منافسة في الطاقات البشرية والموهوبين والعمال المهرة

اجتذاب المواهب.. كيف تنجح الدول في استقطاب العقول

البلدان الناطقة باللغة الإنجليزية كانت تاريخياً الأنجح في جذب المواهب العالمية.■من المصدر

ارتفعت حدّة المنافسة بين الدول على الطاقات البشرية والموهوبين والعمال المهرة بتأثير من التزايد المطرد لسهولة تنقل المبدعين بين البلدان وتوزع المهارات بينها. وغيرت جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) حياتنا على مختلف الصعد، ففي مشهد التوظيف عالمياً، ألغيت ملايين الوظائف في قطاعات الضيافة وتجارة التجزئة وتنظيم المناسبات، لكنها أدت إلى قفزة في الطلب على المتخصصين في قطاعات أخرى مثل الرعاية الصحية والأبحاث الطبية والخدمات اللوجستية، بالإضافة إلى أنها دفعت معظم الشركات إلى محاولة التكيف مع الإغلاقات العامة، بالسماح للموظفين بالعمل عن بعد، فضلاً عن توظيف أفضل المهارات في أماكن متباعدة لتعزيز قدرتها على الصمود أمام الجائحة، وتتيح هذه التطورات لأمهر الموظفين والخبراء حرية الانتقال للعمل في شركات متعددة خارج حدود بلدانهم، وهو ما سينعكس ارتفاعاً في التنافس بين الدول على استقطاب المواهب الفريدة، ولابد إذن للبلدان المختلفة من الاستعداد للعقود المقبلة من خلال الاستفادة من دروس البلدان الأكثر نجاحاً في اجتذاب المواهب من خارج حدودها.

تنافس عالمي

وتشير الأرقام الأولية إلى أن البلدان الناطقة باللغة الإنجليزية كانت تاريخياً الأنجح في جذب المواهب العالمية، فحتى العام 2010 وصل إلى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا 70% من المهاجرين أصحاب المهارات العالية المتجهين إلى دول «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية»، و41% إلى الولايات المتحدة وحدها، إلا أن مشهد المنافسة العالمية على المواهب أخذ يميل إلى التغير بعد ذلك في العقد الذي تلى ذلك، إذ أدت التغييرات السياسية في الولايات المتحدة الأميركية إلى إضعاف جاذبيتها، في حين اكتسب الاتحاد الأوروبي - بمجموعة دوله - زخماً قوياً، خصوصاً في مجال البحوث الصحية.

وفي العام 2018 صنّف المعهد الدولي للتطوير الإداري تسع دول أوروبية كأفضل 10 دول في مجال استقطاب المواهب، وذلك ضمن قائمته السنوية «ترتيب المواهب العالمية»، وجاءت كندا في هذا الترتيب في المركز السادس متقدمة على الولايات المتحدة الأميركية التي احتلت المرتبة 13. وذكرت مجلة «نيتشر» العلمية أن التعاون الإقليمي كان من أبرز أسباب تحول أوروبا إلى وجهة أولى للباحثين العلميين والطبيين، فمنطقة شينغن المكونة من 26 دولة من دول الاتحاد الأوروبي، أقرت سياسة تأشيرات تتيح لحامليها السفر بحرية للتعاون والعمل مع العلماء في جميع بلدان الشنغن. وأبرم مجلس الأبحاث الأوروبي اتفاقيات مع دول حول العالم لتسهيل انضمام العلماء إلى فرق البحث الأوروبية، وتكفل إجراءات حماية العمال حصول العلماء الشباب على أجور مناسبة دون إرهاقهم بالعمل. ويوفر الدعم السياسي والثقافي الأوسع للبحث العلمي في تلك الدول أسساً قوية لهم تمكنهم من الازدهار والإبداع في بيئة جديدة.

وبالمقابل، ارتفعت كلفة التعليم إلى مستويات غير مسبوقة في الولايات المتحدة الأميركية، مع تراجع الاستثمار في مؤسساتها التعليمية، بل زادت صعوبة الحصول على تأشيرات دخول أمام ذوي المهارات العالية، وفي المقابل جعلتها كندا أسهل أمامهم من خلال برنامج استراتيجية المهارات العالمية، الذي قبل 95% من 12 ألف متقدم، ربعهم من الولايات المتحدة. وتعمل دول عدة على تحرير سياسات هجرة العمال المهرة، لكنها تغفل استقطاب المبتكرين من اللاجئين مع أنهم من أهم منابع المواهب، إذ أسهموا مثلاً حتى بأعداد قليلة في نمو الولايات المتحدة التقني خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها، فالنزوح يجبر الطلاب من مختلف مناطق الأزمات على التسرّب من التعليم العالي للحفاظ على حيواتهم، ومنهم أخيراً أكثر من 100 ألف طالب خلال الأزمة السورية وحدها.

توصيات

نظراً لصعوبة الانتقال إلى بلدان معينة حالياً مثل الولايات المتحدة الأميركية، بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) والسياسات العالمية، فلابد للبلدان التي تسعى إلى استقطاب المواهب من ابتكار حلول جديدة لتسهيل انتقال المواهب إليها واستقرارها فيها، فالأمن الاقتصادي والسلامة الشخصية يتربعان حالياً أعلى سلم الأولويات في هذه الأوقات المضطربة حول العالم.

ولابد للدول من السعي أيضاً إلى إقرار برامج للاستدامة في توظيف المواهب والاحتفاظ بها، بدلاً من أن تكون مجرد إجراءات مرحلية .


- نظراً لصعوبة الانتقال حالياً لابد للدول من ابتكار حلول جديدة لتسهيل انتقال المواهب إليها.

- الاستعداد للعقود المقبلة من خلال الاستفادة من دروس البلدان الأكثر نجاحاً في اجتذاب المواهب.

تويتر