الأبناء يحافظون على الإرث.. حتى كرسي الوالد مازال موجوداً

دكان الحاج ناصر في سوق دبي الكبير.. 100 عام برائحة الأرز والزعفران.. فيديو

صورة

في السوق الكبير بمنطقة ديرة، التي شهدت بدايات التجارة في إمارة دبي، مازال المحل الذي أسسه الحاج ناصر عبدالله حسين أنوهي، في عشرينات القرن الماضي، يحمل ملامح الماضي، بدفاتره القديمة والوثائق التجارية.

المحل الذي يعج بالبضائع والمواد الغذائية والزعفران، كان نقطة الانطلاق لمسيرة تاجر، ترك لأولاده الإرث لتجارة واسعة تقوم على الأمانة والثقة بالدرجة الأولى، إذ حافظ أولاد الراحل الحاج ناصر على شكل الدكان في السوق الكبير في ديرة، حتى الكرسي الذي كان يجلس عليه مازال موجوداً في المحل، بلونه الأسود والشرائط اللاصقة لصيانة ما أتلفه «الزمن».

وعن البدايات، قال الابن هاشم الحاج ناصر لـ«الإمارات اليوم»: «أسس والدي المحل في هذا السوق في عشرينات القرن الماضي، بينما يعود تاريخ السوق إلى عام 1850، وفي تلك الفترة كانت البدايات بسيطة، والحياة والموارد كذلك، وأسس المحل بالتزامن مع التراجع الذي شهدته تجارة اللؤلؤ، خصوصاً أنه تم تحويل العمل على السفن التي كانت تستخدم في الغوص للتجارة». وأضاف هاشم: «كانت خبرة والدي بالبداية بسيطة في التجارة، إذ تعلم أسسها من تجار آخرين في السوق، وأسس نظام المحل على ما توافر من بضائع، إذ كان يعيد بيع البضائع عبر نظام يطلق عليه اسم (السبتية)، وهو نظام يقوم على أخذ بضائع من السوق، ثم بعد بيعها يسدد ثمنها من أرباح المبيعات في نهاية يوم السبت من كل أسبوع». ولفت إلى أنه مع الوقت، بدأ الناس يعرفون والده، الذي ذاع اسمه في الإمارات وخارجها، وتوسعت تعاملاته مع التجار، إلى أن وصلت إلى كل دول الخليج، وساحل إيران واليمن، وكذلك العراق.

تحديات

لم تكن التجارة بأفضل أحوالها طوال الفترة التي عمل فيها الراحل الحاج ناصر، إذ أكد هاشم أن والده واجه العديد من التحديات في الفترة التي بدأت فيها الحرب العالمية الثانية، إذ أغلقت الموانئ في الخليج، وتضاءل وصول البضائع من الخارج. وأردف: «في هذه الأثناء، تولى المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، ولاية عهد دبي، ووزع القسائم الغذائية، فاعتمد التجار على تأمين المواد الغذائية بالتناسب مع قيمة القسائم التي وزعت على الناس، كما أن المغفور له تمكن من تأمين شحنات غذائية، على الرغم من إغلاق الموانئ». بعد الحرب العالمية الثانية، عمل المغفور له الشيخ راشد، بشكل جاد على تطوير السوق، إذ حضر - رحمه الله - مع التجار في كل التفاصيل الخاصة بالسوق، وكان يمر به بشكل يومي، وأتت خطة تطويره مكتملة بتأسيس الدوائر التي أسهمت في فتح المجال للتجار للتعامل مع دول الخليج. وأوضح هاشم أن التحدي بعد الحرب العالمية الثانية، وبعد الخروج من أزمة قلة الموارد، كانت الفترة الأساسية التي حركت دبي لما عليه اليوم، وهذا يؤكد على الرؤية التي كان يحملها المغفور له الشيخ راشد، وكيف بنى أُسس التجارة القوية،  حتى أصبح الاقتصاد في دبي حالياً رقماً مهماً في الاقتصاد العالمي.

دفاتر ووثائق

ورث هاشم وإخوانه التجارة من والدهم (الذي توفي في عام 2007). ولفت إلى أنه حين تسلم المحل، وجد فيه الكثير من الدفاتر والوثائق التي كان يستخدمها والده في عمله اليومي، والتي تظهر دقة التنظيم في ذلك الوقت، فدفاتر الحسابات تؤكد دقة العمل، خصوصاً أن الوالد اعتمد على مجموعة من المحاسبين في مراحل متنوعة من العمل. وقال إن من أبرز المبادئ التجارية التي تعلمها من والده، هي أن «الدين ثقيل على صاحبه»، وأن الأمانة في تقديم أجود أنواع المواد الغذائية تعتبر الأساس في العمل التجاري.

علامة خاصة

من جهته، أوضح عبداالله الحاج ناصر عبدالله، ملامح من تفاصيل التجارة التي بدأ بها والده، والتي كانت تعتمد بشكل أساسي على الأرز والزعفران. وقال: «ورثنا عن والدي تجارة الأرز والزعفران بشكل أساسي منذ عقود، ونقدم أفضل أنواع الأرز، ولا نملك أي محل آخر في أي إمارة أخرى، فهذا المحل عمره أكثر من 100 سنة». وأشار إلى أن العلامة التي أنتجها والده تحمل اسم «ناصر ألماس»، وهو من أجود أنواع الأرز البسمتي.

أما الزعفران، فنوّه عبدالله بأنه لابد من شرائه من أهل الثقة، بسبب وجود أنواع متعددة من الزعفران، إذ يتم اختياره تبعاً للطول والجودة والرائحة والطعم واللون، وتوجد حالات غش في تقديم أنواعه من خلال صبغ خيوط الورد. وشدد على أن الزعفران - كالعود والعسل - يجب ألا يشترى إلا من أصحاب الثقة، خصوصاً أنه يباع بالغرام، ودائماً ما يتفاوت ثمنه.

مكتب «الراحل»

حول مكتب الوالد الراحل، لفت هاشم الحاج ناصر إلى أنه كان عبارة عن مجلس، يجتمع فيه أعيان البلد والتجار، إذ كانت الأسواق أكثر الأماكن ارتباطاً بالناس، لافتاً إلى أن العملة التي كانت متداولة هي الروبية الهندية، إذ استخدمت في الأربعينات والخمسينات، وغُيّرت فيما بعد من الأزرق إلى الأحمر، إذ خصصت العملة الحمراء لدول الخليج، وعندما تدنت قيمة الروبية، تبدلت إلى ريال قطر ودبي.

• هاشم الحاج ناصر: «ذاع اسم والدي في الإمارات وخارجها، وتوسعت تعاملاته مع التجار إلى أن وصلت إلى كل دول الخليج، وكذلك للعراق».

• عبداالله الحاج ناصر: «الزعفران - كالعود والعسل - يجب ألا يشترى إلا من أصحاب الثقة، خصوصاً أنه يباع بالغرام، ودائماً ما يتفاوت ثمنه».

لمشاهدة الفيديو، يرجى الضغط على هذا الرابط.

تويتر