الموسم يبدأ من يونيو ويستمر 3 أشهر

المقيظ في الإمارات.. ذكريات ورحلات البحث عن النسيم اللطيف

صورة

يشهد شهر يونيو من كل عام بدء موسم القيظ، أو ما يطلق عليه مربعانية القيظ، وسميت بهذا الاسم لأن مدتها 40 يوماً، ومع بدء هذا الموسم ترتفع درجة الحرارة، وهرباً من شدتها اعتاد سكان الإمارات قديماً الانتقال إلى مناطق تتميز باعتدال درجة الحرارة، وكانت تعرف بـ«المقيظ» وجمعها مقايظ، والتي تمتد فترتها ثلاثة أشهر يقضيها النساء والأطفال في الواحات والمناطق التي تضم مزارع، بينما كان يقضيها الرجال في البحر لصيد اللؤلؤ.

واكتسبت فصول السنة أسماءها من البيئة والطقس في كل فصل منها؛ فكان الربيع يسمى الصيف، والخريف الأصفري لاصفرار أوراق الأشجار، وسمي الصيف بالقيظ، لشدة الحر. وارتبط موسم الصيف (القيظ) في الإمارات بموسم الرطب، إذ تنضج التمور في تلك الفترة بفضل حرارة الجو. وكان جمع التمور حدثاً مهماً يشارك فيه السكان من مختلف الأعمار. وعقب جمعها تجفف حتى يمكن الاحتفاظ بها لأطول فترة ممكنة، عبر نشرها على أسطح خاصة مصنوعة من سعف النخيل ومرتفعة عن مستوى سطح الأرض للحفاظ عليها بعيداً عن التلوث.

وجهات

وتعد واحات مدينة العين الخضراء من أشهر مقايظ الإمارات قديماً، والمناطق المشهورة فيها مثل القطارة والهيلي والمعترض والداوودي والجيمي، كما توجد على مقربة من العين منطقة البريمي التي تفضلها عائلات كثيرة في أبوظبي ودبي والشارقة، وترحل إليها في قوافل جماعية.

كما تشتهر محاضر ليوا وجزيرة دلما والجزر القريبة منها. وفي الساحل الشرقي تنتشر مناطق السهول الزراعية الممتدة من كلباء جنوباً حتى دبا شمالاً، التي تكثر فيها أشجار النخيل والفواكه والخضراوات. ومن أهم المقايظ سهول كلباء التي تحتوي على بساتين لأنواع من أشجار الفاكهة، وتضم مختلف أنواع النخيل والآبار العذبة، وتقصدها العائلات من أبوظبي والشارقة ودبي، أما مقيظ دبا فيعد من المقايظ المفضلة لأهالي الساحل.

طقوس

وتعد رحلات المقيظ من الطقوس البارزة لأهل الإمارات والمنطقة، وارتبطت بعادات وطقوس معروفة، منها ما ورد في الروايات الشفاهية التي وثقها الأرشيف والمكتبة الوطنية في إصدارات مختلفة، من أبرزها كتاب «ذاكرتهم تاريخنا»، ومنها ما يذكره الراوي سعيد لوتاه (من دبي) عن رحلات «المقيظ» فيقول: «كان موسم الغوص يستغرق قرابة أربعة أشهر، وكان مصدراً رئيساً للرزق، وكانت النساء يحضرن (والحضارة: موسم جني الرطب) إلى الباطنة وعُمان وشرق رأس الخيمة وشعم، إذ كن يذهبن فترة غياب الرجال إلى الواحات والمناطق الزراعية لجني الرطب وتخزين التمور». وأضاف «غالباً ما كانت تتكفل النساء بالتحضير لرحلة المقيظ، وترتيباتها بسبب غياب معظم الرجال وانشغالهم في التحضير لموسم الغوص، وتتفق النساء مع (الكري)، وفي بعض المناطق تضطر عائلات إلى السفر بواسطة السفن الشراعية بدلاً عن قوافل الإبل، بسبب كثرة المواد والمؤن والهدايا التي يحملونها معهم في رحلة العودة من المقيظ». في حين تقول الراوية رفيعة الخميري (من أبوظبي)، عن المقيظ لأهل أبوظبي: «كنا في فصل الشتاء نبقى في المدينة؛ ولكن عندما يحل الصيف كنت أذهب مع أهلي إلى رؤوس جبال رأس الخيمة بحثاً عن البرودة والنسيم اللطيف، وكنا نتجه إليها عبر البحر؛ فقد كانت أسرتي تملك مركباً كبير الحجم (جالبوت). وبعد وفاة أحد أجدادي أصبحنا نقضي فصل الصيف في العين، إذ كان لوالدي منزلٌ فيها قرب مسجد الشيخة سلامة بنت بطي، (منطقة السوق حالياً)».

بينما يتذكر الراوي الشاعر سالم المهيري (من العين) «المقيظ» قائلاً: «كنا نقضي فترة الأصفري (الخريف)، وكان أهلنا يخرجون إلى البر لقضاء فترة (القيظ) أول ما (تبشر) النخيل، ويكون أول منتوج لها، ويسمونها (البشارة)، فيبدأ الناس بالذهاب إلى (المقايظ) القريبة من النخيل، ويسعون للسكن بقرب ماء الأفلاج، ويأكلون من ثمار النخيل». من ناحيته، يقول الراوي سعيد المنصوري (من مدينة زايد في الظفرة): «كنا نقيظ في الحمرا التابعة لأبوظبي، وكانوا يذهبون على ظهور الإبل ليقيظوا في ليوا، وفي (البراد) يذهبون باتجاه الختم، وإلى الطف شمالاً، ويأكلون من التمور، وعندما يحلّ البرد يذهب الرجل، ويحمل حطباً من الطف، حمولة بعيرين أو ثلاثة، و(يحدر) (يدخل) أبوظبي، ويبيعه ويشتري بثمنه مؤونة تكفيه مدة ثلاثة أو أربعة أشهر».


«وقت الحضارة»

تطرقت الشيخة صبحة محمد جابر الخييلي، في كتابها «وين الطروش»، لرحلات المقيظ، مشيرة إلى اعتياد أهل أبوظبي قضاء شهور الصيف في العين، وكانت تلك الفترة تعرف بـ«وقت الحضارة»؛ إذ كانت الأسر تستعين برجل من البدو «المكري» لإحضار الإبل (الركاب) وتحميلها بتموينهم من الطعام الذي يكفيهم مدى الإقامة هنا، وكانت رحلة الحليل لأهل أبوظبي القادمين للعين تستغرق ثمانية أيام، وطوال أشهر الصيف الثلاثة يستمتعون بالمناخ، والأفلاج، والماء العذب، والفواكه الطازجة من كل نوع، كالرطب والهمبا (المانجو)، والموز والليمون وغيرها. وبعد انتهاء الصيف يعود «المكري» بهم إلى أبوظبي وهم محملون بخيرات العين من اللومي (الليمون) المخلل، والخل والسمن وغيرها، وكان «المكري» يرددون «حدوة» وهم يشدون الركاب متجهين إلى أبوظبي.

• رحلات المقيظ من الطقوس البارزة لأهل الإمارات والمنطقة، وارتبطت بعادات معروفة.

• في الساحل الشرقي تنتشر مناطق السهول الزراعية الممتدة من كلباء جنوباً حتى دبا شمالاً.

تويتر