في المقابل، يتفق الطرف الآخر وأصحاب خبرات فنية على حاجة الأغنية الإماراتية بالفعل إلى مزيد من الدعم والرعاية من الجهات المسؤولة، وليس فقط الأصوات الشابة، مشيرين إلى أن معايير النجومية مرتبطة باجتهاد الشخص وباستمراريته في البحث عن الأفضل، كما أن الموهبة الحقيقية تفرض نفسها على الجميع، حتى ولو واجهت تحديات وتأخرت الفرصة في الوصول إليها، على عكس من يتعجلون الشهرة، فـ«ليس كل من يغني فناناً».


حمدان الحميري صوت إماراتي موهوب، انطلق منذ ثماني سنوات وتميز في اللون التراثي ليحقق نجاحاً لافتاً إلا أنه لم يصل إلى اليوم، لا إلى استوديوهات الإعلام المحلي ولا إلى مسارح البلاد، والسبب غير معلوم كما يقول الحميري، مضيفاً: «ضعف الإنتاج هو معضلتنا الكبرى وأهم عائق أمام المواهب الغنائية المحلية الصاعدة، فأنا من يتكفل بشراء القصيدة واللحن ودفع تكاليف عمليات الإنتاج الفني وتسجيل جميع الأغاني التي طرحتها حتى اليوم، وهو أمر مكلف جداً، ما يضطرني إلى ادخار بعض المال من مرتبي الشهري كموظف، للتواصل في الميدان، وسط غياب الدعم المادي والمعنوي الذي تقدمه الجهات المسؤولة للفنان الشاب، وعدم ثقة شركات الإنتاج والشعراء والملحنين فيه، علاوة على تغييبه عن الحفلات والمناسبات المحلية وانعدام المنصات وبرامج دعم الهواة التي تسهم في التعريف به».

وينتقد الحميري تركيز القنوات المحلية على وجوه فنية بعينها دون ترك حيز لدعم الأسماء الجديدة، التي لا تطلب إلا فرص طرح تجاربها على الجمهور دون أي مقابل مادي، موجهاً دعوة عبر «الإمارات اليوم» للجهات الفنية المعنية: «ليسمعوا أصواتنا أولاً، ويقرروا بعد ذلك من يستحق الدعم من (عيال البلاد) الذين يحتاجون بالفعل إلى هذا الدعم، وليس الفنانين الذين وصلوا إلى الشهرة ويعرفهم الجمهور».

اتهام

ويتفق الفنان عبدالعزيز المهيري على تأكيد أزمة الأصوات الشبابية وغياب الدعم عن الجيل الجديد، مقابل تسليط الضوء على الأسماء المعروفة. ويرد اتهام البعض للمواهب الشابة بسوء اختيار أعمالهم: «تعالوا اختاروا لنا وفصلوا لنا الثوب الذي يليق بنا»، مستشهداً بتجربته الخاصة مع أحد نجوم الساحة الإماراتية الذي تواصل معه في بداية مشواره ليستمع إليه ويقيّم صوته، إلا أنه قابله بالتجاهل ولم يرد عليه.

المهيري الذي يحمل في رصيده تسع أغانٍ، أمضى السنوات الـ10 الأخيرة في الإنفاق على أعماله الفنية، معترفاً بعدم قدرته اليوم على التعامل مع الملحنين المحليين نظراً لارتفاع كُلفة الألحان التي قد تتجاوز 60 ألف درهم أحياناً.

بينما في المقابل، يشيد المهيري بدعم بعض أصدقاء الدرب: «كل الشكر والتقدير لأخي الفنان محمد الشحي الذي يحرص باستمرار على معاضدة جهد المبتدئين من خلال الألحان أو التوزيع»، موجهاً هو الآخر رسالة للجهات المسؤولة طالب فيها بدعم الأغنية الإماراتية: «ماذا لو اعتزل نجوم مثل ميحد حمد أو حسين الجسمي يوماً ما؟ هل فكرتم فيمن يرفع راية الأغنية المحلية مثلاً من شباب البلاد قبل أن يندثر جزء من تراثها وهويتها؟».

هاوٍ ولست محترفاً

من ناحيته، لا يبدو الفنان حمد سرور الشحي، مستشعراً للأزمة التي تعيشها المواهب الشابة حالياً، إذ قدم تجربته الفنية على مدار ثماني سنوات على أساس هاوٍ ولم يفكر في تحويلها إلى تجربة احتراف، من خلال تجربته الناجحة مع البحرينية ناديا الجناحي في تقديم مقاطع غنائية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن يقرر بناء على نصيحة الأهل والأصدقاء، تنمية موهبته بحكم إجادته العزف، مشيراً إلى أنه يتريث في بناء مسيرته وقصده التقدم ببطء وثبات نحو أهدافه من خلال تأسيس هوية فنية خاصة تبتعد عن التقليد.

وينفي الشحي غياب الدعم الموجه للمواهب الشابة، إذ تلقى أثناء مشواره دعماً كبيراً من إحدى صانعات المحتوى الإماراتيات التي تكفلت بإنتاج أول فيديو كليب غنائي خاص به في عام 2014، في الوقت الذي أهداه أحد الشعراء المعروفين على الساحة الإماراتية كلمات إحدى أغانيه الناجحة، في الوقت الذي يحاول هو ردّ جميل هؤلاء من خلال تقديم ألحان لعدد من المواهب الشابة، داعياً كثيرين منهم إلى مزيد الاجتهاد والاستمرارية والبحث عن خط فني جديد يختلف عما يتم تقديمه للنجاح.

واجب أخلاقي

بينما يقول الفنان محمد الشحي الذي يعُد من أبرز الأصوات الشابة التي حققت انتشاراً واسعاً أخيراً بين الجمهور: «لدينا في الإمارات أصوات جميلة ومواهب شابة ذات مستقبل، ولكن الكثير منها للأسف غير صبور ومتعجل في تحقيق النجاح أو سرعان ما يصاب بالغرور بعد تجربة نجاح أولى، في الوقت الذي لا يقاس نجاح الفنان بأعداد المشاهدات والأرقام، وإنما بالرصيد الفني المقدم والمثابرة والاستمرارية».

ويشير إلى أن العائق الثاني بعد التعجل، هو عدم قدرة مغنين شباب متميزين على المنصات الاجتماعية على تجارب الاستوديو، مضيفاً: «من جهة أخرى يكلف التعامل مع بعض الملحنين أو الشعراء المقتدرين مبالغ كبيرة بالنسبة للفنان المبتدئ؛ ما يضعهم في عجز حقيقي على مواصلة المشوار وبالتالي ترك الساحة الفنية»، مستشهداً بتجربته الخاصة في الأغاني الجديدة التي وإن تعامل فيها في مرحلة الكلمات مع شعراء أصدقاء دون مقابل مادي، فإنه يدفع تكاليف توزيع وهندسة الصوت، على حد تعبيره.

وحول حلول النهوض بواقع المواهب الشابة، يؤكد محمد الشحي أن القدرة أحياناً على مساعدة المواهب الصاعدة واجب أخلاقي على صناع الأغنية من ملحنين وشعراء وفنانين وذوي صيت ونفوذ للجيل الجديد لمساعدتهم على تخطي العقبات. وأكمل: «لعله الدرس الأهم الذي تعلمته من مشقات مسيرتي الفنية ومطباتها الكثيرة، الذي دفعني لفتح بابي لأصحاب الموهبة الإماراتيين، ومنهم الفنان حمدان الحميري الذي وعدته بالتكفل بأغنية واحدة (سينجل) يضع عليها صوته ليكون جاهزاً قريباً».

زمن «يوتيوب»

من جانبه، يشدد الفنان حمد العامري الحاضر في الوسط الفني منذ عام 2003، على أن معايير النجاح والنجومية مرتبطة باجتهاد الشخص وباستمراريته في البحث عن الأفضل، مضيفاً: «يجب الإيمان دوماً بأن لكل مجتهد نصيباً، وما على الفنان من عمل إلا الاجتهاد، فإن توافر الدعم تيسرت الأمور وإن لم يتوافر لا يجب فقدان الثقة بالنفس».

ويتابع حول تحديات العمل في الساحة الفنية: «لا شك أن الصعوبات موجودة في جميع الميادين ومتصلة اتصالاً وثيقاً بمسيرة النجاح بشكل عام، فإذا كان الفنان مستعيناً باجتهاده الشخصي فحسب، فإنه سيواجه حتماً تحديات متنوعة أبرزها: تحدي الكُلفة الإنتاجية العالية للأغاني، وغياب جهات راعية للعملية وشركات الإنتاج المتكفلة بطرحها على الساحة، والتي انسحبت من المشهد متعللة بحقوق الملكية التائهة في زمن (يوتيوب) ومواقع التواصل الاجتماعي، فخطوة طرح إنتاج فني غنائي جديد بالنسبة للمواهب الجديدة كل مرة، محفوفة بالعثرات والعوائق».

ويستطرد العامري: «لعبة الإنتاج باتت محصورة أخيراً في دائرة (المشاهير) الذين يحصلون بين فترة وأخرى من معارفهم الشعراء والملحنين، على أغانٍ تكون جاهزة بالكامل يسجلونها ليس فقط بشكل مجاني بل ويتقاضون مقابلها أجوراً إضافية، وهذا الأمر يجعل الساحة منحصرة فقط في بعض الوجوه المعروفة والموجودة، ولا يفتح الباب أمام المواهب الجديدة التي لا يصلها الدعم الكافي للبروز على الساحة».

ويلفت إلى أن أزمة الجائحة، ضيّقت الخناق على كثيرين من الشعراء ومنعت المتنافسين منهم سابقاً على صدارة المشهد الفني والمتكفلين في مراحل سابقة بإنتاج أغانٍ بالكامل لعدد من الفنانين، من المجازفة بتبني وجوه جديدة وحتى قديمة بسبب قلة الموارد أو انعدامها، من ثم، تقلصت فرص ظهور الكثير من الأصوات الإماراتية الجديدة لتغيب تماماً في كثير من الأحيان لفائدة المجهودات الشخصية للفنان.

تخوفات وحذر

أما الفنان والملحن الإماراتي فايز السعيد، فيقول إن جائحة «كورونا» خلقت تخوفات لدى شركات الإنتاج بعد تأثر عائداتها بشكل كبير وانسحاب ذلك على تعاملها الحذر اليوم مع عدد من الفنانين الشباب، مشيراً إلى صعوبة دعم المواهب الشابة في عصر «السوشيال ميديا» التي فرضت تنوعاً كبيراً في المنصات وشرائح الجمهور المتلقي، إذ تحولت قواعد اللعبة الفنية ليصبح معيار عدد المشاهدات على «يوتيوب» هو مصدر الدخل والانتشار الفني والضامن لصاحبه المشاركة في المناسبات والحفلات الغنائية، على حد تعبيره.

ويتوقف «سفير الألحان»، عند دعمه لكثير من المواهب الإماراتية الشابة بالألحان ومساعدتها على الوصول إلى الجمهور: «فمهمتي الأساسية هي تمهيد الطريق أمام تلك المواهب، لكن الأهم هو تقبّل الجمهور لها وقدرتها على الاستمرار في المجال، وكلي تفاؤل بالأيام المقبلة التي تحمل طقساً مبشراً للأغنية الإماراتية، فنحن نحتاج بالفعل إلى دعم هيئات رسمية ترعى الأغنية الإماراتية التي تفتقر حالياً إلى اهتمام حقيقي بالكلمة والمحتوى، خصوصاً في وجود مواهب تستحق الاهتمام».

عائدات قليلة

ويعتبر الملحن والموزع الموسيقي حسام كامل، الذي وضع بصمته في عدد كبير من الأعمال المتميزة لأبرز مشاهير الغناء في الإمارات، أن الكُلفة العالية لإنتاج الأغنية المحلية، تظل أكبر عقبة تواجه الفنان الصاعد في غياب شركات الإنتاج التي باتت شبه معدومة وإن وجدت، فتراهن في غياب العائدات المادية البخسة اليوم، و«يوتيوب» وبرامج قرصنة الأغاني، على شروط تسويقية صعبة وعلى النجوم الكبار.

ويضيف: «بالنسبة للفنانين الجدد، ليس كل من يغني منهم فناناً، إذ سيمر كثير من الأسماء دون ترك بصمة تذكر، وسيكون المتميزون والموهوبون القادرين على مواصلة هذا الدرب الشائك بشرط أن يمتلكوا خامة صوت خاصة، وشكلاً فنياً لائقاً وخيارات موزونة وذكية والأهم مختلفة عن السائد، ففي زمن وسائل التواصل الاجتماعي اليوم، بات العالم قرية صغيرة وبات معه تسويق الفن وتحقيق الشهرة أسهل بكثير لأي فنان موهوب وأحياناً رهين أداء مقاطع غنائية يقوم بطرحها رقمياً».

• عبدالعزيز المهيري يتساءل: «ماذا لو اعتزل نجوم مثل ميحد حمد أو حسين الجسمي يوماً ما؟ هل فكرتم فيمن يرفع راية الأغنية المحلية قبل أن يندثر جزء من تراثها وهويتها؟»


التنويع.. مطلوب

حول ما إذا كان اختيار اللون الإماراتي عائقاً أمام الفنان للانطلاق نحو آفاق أوسع، يقول الملحن والموزع حسام كامل: «ليس عائقاً، ولكن التنويع مطلوب دوماً في تجارب الفنان لأنه كفيل بإكسابه جمهوراً أكبر، والدليل أن كثيرين من الفنانين الإماراتيين نجحوا في اللون العراقي، وحققوا انتشاراً من خلاله، لكن تكمن المفارقة في الخيارات الفنية المناسبة وصناعة الأغنية كلمة ولحناً ولوناً وأداء، لتكون مغايرة وناجحة في الوصول إلى شرائح من الجمهور».

تويتر